التنمية المستدامة لن يحققها المجتمع الربحي الاستهلاكي ,
(فلسفة البناء والتغير)
15: الربح العلاجي والدوائي
هذا نوع من الربح الذي بقي خارج النطاق الربحي بشكل عام آلاف السنين, وقلما تعامل البشر في القديم مع العلاج والدواء على أساس التجارة والربح , ولكن في العصر الراهن أصبحت الأدوية والعلاجات من القضايا المربحة جداً وتشكل مصدر من مصادر الربح وتراكم الثروات, وما زالت الكثير من مناطق العالم و شعوب كثيرة منها العرب والهنود وشعوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية و غيرها يتعاملون مع العلاج على أساس غير ربحي, ومن يحفظ هذه الطرق والخبرات والمعلومات العلاجية البشرية هم أناس محليين لهم تسميات مختلفة من مكان إلى آخر, ففي الشرق الأوسط قد يسمى حكيم أو كاهن, وفي مناطق شرق آسيا يسمى الشامان, وغيرها من المناطق والأسماء المختلفة, ولكن في الغالب يكون هذا الشخص يقدم هذه المساعدة للناس مجاناً, أو بتكلفتها بلا أي تكلفة إضافية على العلاج باعتباره عمل إنساني خيري ولا ربح أو تجارة به.
وفي الكثير من المناطق ما زال هناك الكثيرين يمارسون نشر المعلومات الطبية والعلاجية بلا أي مقابل ويعتبر ذلك عملاً إنسانياً خيراً, ويكافئ الإنسان وعيه عند باريه بعد موته حسب معتقداتهم الدينية والشعبية أيضاً.
هذه الصفات والواقع القديم لحال العلاج, ولم يتبقى من هذا النظام سوى بقايا منتشرة حول العالم في جيوب صغيرة سوف تتلاشى كلياُ مع تلاشي هذه الثقافات القديمة و التخلص منها عاجلاً أو آجلاً حسب سياسة النظام العالمي الحديث, حيث هناك توجه للتخلص من إعداد كبيرة من البشرية بطرق لا أخلاقية وتجارية مرعبة لا تخطر على بال قد تصل إلى الإبادة الجماعية بأمراض و جراثيم متطورة يتم إنشائها في حضانات مخبريه خاصة, لاستعمالها في الأوقات والظروف المعدة لها.
إن واقع الحال الحديث شيء آخر مختلف كلياً عن السابق, ففي ظل السيطرة الكاملة للنظام الربحي على البنية الاجتماعية و المفاهيمية والأخلاقية للبشرية المعاصرة, أصبح كل شيء خاضع للاستغلال الربحي بما فيها الغذاء والدواء والعلاج, لقد حولت جميع المفاهيم الإنسانية الأساسية والعلاقات العاطفية والاجتماعية وأصبح كل شيء قائم في الحياة على معايير تجارية ربحية, ولم تعد القضية الإنسانية والأخلاقية هي المعيار بل تحولت جميع المعايير إلى معايير نفعية ربحية مما حول المجتمع بكامله إلى سوق تجاري مرعب وتجد الإنسان وقيمه قد أصبحت سلع تباع وتشترى بأثمان بخسة, إنها نخاسة حديثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
والأمثلة كثيرة ومتعددة حول هذا السلوك البشري الهمجي, من فيروس يبولا إلى الجمرة الخبيثة إلى غيرها في القرن الماضي, وفي مطلع هذا القرن, وها نحن نشاهد اليوم نوع جديد من الفيروس كورونا الشهير حالياُ.
فتكلفة نوع واحد من ألقاح إذا كان ضروري للبشر جميعاً للوقاية من فيروس ما, ستكون مليارات الوحدات النقدية, فعدد البشر يتجاوز 7 مليار, وهذا يعني أن الكثير من المليارات من الربح سوف تجنى من صناعة لقاح واحد للبشرية, فهي سوق تجارية خيالية بعد أن أصبحت خاضعة للربح, فالعلاج شيء ضروري للحياة كما الماء والهواء والطعام, ولا من أحد يمكنه الاستغناء عن العلاج, و اللقاحات وغيرها من المواد الخدمات العلاجية الصحية للحياة.
