عاداتٌ سيّئةٌ في مجتمعاتنا
بقلم/ فؤاد زاديكى
قبلَ أن نتناولَ بالبحثِ بعضَ أهمَّ العاداتِ الاجتماعيّة السّيئة التي تسودُ مجتمعاتنا الشّرقيّة – العربيّة يلزمُ معرفةُ مضمونِ و مفهومِ العادة من أين أتى؟ و إلى ماذا يُشير؟ لغويًّا: العادةُ هي مِمّا اعتادَ عليهِ الإنسانُ وتعوّدَ عليهِ مِن ممارساتٍ و سلوكيّاتٍ في حياتِهِ اليوميّةِ, بحيثُ تُصبحُ هذهِ العادةُ جزءًا هامًّا مُهِمًّا مؤثِّرًا في حياةِ هذا الإنسانِ, وقد تصلُ إلى مرحلةِ التّقديسِ علمًا أنّه الذي صنعَها بنفسِهِ, فصارَ مع الوقتِ عبدًا مُطيعًا لها لا يستطيعُ الخروجَ عن إطارِها و لا تجاوزَهَا, و هنا تكمنُ المصيبةُ الكبرى. إنّها موروثٌ ثقافيٌّ – اجتماعيٌّ – فكريٌّ لأيّ مجتمعٍ ويكونُ هذا الموروثُ تبلورَ وتكوّنَ خلالَ عقودٍ من الزّمنِ إنْ لم تكنُ قرونًا منهُ, فتأصّلَ في تربةِ المجتمعِ بشكلٍ عضويّ متفاعِلًا إلى درجةِ أنّ إمكانيّةَ التخلُّصِ منهُ قد تبدو مستحيلةً, أو شبهَ مستحيلةٍ خاصّةً في حالةِ غيابِ الوعيِّ وانعدامِ المستوى الثّقافي القادر على إحداثِ أيِّ خَرْقٍ أو تَغييرٍ في بناءِ و قاعدةِ هذه العاداتِ.
إنّ العاداتِ و التّقاليدَ تؤثِّرُ تأثيرًا مباشِرًا في المجتمعِ وقد يَصِلُ مستوى التأثيرِ هذا إلى حدِّ السّيطرةِ الكاملةِ على المجتمعِ بإخضاعِهِ لهُ إخضاعًا تامًّا, وبهذا يُصبحُ المجتمعُ عاجِزًا, غيرَ قادرٍ على الإفلاتِ مِن قبضةِ هذه العاداتِ والتّقاليدِ الباليةِ والتي امتدّتْ بِأذرُعِها كالأخطبوط لتحتوي المجتمعَ فتجعلَهُ تحتَ تأثيرِها الفاعلِ وهوَ تأثيرٌ يظهرُ على أفرادِ هذا المجتمع الخاضِع لتلكَ العاداتِ مِنْ خلالِ الممارسةِ و السّلوكِ والتّطبيقِ. لقد تعوّدنا وبشكلٍ عفويٍّ تلقائيٍّ أن نقومَ بتنفيذِ أوامرِ هذه العاداتِ و التّقاليدِ في حياتِنا بلا شُعورٍ أو إرادةٍ لكونِها صارتْ جزءًا مِنْ سلوكيّاتِنا وممارساتِنا الحياتيّةِ, التي اعتَدْنَا عليها بشكلٍ يوميٍّ, ولأنّ الإنسانَ كائنٌ اجتماعيٌّ بطبعِهِ, فهوَ يتفاعلُ بنشاطٍ وفعاليّةٍ مع كلِّ ما يُحيطُ بِهِ مِن مؤثّراتٍ و أحداثٍ وتطوّراتٍ وغير ذلك.
