الرسالةُ السِريّة
بمَصبغةِ التنظيفِ يعملُ مُصطفَى
لهُ كلَّ يومٍ في الأحبَّةِ مُصطَفِ
يُغسِّلُ أثواباً ويكوي عباءةً
ويبعثُ أشواقَ الشذا عِطْرَ مُترَفِ
ويُرسلُ نيرانَ الغرامِ بسِرِّهِ
لخادمةِ الجيرانِ في جَيبِ مِعطَفِ
وأرسلَ يوماً للفتاةِ قصيدةً
وللضدِّ ما كانت بمنزلِها الحَفي
فمدَّ يداً للجيبِ سيّّدُها الذي
تلقّفَها شِعراً بقلبٍ مُشفَّفِ
تَحسَّسَها جفْناً يُمشِّطُ زهرةً
وينشرُ ظلاً فوقَ غصْنٍ مُرَهَّفِ :
(( أما كنتُ دوماً بالأضالِعِ أشتفي
وفوقَ ندى وردٍ أبينُ وأختفي ؟!
ولي حِرْفةٌ بالكيِّ أجهلُ نارَها
وأنتَ على الجمرِ الحقيقِ مُعَرِّفي
وسلْ إصبعي فوقَ اليراعِ ومِعْصمي
تُجبْكَ يدٌ عن دمعِ عينٍ مُكَفْكفِ ))
تَقرّى حروفَ النصِ يسبقُهُ السنى
تأمّلها نسجاً بعينِ مُثقَّفِ
وعادَ إليها مَرّةً بعدَ مَرّةٍ
وما كانَ من سِحْرِ الصياغةِ يكتفي
وكانت لهُ أذْنٌ تُجيدُ سماعَها
تُفتِّشُ عن غُرِّ الكلامِ المُهَفْهفِ
تُدنْدِنُ موسيقاهُ جنجَ فراشةٍ
تمرُّ على لطفِ الحريرِ بألطفِ
ويسحبُ أوتارَ الرياحِ من النوى
ويبعثُ أنفاساً بنايِ تلهُّفِ
وحينَ رجوعِ البنتِ منزلَها رأت
على ساعدَيِّ السيدِ المعطفَ الصفي
تَزَعْفَرَ لونُ الوجهِ دونَ تَكلُّمٍ
وأطلقتِ الآهاتِ حرّى لتنطفي
فقال لها : من أينَ هذا ومن شدا
ومن جرَّ أفلاكَ الهيامِ هوىً ب في ؟
فقالت أحبُّ الوردَ صبحاً وفي الضحى
وقبلَ غروبِ الشمسِ يشدو بمِعزفي
نُخاصمُ بعضاً في الحروفِ محبّةً
وسُرعانَ ما نلقى القصيدَ لنحتفي
فملّكني ريحاً وبعدُ شِراعَها
وزوَّدها روحاً وقالَ تَصرّفي
أتوقُ إلى اليومِ القريبِ منالُه
يَلفُّ كلينا مِعطفٌ واحِدُ وفي
ونادى شذا طيرٍ تثاءبَ ربشُهُ
وزركشَ مِنقاراً بقافيةِ النفي
أيا مصطفى هل كنتَ يوماً شاعراً
متى كنتَ بالحرفِ المُزهَّرِ تقتفي ؟
وهل ذاك من وحيِ الخيالِ ملكتَهُ
أمِ الشعرُ مسروقُ الهوى *لابنِ أحنفِ ؟
أجابَ كلامي والإلهِ قصيدتي
وأُهديك توقيعي عليها وأحرفي
وكم مرّةٍ أحرقتُ كفّيَ شارداً
ببيتٍ وراءَ النجمِ يلهو بمَطْرفي ؟
فقال له أبشرْ بأغنيةِ الهوى
أزيدُ عليها نبضةً من تصوُّفي
ألحِّنُها من ثغرِ طيرٍ مُتيَّمٍ
على كرمةِ العنقودِ بالروحِ فاقْطِفِ .
محمد علي الشعار