أدى تحول الأدوية والعلاجات إلى مجال ربحي إلى احتمالات لا أخلاقية مرعبة ولا من رقابة جدية عليها, فلا أحد يعلم ما الذي يقوم به جميع المختبرات الموجودة حول العالم, وهناك الكثير منها سرية للغاية, وتمتلك الولايات المتحدة لوحدها 200 مختبر عسكري بيولوجي حول العالم وجزء منها منتشر في شرق آسيا وعلى حدود روسيا وغيرها من الدول.
إن الكارثة الكبرى أن الأدوية والعلاج وهذه الخبرات الإنسانية الكبيرة والفذة قد تحولت إلى سلاح فتاك مضاد للبشرية وللإنسانية, وذلك بسبب المفاهيم والنظام العفن الذي أصبح من الملح اجتثاثه كمرض فعلي مدمر للبشرية وأكثر فتكاً من جميع الجراثيم والفيروسات المصنعة, إنها طبيعة النظام السياسي والاجتماعي و ألمفاهيمي بكامله, ولا علاقة للتطور والعلوم و التكلجة بهذا الأمر, فالإشكالية في النظام وليس في أي شيء آخر.
فالعلاج والمختبرات اليوم لم تعد مصادر ربح وثراء وحسب بل وأصبحت أسلحة دمار للجنس البشري , وهذا من أكثر المخاطر قذارة وأشدها تجاوز لكل المعير العقلية والمنطقية, وهذا من المؤشرات التي تثبت أن النظام المالي قد فقد صلاحيات وجوده الأخلاقي ومبرراته وأصبح من الضرورة القضاء على هذه المظاهر بأي شكل من الأشكال , فاستمرارها يشكل دمار قيمي وأخلاقي للإنسان و الحياة بكاملها, بل إنها عار سيلحق بكل من عاصروها ولم يثوروا عليها ويسعى لتغيرها بكل السبل والإمكانيات المتاحة, كونها من أكثر جرائم العصر بشاعة ولا أخلاقية.
إن مرحلة الانتقال نجم المقترحة بالضرورة أن تعالج بأولوية مثل هذه المظاهر المؤذية ليس بعلاج مفهوم الملكية الخاصة لوحده بشكله العام والمجرد, فهناك تابعيات وآثار لا بد من اجتثاثها أيضاً, ووقف كافة أشكال الربح في هذا المجال, وعودته إلى طبيعته الإنسانية الأصلية, حيث يقدم للإنسان بتكلفته وحسب, وتوضع قوانين وضوابط لهذا الأمر الذي أصبح فعلاً مشين بحق الإنسان والمفاهيم المتطورة التي يعتقد الإنسان أنه يعيشا,. ولكنها مع الأسف ليس سوى حريات مزورة عمياء مريضة, حيث حرية القوي في التحكم بالضعيف بل والتجارة بصحته وحياته وجميع مقوماتها الأساسية, إنه عالم لا أخلاقي بامتياز ويسير إلى الحضيض والهاوية في قيمه وأخلاقه وكل شيء روحي وقيمي كبير.
قد يرى البعض أن في هذا إفقار للمجتمع وتحويل الناس جميعاً إلى فقراء, حيث من أين ستأتي الثروات الاجتماعية وفرص العمل وفائض القيمة والنمو الاقتصادي في حال قضينا على هذه المساحة الكبيرة من مجالات الربح والاستثمار, الرد بسيط وواضح إننا ليس بحاجة إلى ثراء فاحش للأفراد ولا للدول والأهم من كل شيء هو مساواة الناس في الحياة المادية وليس المعنوية و القيمية , ففي الحقيقة أن لا حرية للإنسان خارج نطاق ملكيته, وهذه الملكية هي ما يعطيه قيمته الحقيقية ومقداره الفعلي, فحجمه الحقيقي بحجم ما يملك ومساحة حريته بمساحة هذه الملكية, ولا يكمن أن يتساوى الناس قبل المساواة المادية الاقتصادية في حقهم من الثروات الاجتماعية, وحقهم في نتاج جهدهم المبذول اجتماعياً وملكيته.