إنّ الاستمرارَ بالخُضوعِ لهذهِ العاداتِ والتّقاليدِ السّيّئةِ يُعيقُ التقدّمَ الاجتماعيَّ والفكريَّ و الثّقافيَّ والعلميَّ الخ... كما يَحدُّ مِنْ حرّيّةِ الفردِ في التّعبيرِ عن رأيِهِ وتمنعُهُ مِن أيّةِ محاولةٍ لطرحِ بدائلَ عنها أو مسّهَا بأيٍّ نقدٍ يمكنُ أن يوجّهَ إليها, فهي تعتبرُ نفسَها فوقَ أيّ نقدٍ أو رأيٍ مُخالِفٍ لَهَا. هِيَ تَرسّخَتْ – كما قُلنا – بجذورِها عميقًا جِدًّا في تربةِ المجتمعِ, وما يُعيقُ أيّةَ محاولةٍ لإحداثِ تغييرٍ ما يكونُ إيجابِيًّا هُوَ تشديدُ البعضِ على وجوبِ الالتزامِ بتلك العادات بل يذهبونَ إلى أكثر من ذلك إذ يعتبرونَ الخروجَ عنها مخالفةً دينيّةً, بحجّةِ أنّها تخرجُ عن قواعدِ الدّينِ وفروضِهِ الخ... علمًا أنّ ذلك لا يمسُّ الدّين بصلةٍ لا مِن قريبٍ ولا مِنْ بعيدٍ وأغلبُهُ لا علاقةَ لهُ بالدّينِ نهائيًّا, لكنّهم يحاولون ذلك لعلمِهم أنّ للدّينِ تأثيرًا كبيرًا على النّاس و المجتمعِ, لهذا يلجؤون إلى هذه الحيلة في محاولةٍ للإبقاءِ على تلك العادات ليبقى ضررُها وخطرُها دائمًا وقائمًا. منَ الواضحِ أنّ العاداتِ والتّقاليدَ تلعبُ دورًا أكثرَ من الدّينِ في بعضِ مجتمعاتِنا, فمتى أردنا النّهوضَ بمجتمعاتِنا علينا أن نتخلّصَ مِنْ كلِّ ما يُعيقُ خطواتِ التقدّم و التّطوّرِ, ومنهُ أن نُخضِعَ هيكليّة هذا الغول المُسمّى بالعاداتِ و التّقاليدِ لمنطق النّقد و التقييم بإظهار ما لها مِنْ تَبِعاتٍ مُضِرّة و خطرةٍ على الواقعِ الاجتماعيّ للإنسانِ, خاصّةً منها تلك التي تُعيقُ أيَّ محاولةٍ للتقدّم والتطوّر والنّهوضِ.
عندما تُصبحُ حياتُنا مَيّالةً إلى التكيُّفِ معَ العاداتِ, فإنّ ذلكَ يجعلُنا نقومُ بممارستِها في اللاوعي إرضاءً للمجتمعِ وعملًا بقيودِهِ وأنظِمتِهِ وأحكامِه وهيَ غالِبًا ما تكونُ أنظمة فاسدةً باليةً عتيقةً وغيرَ منطقيّةٍ أو صحيحةٍ تحتاجُ إلى ثورةٍ حقيقيّةٍ تقومُ بهدمِ القديم غير النّافعِ منها, ليَقامَ مكانَهُ الجديدُ الفاعلُ المتفاعِلُ القادرُ على النّهوض و التّعاطي مع متطلّبات الحياة في عصرِ العولمةِ و انتشارِ الفضائيّاتِ ووسائلِ التّواصلِ الاجتماعيّ و غيرها من التّقنياتِ الهائلةِ و العظيمةِ التي تجعلُ من حياةِ مجتمعاتنا رياضَ نهضةٍ علميّة وعمرانيّةٍ تكونُ قادرةً على الحياة فتعطي ثمارًا سليمةً نافعةً أبناءَها ومستقبلَهم.
مِنْ مصائب مجتمعاتِنا هذهِ أنّه في حالِ قامَ كاتبٌ أو باحثٌ أو مفكّرٌ أو مصلحٌ اجتماعيٌّ أو أيّ راغِبٍ في عمليّةِ تصحيحٍ سليمة بنقدِ الجوانبِ السّلبيّة للعاداتِ فإنّهُ يتمُّ التّصدّي لهُ بشراسةٍ منقطعةِ النّظيرِ مِنْ قِبلِ الخائفينَ مِنْ أيّةِ مُحاولةِ تجديدٍ, فالجديدُ يُخيفُ المتمسّكين بهذه العادات لأنّه يُفقدُهم جلالةَ قدرِهِم و يُسقطُهم عن عروشِ سيطرتِهم و تسلّطهم على أفراد المجتمعِ, لذا هم لا يستجيبون لأيّة محاولةٍ مِنْ هذا القبيلِ, فإذا لم نتمكّنْ منَ النّقدِ والتّقييم و التّصحيح فكيفَ يُمكنُ لنا أن نحقّقَ أيّةَ قفزةٍ نوعيّةٍ نحو المستقبل يكونُ فيها أملٌ و فوزٌ؟ ألَا يبقى الخلل على ما هوَ عليهِ؟ ومتى بقيَ فهوَ في حالةِ ثباتٍ و جمودٍ لن يتغيّرَ, بل سوف يستفحلُ معَ مرورِ الوقتِ ليصبحَ علّةً عويصةً كما هو عليهِ اليوم. إنّ الخوفَ من أيِّ جديدٍ هو الذي يجعلُ المجتمعَ منكمِشًا غيرَ راغِبٍ في أيِّ تعديلٍ أو تبديلٍ أو تجديدٍ, وهذه مسألةٌ خطيرةٌ إذ لا يُمكنُ البناءُ على القديمِ, فمنَ الضروريّ القيامُ بعمليّةِ الهدمِ (هَدمِ القديمِ) من أجلِ بناءِ الجديدِ, لأنّ المنطقَ يقولُ: الجديدُ يلغي القديمَ. وعندما يتمّ البناءُ الجديدُ فإنّ الإنسانَ يُصبحُ حُرَّ الإرادةِ والتّفكيرِ والعمل وبدونِ الحريّة لن يكونَ إبداعٌ ولا تطوّرٌ ولا تَقَدّمٌ, وعلينا ألّا ننسى أنّ الحرّيّة حقٌّ مقدّس علينا أن نمارسَه بدون ايّة عوائق أو موانع.
بَقيَ لنا أن نقولَ: إنّ العاداتِ والتّقاليدَ السّائدةَ في أيِّ مُجتمعٍ هِيَ المؤشِّرُ على نوعيّة هذا المجتمعِ وطبيعةِ حالِهِ, فهيَ ترمومترٌ زئبقيٌّ دقيقٌ وحسّاسٌ للغايةِ يُعلِنُ عن مستوى الرّقي و التّقدمِ والتّطوّر والتحضّرِ في هذا المجتمعِ أو ذاك ويُشيرُ إلى حقيقةِ جوهرِهِ بشكلٍ واضحٍ ودقيقٍ.
أمّا ما هيَ أهمّ العاداتِ السّيّئةِ في مجتمعاتنا العربيّة فإنّها كثيرةٌ لا تُحصى, فمنها ما هو على مستوى الأفراد (مقاطعةُ الأشخاصِ أثناء تحدّثهم – عباراتُ الشتم و السّبّ – عدمُ احترامِ خصوصيّات الآخرين – النّميمة – مسحُ الجوخِ (الكَولكة) – التملّقُ للآخرين – التحدّث بصوتٍ مرتفعٍ – حبُّ الفُضول – عدم احترام المواعيدِ – المجاملة الزّائدةُ – رَميُ الأوساخِ في الطّرقاتِ – التّنمّر – التّحرشُ الجنسيُّ) وطبعًا غيرُها كثيرٌ جدًّا أردتُ فقط أخذَ عيّناتٍ منها لا غير.
أمّا تلك التي على مستوى المجتمعاتِ فنذكرُ منها:
1- الحكمُ على الأمور من الظّاهرِ قبلَ التّأكدِ من الجوهر والذي هو الحقيقة.
2- الواسطةُ في التّعييناتِ وعدمُ وضعِ الشّخص المناسبِ في المكانِ المناسبِ وهذا يُسيئ للعمل و يعيق تقدّمه و إنجازه.
3- خِتانُ الأنثى وبكلّ أسفٍ مع أنّه خفّ نسبيًّا إلّا أنّه ما يزالُ قائمًا في الكثيرِ من هذه المجتمعاتِ.
4- حِرمانُ الأنثى من حقِّها الشّرعيّ في الميراثِ وعدم إنصافها بالعدل فهيَ مظلومة.
5- المُغالاةُ في المُهورِ وكأنّها عمليةُ بيعٍ وشراءٍ وليست لعلاقة إنسانيّة هدفُها بناءُ أسرة.
6- زواجُ القاصراتِ وهي حالةٌ خطيرةٌ تسبّبت وتتسبّب بحالاتِ تؤدي إلى الموت وهناكَ أمثلةٌ ودلائلُ كثيرة.
7- الاحتفال بعمليّة طهور الأولاد والمغالاة بذلك والتّفاخر بأنّ المولودَ ذكرٌ وليسَ أنثى.
8- عدم عقلانيّة أحكام في غير مكانها منها مثلًا أن نعيبَ الشّخص عندما يُكَنّى باسم ابنتِهِ وكأنّ ذلك عيبٌ وعار ويفخر حينَ يُقال له أبو علي بدلَ أبو عالية.
9- الفكرةُ السّلبيّة عن المرأةِ المُطَلّقةِ واعتبارِها حالةً شاذّةً في المجتمعِ.
10- النّظرةُ غيرُ الصّحيحةِ إلى الفتاةِ العانسِ ومفهومِ العُنوسة.
11- سيطرةُ الفكرِ الذُّكوريِّ على المجتمعاتِ العربيّةِ وبشكلٍ كبيرٍ ومؤثّر, و النّظرةُ الدُّونيّة للمرأة.
12- جرائمُ الشّرفِ أو قُلْ جرائمُ باسم الشّرفِ وهيَ ليستْ منَ الشّرفِ في شيءٍ ففي كلّ عامٍ تذهبُ مئاتُ الفتياتِ والنّساءِ - إن لم يَكُنْ أكثر - ضحيّةَ هذه الفكرةِ غيرِ الإنسانيّةِ فهي عملٌ إجرامِيٌ ليسَ إلّا. فالمرأةُ هي التي تدفعُ الثّمنَ غالِبًا بينما الرجلُ وهوَ الفاعلُ الحقيقيُّ يبقى خارجَ المعادلةِ إذ لا تطالهُ يدُ الحكمِ والمحاسبةِ.
13- عملياتُ الثأرِ والانتقامِ وهي منتشرةٌ بكثرةٍ بين القبائل والعشائرِ ومجتمعاتنا تخضعُ لتلك القوانين بكلّ أسف وتعملُ بها.
14- النّظرُ إلى الرّجلِ الغنيّ, كثيرِ المالِ بنظرةٍ تختلفُ عنها إلى الرّجل الفقيرِ الذي يُنظَرُ إليه باحتقارٍ على الأغلبِ فهو تفريقٌ واضحٌ وتمييزٌ غيرُ مقبولٍ أبدًا.
15- غَلَبةُ الشّعورِ العشائريّ والقبائلي وهو ما يؤدي إلى الانغلاق وهو خطيرٌ.
16- التابوّ والمَنعُ وهي حالةٌ خطيرة لها تبعاتٌ كثيرةٌ, حالةٌ لا تسمح بالتّعبيرِ عن الرأي والفكرِ بحرّيّة و بصراحةٍ وهذا يُولِّدُ الشّعورَ بالكبتِ والحِرمانِ مِمَا يجعلُ الشّخصَ يبحثُ عن بدائلَ أخرى للتّعبير والتّنفيس عن الاحتقانِ الذي يُعاني منهُ. فممنوعٌ التكلّمُ بالسّياسةِ وبالدّينِ وبالجنسِ هذا ما هو شائعٌ لدينا ومعمولٌ بهِ.
17- عدمُ المساواةِ بين المرأةِ والرّجلِ من ناحيةِ التعبيرِ عن المشاعرِ والأفكارِ والأحاسيسِ فمقولةُ أنّ الرّجلَ يحقُّ لهُ قولَ ما يُريدُ بالتّعبيرِ عن أفكارِه ومشاعرهِ ورغباتهِ بجرأةٍ وبصراحةٍ بينما لا يُسمح للمرأة بذلك و متّى عبّرتْ إحداهنّ عمّا تشعرُ بهِ بصراحةٍ قيلَ عنها ما قيلَ من صفات شنيعةٍ تُلصقُ بها فأين العدالةُ في هكذا عادة وأينَ المنطقُ؟
ولنَا أن نأتي على ذكرِ عاداتٍ أخرى كثيرةٍ لا يسعُنا المجالُ لها كلّها, يعلمُها أغلبُنا, إذ سمع أو قرأ عنها, لقد اكتفيتُ بهذا القدرِ من ذكرٍ لهذه العاداتِ و التّقاليدِ, التي لا تجعلُنا قادرينَ على التّصرّفِ بحرّيّة, مِمَا يضطّرُنا أحيانًا للجوءِ إلى الكذبِ خوفًا من لسان المجتمع السّليطِ ومن قوانينِهِ الصّارِمةِ الجاهلةِ بحقيقةِ حياتِنا و ما نعيشُهُ.
إنّ العاداتِ و التّقاليدَ سيفٌ مُسَلّطٌ على رِقابِ النّاس, يمنعُ عنها هواءَ الحرّيّةِ النّقيَّ المُنعشَ للفكرِ والرّوحِ والوجدانِ, فليبقَ في غمدِهِ بلا مفعولٍ كي نحيَا حياةً سليمةً مُعافاةً صحيحة.