«(7)»فلسفة الموت والحياة«(7)»
رؤيتي : د/علوي القاضي.
... وقفنا فى الفصول السابقة على رأي الفلاسفة والمتصوفة وعلماء الإسلام في فلسفة الموت والحياة ، كما شاهدنا كيف تناول الأدباء والشعراء وأبطال قصص الحب الشهيرة في فلسفة الموت والحياة ولاتزال المفاجٱت في تناول تلك الفلسفة العميقة واللامتناهية
... يقول (إرنست همنجواي) ، أن الموت لايفسد شيئاً إذا ماكنا ننتظره ، أو لاقينا من الإساءة مافيه الكفاية
... ويقول (فرناندوا بيسوا) ، لوكان لنا الوعي الكافي بالحياة لما استطعنا إحتمالها ، لحسن الحظ لسنا واعين بها بشكل كامل ، فنحن نحيا بلاوعي ، ولاحتى مستوى وعي الحيوانات على الشاكلة التافهة واللامجدية نفسها ، وإذا كنا نتوقع الموت فنحن نتوقعه مراوغين بأشكال نسيان مختلفة وكثيرة ، وكثير من التسليات واللامبالاة ، بحيث بالكاد يمكن القول أننا نفكر في الموت
... كنت أتساءل دائما لماذا يختار الموت أفضل من فينا ؟! ولكنني وجدت الإجابة مؤخرًا في كلمة أحدهم يقول ، لأنهم نجحوا في الإمتحان مبكرًا ، فلاداعي لوجودهم ، وهذا ماأكده الكاتب الفيلسوف د/أحمد خالد توفيق بقوله (الموت يختار ببراعة ، يختار الأفضل والأنبل والأشجع)
... ويضيف (آرثر شوبنهاور) ، إنّ حياة أجسادنا ماهي إلّا لتمنع إستمرار الموت ، إنّها موت مؤجّل ، فكلّ نفس نأخذه يدرأ عنها الموت الذي يحيق بنا باستمرار ، وبهذه الطّريقة فإنّنا نتصارع معه في كلّ لحظة
... ويقول (فيكتور هوغو) ليس في الموت شيء رهيب ، ولكن الرهبة في أن لايعود المرء قادراً على الحياة
... ويؤكد (أشرف البرديسي) أن الموت قمة العدل فيقول ، لا أرى عدلا أكثر من الموت ، فهو يأتي للظالم والمظلوم ، والجاني والمجني عليه ويعيد الناس لحقيقتهم ، ويساوي بينهم ، وليس لديه إنحيازا لأحد ، ولاينظر لأي فروق بينهم
... ويعتصر قلب الأديب (أدهم الشرقاوي) من الألم وهو يقول ، أما بعد فالموتُ موجع ، ولكن الأكثر وجعاً هم أولئك الذين يموتون فينا وهم أحياء ! ، ماأبشع أن يصبح قلبُ المرءِ قبراً لشخصٍ مازال يمشي على الأرض ، مررت البارحة بجانبك ، كان مابيننا من المسافة مقدار ذراع ، وما بيننا من الجفاء مقدار مابين الأرض والسماء ! وأنا على قناعةٍ الآن أننا لا نكره بجنون إلا أولئك الذين أحببناهم بجنون !