إن مساواة الناس في الفرص في جميع المجالات تشكل الأساس الذي سيقام عليه النظام الاجتماعي برمته, ومن أهمها إلغاء الربح من قطاع الخدمات الأساسية, من صحة وتعليم وسكن و غيرها من الخدمات الضرورية, ودراسة التجارب الموجودة في العالم حول نظام التأمين الصحي, حيث هناك أنظمة مثلاً تعتمد على ضريبة خاصة مضافة لكل سلعة, هي ضريبة خاصة للقطاع الصحي, وفي دول اسكندينافيا تسمى (مومس) وتشكل ما يعادل 25% من سعر السلعة العادي للمستهلك, تضاف إلى سعر السلعة الأساسي, وإذا كان ثمن الثوب للسيدات 100 وحدة نقدية مثلاً يصبح سعرها 125حيث يضاف إلى سعرها ما يعادل 25% من السعر الأصلي, هذا المبلغ يقتطع للصحة, وهذا كما نرى يدفع فوراً, أي عيناً وغير مؤجل, ففي الغالب تباع السلع للمستهلك نقداً, ولا يوجد شيء معفى من هذه الضريبة سوى ما هو معفى من الضريبة بطبيعة الحال مثل الإنتاج الزراعي المباشر أو صيد السمك.
إن هذا النظام كما نرى يدفعه الشعب ذاته مباشرة وليس من دعم حكومي معين لهذا القطاع بل هو من ضمن استهلاك الناس المباشر, وبقدر ما تستهلك من مواد بقدر ما تدفع هذه الضريبة, ويرتفع ما تدفعه تلقائياً, هذا طبعاً ليس هو النظام الوحيد في العالم بل هناك تجارب واسعة في العالم حول هذا الأمر, ويمكن دراستها والاستفادة منها وابتداع نظام جديد مبتكر يخدم ويلبي حاجات المجتمع في الرعاية الصحية والخدمات الضرورية, فليس بالضرورة أن تكون مسؤولية الحكومة المباشرة, على هذه القطاعات, مادياً وإدارياً بل يقتصر دور الجهاز العام للدولة على تسهيل ودعم هذا القطاع بسن القوانين واتخاذ الاجرآت الضرورية والمناسبة لهذا الشأن الهام والحساس من شؤون المجتمع الأساسية.
وفي النهاية لا بد من إنهاء الربح من جميع مرافق الخدمات الأساسية البشرية, بغض النظر عن طريقة الحصول على الموازنة العامة لهذا القطاع أو ذاك, حيث قد تختلف بين دعم عام من قبل الدولة, مباشرة, أو من خلال نوع من الضرائب قد يدفعها الناس يتم الاتفاق عليها فيما بينوهم, ولكن ما نريده في الأساس هو شيء واحد , إخراج قطاع الخدمات بالكامل من النظام الربحي والتجاري, ليس بالإعفاء الضريبي بل بواقع حالها وضبط منتجاتها ومراقبتها وضمانة عدم تفشي الفساد والعودة إلى الاتجار بحياة البشر من جديد بعد التخلص من النظام القديم المتعفن البائد.
وبذلك حين نصل إلى المرحلة النهائية من المجتمع البشري (عهد) نكون قد وصلنا تلقائياً إلى أرضية وبنية اجتماعية انتهى فيها الربح من كافة الخدمات الأساسية, وأصبحت خارج نطاق التجارة وتقدم للإنسان بسعر تكلفتها كونها حق أساسي من حقوقه الطبيعية الحياتية وليس منحة من أحد ولا يحق لأحد الاتجار بها وتقاضي الريع والأرباح الطائلة و مراكمة الثروات على حساب صحة الآخرين وحياتهم.
رماز الأعرج
الزعتر و الحبق أو الريحان من النباتات الطبية والعطرية المشهورة ومعروفة من ألاف السنين في حوض البحر المتوسط ,,