الباراديغم والمنهج الإسلامي 2
دراسة وتحليل : د/ علوي القاضي
... وصلا بما سبق ، فإن (الباراديغم) حاكم للتغيير في كل مراحل حياة الإنسان ، وقد يجعل الإنسان يرى الأمور بغير حقيقتها ، وهذا من أهم أسباب إختلاف البشر ، فالإختلاف والتنوع من حكمة الله في خلقه ، لذلك نستخلص أن كل ما نراه ماهو إلا جزء صغير من كلٍّ كبير ، وأن ماندركه ليس بالضرورة حقيقة مطلقة ، وأن لكل موقف زوايا نظر متعددة وكلها صحيحة ، وأن القناعات تتغير بتغيير الإدراك ، ويتغير الإدراك بتغير المعرفة والخبرات ، وأننا لن نفهم الآخرين ولن نكسبهم إلا عندما نفكر بالطريقة التي يفكرون بها ، ولذلك يجب أن نوسع دائرة إستيعاب الإختلاف حتى نحتوي الكثير من المواقف
... الباراديغم فردي وجماعي ويشمل خبراتنا الشخصية وعاداتنا وثقافتنا وتقاليدنا الجماعية وكلاهما نقطة في هذا العالم الكبير ، لذلك يجب مراجعة وتغيير (الباراديغم) كل فترة مواكبة للتغيرات من حولنا
... والمراجع ل (المنهج الإسلامي) يجد أنه أول منهج سلوكي تكلم في (الباراديغم) ، يقول الإمام علي بن أبي طالب (خاطبوا الناس على قدر عقولهم) ، فاختلاف ألوانكم وألسنتكم رحمة من الله وٱية للعالمين ، فلا تجعلوه فتنة لكم حتى لاتمزقون كل ممزق ، وتكونون أحاديث للناس ، وتتيهون في الأرض ، (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
... وتتجلى (الباراديغمية الإسلامية) في حوار الرسول صل الله عليه وسلم مع الشاب الذي طلب منه أن يسمح له ب (الزنى) فكان رد الحبيب عليه مخاطبا ثقافته القبليه وغيرته الفطرية على عرضه ، حيث سأله (أترضاه لأمك .. لأختك .. و .. و ..) فرد الشاب ب (بارادغميته) لايارسول الله فرد عليه الحبيب فكيف ترضاه لغيرك
... ولا ننسى موقف النبي صل الله عليه وسلم يوم فتح مكه حيث أعلن أن (من دخل بيت (أبو سفيان) فهو ٱمن) وذلك مراعاة لمكانة أبو سفيان في قومه (باراديغم إسلامي)
... ولذلك فمن المعروف أننا عندما نريد أن نوصل رسالة ما لأحد من المتلقين الهدف منها (الإقناع) ، فإن الناس تختلف عقولهم واهتماماتهم واحتياجاتهم ومنطلقاتهم الفكرية والإجتماعية والعقائدية ، كما تختلف مداخلهم وتتبدل وفق الظروف والأحوال ، وحتى نُوَفق في نوع الحوار المناسب للشخص كما فعل النبي صل الله عليه وسلم مع هذا الشاب وكما فعل مع أبي سفيان ، لا بد أن نبدأ بالتالي ، لا تكن أنت البادئ بالحديث ، ودع الٱخر يحدثك كيفما شاء ، لماذا ؟! ، حتى تكشف طبيعته ، وطريقة أسلوبه ، فتحدد حينها من أين تأتيه ؟! وكيف تحاوره ؟!
... واعلم أن مايصلح للعالم قد لايصلح للجاهل ، ومايصلح للخاصة ربما يضر لو أخذ به العامة ، وأن مدخل الإنسان في حال الفرح يختلف عن مدخله في حال الحزن والفرح ، ومدخله وهو غني يختلف عن مدخله وهو فقير ، فاختر لكل إنسان مايناسبه من مداخل تستطيع بها أن تغير قناعته ، لتصل به إلى الحق وتخلصه من أوهام الشبهات والإتهامات
... لذا يجب علينا أن ندرك أن عقول الناس تتفاوت ،
فالإنسان الثائر يخاطب بعبارات هادئة لتكون بردًا وسلامًا على قلبه ، والإنسان الهادئ الفاتر يخاطَب بعبارات مثيرة للحمية وموقظة للهمم وحافزة للعزائم ، والإنسان الذي إنحرف عن جادة الصواب يخاطَب بعبارات فيها من القوة والعزم ونور الحق وروح الرحمة وبشائر الأمل
... وإلى لقاء في الجزء الثالث إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق