وَدِّع فَطيمَةَ ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَدِّع فَطيمَةَ إِنَّ العامَ مُنصَرِمُ ... وَهَل تُطيقُ وَداعًا أَيُّها العَلَمُ
حَوراءُ غَرَّاءُ فَرعاءُ التَقَينَ مَعًا ... في وَصفِها غارَ منه العُربُ والعَجَمُ
تَمشي بخَطوِ الهُوَينا في تَثاقُلِها ... مَشيَ الحَمامَةِ، حُسنٌ هَزَّهُ القَدَمُ
لِباسُها أبيَضُ اللَّونِ احتَوى بُقَعًا ... سَوداءَ قد حازَ مِنها الطَّائِرُ الرَّخَمُ
ذاتُ الخِمارِ وجِلبابٍ بداخِلِهِ ... قد زادَها هَيبَةً تَصفو وتُحتَرَمُ
كَأَنَّ مِشيَتَها رِمشٌ رَمى طَرَفًا ... مِن سورِ مَعهَدِها أو أنَّها حُلُمُ
تَأتي وَيَأتي نَسيمُ الرِّيحِ يَصحَبُها ... وَالوَردُ وَالزَّهرُ وَالأَطيابُ وَالنِّعَمُ
وَإِن هِيَ انصَرَفَت تَمضي بلا أثَرٍ ... والهَمسُ يَتبَعُها ريحٌ لَهُ نَسَمُ
وَخَلَّفَت مِن وَراءِ الخَطوِ خَطوَتَها ... تُمسي وَتُصبِحُ آثارًا لَها شَبِمُ
وَمَعهدًا مِثلِ بَطنِ الغيبِ موحِشَةٍ ... لِلجِنِّ بِاللَّيلِ ساحاتٌ بِها العَتَمُ
وَلا يُرى زائِرٌ قَد زارَ مَعهَدَها ... وَلا أَنيسٌ وَلا جِنٌّ وَلا عَشَمُ
فالكُلُّ في عُطلَةٍ أَو أَنَّهُم رَحَلوا ... مِن ها هُنا كالتي زانَت بِها الشِّيَمُ
فَهَل سَتَرجِعُ يَومًا بِالحَياةِ إِلى ... باحاتِهِ طَلَّةٌ يَحظى بِها الرَّمَمُ
لَيسَت كَمَن يألَفُ الخِلَّانُ عُطلَتَها ... غِيابُها مَعهَدٌ قد زارَهُ العَتَمُ
إِنَ في القَلبِ نَبضٌ راقَ أورِدَةً ... راقَ الفُؤادَ ومَوجُ الحُبِّ يَلتَطِمُ
إِن كانَ يَجمَعُنا يَومٌ بِعُطلَتِها ... لاقَيتُها بِفُؤادٍ وَخزُهُ الأَلَمُ
أَو كانَ يَجمَعُنا يَومٌ بِمَعهَدِها ... لاقَيتُها وَقَراري حَادَهُ النَّدَمُ
يَكادُ يَمنَعُها لَولا تَغَيُّبُها ... إذا تَسوقُ إلى خِلَّانِها الحِكَمُ
تُعالِجُ القَلبَ وَسواسًا لَهُ كَدَرٌ ... وما أفادَهُ قِرطاسٌ ولا قَلَمُ
سِحرُ العُيونِ بلا خَيطٍ ولا عُقَدٍ ... سِهامُهُ الكُحلُ في رِمشٍ رَسا وفَمُ
تَأسيسُهُ النُّبلُ والأَخلاقُ صَنعَتُهُ ... عِمادُهُ طيبَةٌ والصِّدقُ والكَلِمُ
صَدَّت فَطيمَةُ عَنّا لا تُحَدِّثُنا ... جَهلًا بنا أم لأمرٍ طالَهُ الحَزَمُ
أَعَينُها قَد رَأَت أَعشى البَصيرَةِ أَم ... رَأَت بها رَجُلًا قد ضَرَّهُ الوَهَمُ
أَم أَنَّ أَخمَصَها بِالشَّوكِ مُنتَعِلٌ ... يَمشي عَلى حَذَرٍ وَالشَّوكُ يُتَّهَمُ
فَالخَوفُ أَعمى وَطَرفُ العَينِ مُكتَحِلٌ ... يُراقِبُ الوَضعَ وَالخَطواتُ تَستَقِمُ
يَضوعُ مِسكٌ وطيبٌ مِن أَماكِنِها ... وزَنبَقٌ أَبيَضٌ يَدنو ويَنسَجِمُ
إذا تَقومُ أَقامَت رَوضَةً مَعَها ... خَضراءَ جادَ عَلَيها المُزنُ والكَرَمُ
بِوابِلٍ مُسبِلٍ مِن صيِّبٍ هَطِلٍ ... حَتّى تَبَسَّمَ مِنهُ العُشبُ والأَجَمُ
وفاحَ في الفَلَواتِ المِسكُ مُنتَشِرًا ... وَقَد تَعَطَرَ مِنهُ الغورُ والأَكَمُ
يُغازِلُ النَّجمَ مِنها تابِعٌ قَمِرٌ ... مُضَرَّجٌ بِجَمالِ اللَّيلِ مُبتَسِمُ
يُضاحِكُ الشَّمسَ مِنها كَوكَبٌ نَضِرٌ ... مُؤَزَّرٌ بِحِسانِ الوَردِ مُتَّسِمُ
يَومًا بِأَطيَبَ مِن ريحٍ تُعانِقُهُ ... وَلا بِأَحسَنَ مِنها ريحَةً شَمَمُ
صَحِبتُ في النَّدَواتِ العِطرَ مُنتَشِيًا ... حَتّى تَغَيَّرَ مِنّي الوَرقُ والقَلَمُ
فَجُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِغارِمِهِ ... ناءٍ وَدانٍ وَمَخصومٌ وَمُختَصِمُ
قالَت فَطيمَةُ لَمّا جِئتُ عائِدَها ... وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا عَلَمُ
يا مَن يَرى واهِيًا قد بِتُّ أَرمُقُهُ ... كَأَنَّما الحُبُّ في أضلاعِهِ السَّقَمُ
لَهُ طُيوفٌ وَلَيلٌ باتَ يَصحَبُهُ ... مُفَعَّمٌ بِخَيالِ الحُلمِ مُزدَحِمُ
لَم يُلهِني النَّومُ عَنهُ حينَ أَرمُقُهُ ... وَلا المَلَذَّةُ مِن عَيشٍ وَلا النِّعَمُ
فالعَينُ ناظِرَةٌ والرِّمشُ في أَرَقٍ ... قَدِ استَوَت عِندَهُ الأَنوارُ والظُّلَمُ
فَقُلتُ لِلنَّومِ والأهدابُ ساهِرَةٌ ... ألا فَخُذ غَفوَةً يَلهو بِها الحُلُمُ
وَخُذ يَدًا بِيَدي فالسُّهدُ في جَسَدي ... والحِبُّ في كَبِدي وَالصَّمتُ يَرتَسِمُ
وَقُلتُ لِلطَّيفِ اِرحَل عَن مَضارِبِنا ... كَفاكَ مَلحَمَةً والقَلبُ مُحتَدِمُ
فَإِنَّ لَيلي كَفيلٌ في مُؤانَسَتي ... إِلى الصَّباحِ مَعَي وَالشَّيبُ وَالهَرَمُ
في خَلوَتي ذِكرَياتٌ بِتُّ أَنسُجُها ... قيلٌ وَقالٌ وَآهاتٌ لَها لَمَمُ
أَبني وَأَهدِمُ أَحلامًا يُساعِدُني ... في ذلِكَ الوَجدُ وَالأَوهامُ والهِمَمُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد جعيجع من الجزائر 19 ماي 2024م