... قال (ألبير كامو) في إحدى رسائله قبل موته ، فقط من لايعرفون الحياة جيداً يعتقدون أنها جميلة ومريحة
... ومن فلسفة (د/مصطفى محمود) في الموت والحياة يقول ، أن سر الموت يكمن في لغز النوم ، لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت ، فنصف الإنسان الراقي يموت أثناء النوم ، شخصيته تموت ، عقله يموت ، ويتحول إلى كائن منحط (يقصد في سلسلة المملكة الحيوانية من ناحية الوظائف الفسيولوجية) مثل الإسفنج والطحلب يتنفس وينمو بلاوعي ، وكأنه فقد الروح ، إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب
... ويقول (هنري فان دايك) بعض الناس خائفون جدا من الموت لدرجة أنهم لم يبدأوا في العيش بعد
... أخي الكريم ، كن قويا كرجل عجوز دخن سيجارا على قبر طبيب أخبره يوما أن التدخين سيقتله (من المؤكد ليس أنا)
... ولذلك يقول (شيكسبير) ، الموت هو الرحلة التي لم يعد إلينا منها أي أحد حتى يخبرنا عن طبيعتها
... وتطمئننا (أسمى الزهار) بأنه ماعاد الموت مخيفا في زمن يحكمه (الفاسدون) لا (الشرفاء) ،، يسيّره (الجهلة) لا (العلماء) ،، يصنعه (التافهون) لا (الحكماء) ،، عالم لن يغفر له التاريخ وسيُوثّق له هزائمه الأخلاقية
... ويحكى عن (إبن الرومي) أنه ، بينما كان الوزير (القاسم بن عبيدالله) يأكل مع إبن الرومي ، حيث دس له السم ، أحس إبن الرومي بالسم يجري في معدته ، فقام مسرعاً فقال له القاسم ، إلى أين ؟! ، فأجابه إبن الرومي ، إلى حيث أرسلتني (ويقصد الآخرة) ، فقال له القاسم : سلِّم على والدي عبيد الله ، فأجابه إبن الرومي ، ليس طريقي إلى النار
... ويقول (أنطوان تشيخوف) ، عندما يمرض أحدٌ في المنزل لفترةٍ طويلة ، فإن الجميع يتمنون موته في نفسهم ، ماعدا الأبناء الذين يخشون الموت ، وعلى سبيل المثال عند تفكيرهم بموت والدتهم يدبٌ الرعب في قلوبهم خوفا على والدهم
... وينصحنا (بيرتولت بريخت) ، لاتخافوا الموت كثيراً ، بل خافوا من حياة غير ملائمة
... ومن منهجي وفلسفتي في الحياة الحفاظ على الثلاثيات :
.ثلاثة يجب ضبطها اللسان النفس الأعصاب
ثلاثة يجب الدفاع عنها الدين الشرف الوطن
ثلاثة يجب التخلص منها التملق الوشاية التبذير
ثلاثة يجب إجتنابها الحسد الشر كثرة المزاح
ثلاثة ممتازة الحب الصمت العفو
ثلاثة لابد منها الموت الهواء الماء
ثلاثة محبوبة التقوى الصراحة الشجاعة
ثلاثة مشرقة الأمانة الصدق الإجتهاد
... ويقول (أجان شاه) إنّ ولادتنا وموتنا أمر واحد ، لايمكنك الحصول على أحدهما دون الآخر ، إنه من المضحك قليلا رؤية دموع الناس ومدى حزنهم عند الموت ، ومدى سعادتهم وبهجتهم عند الولادة ، إنّه الوهم ، إذا كنت تريد البكاء حقًّا ، سيكون من الأجدر أن تفعل ذلك عند ولادة أحدهم ، اِبْكِ على الأصل ، فلو لم تكن الولادة لن يكون الموت ، هل يمكنك فهم هذا ؟!
... ويعظنا (ماركوس أوريليوس) في كتاب (التأملات) فيقول أذكُر دائما :
.كم من الأطباء ماتوا بعد أن عقدوا الحاجبَين فوق مرضاهم
.كم من المُنجِّمِين ماتوا بعد أن تَنبئوا بموت غيرهم بخُيلاءَ عظيمة
.كم من الفلاسفة ماتوا بعد مداولاتٍ لانهاية لها عن الموت أوالخلود
.كم من الطغاة ماتوا بعد أن تسلَّطوا على حياة الناس بغطرسةٍ ووحشيةٍ ، كما لوكانوا هم أنفسهم مُخلَّدِين في الأرض
.كم مُدنٍ بأسرها قد زالت (هيليكي ، بومبي ، هيركيولانيوم) وغيرها
.. أضف إلى الإحصاء كل أولئك الذين عرفتَهم ، واحدًا تلو الآخر ، يمشي أحدهم في جنازة الآخر ، ثم مايلبث أن تَلُفَّه الأكفان بدوره ويُشيِّعَه آخَرُون ، وكل ذلك في زمنٍ وجيز
.. وصفوة القول أنِ أنظُرْ دائمًا كم هي قصيرةٌ رخيصةٌ حياة الإنسان ، بالأمس كان بَذرةً وغدًا مومياء أو رمادًا ، عليك إذن أن تقضي هذه الكسرة الضئيلة من الزمان في إنسجامٍ مع الطبيعة ، وغادرها راضيًا ، مثلما تسقط زيتونةٌ حين تَبلُغ النُّضج ، مُبارِكةً الأرض التي حَملَتها ، وشاكرةً للشجرة التي مَنحَتها النماء (صدق ماركوس أوريليوس)
... وإلى لقاء في الجزء الثامن إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة