الحلقة الثانية
زهرة الجثة
____
__
إتجهت إحدى السيارات الى بوابة القصر وفيها موعود مع اربعة من الحرس .
الحرس الذين تم إختيارهم بعناية وبمواصفات جسمانية خاصة والأهم من هذا كله أنهم لايجيدون الكلام بملامحهم ولا بألسنتهم بل بايديهم وأرجلهم . من قال أن زمن العبودية والرق قد إنتهى ؟
ومن قال أن السياط لم تطور نفسها لتكون هراوات او مقابض من حديد او حتى مسدسات . ؟
بهذه الكلمات اخذ موعود يحدث نفسه وهو يضع راسه بين قدميه في مؤخرة السيارة . التي توقفت اخيرا داخل باحة ذلك القصر المبني على الطرق الغربية الهدوء سمة المكان وكأن هذا البيت بمكان معزول بزاويا من زوايا الارض فهو لاينتمي تماما لجغرافية وطن موعود ورغم كبر مساحة البيت وإتساع حديقته واسواره العالية.
لاشيء سوى اصوات بعض الطيور وخرير ماء النافورات مع صوت لكلب قادم من احد طوابق البيت العالية ؟
ياترى هل انا مختطف ؟ ههههه ولماذا يختطفون شخصا مثلي ؟
هل انا معتقل ؟
لو كانت كل المعتقلات هكذا .. لارتفع منسوب الجريمة ؟
من يعلم ؟ ربما إشتبه بي الجماعة
يلله إنزل ؟
اول كلمتين يسمعهن موعود من احدهم !
يالله .. يبدو انهم يمتلكون السنة مثلنا . نزل موعود ويكاد راسه يسقط من بين كتفيه من شدة خوفه من تفحص المكان الذي جيىء به إليه .
مسكه احد الحرس من اسفل ذراعه وسحبه الى غرفة صغيرة بها باب صغير ونافذة تكفي لان يخرج منها راس موعود الصغير .. ما افرح موعود ان تلك النافذة تمكنه من رؤية واجهة القصر وبابه الرئيسي مع بعض من اجزاء الحديقة والاشجار التي شاخت ثمارها بها . قبل ان يغلق الحارس الباب على موعود قال له . إياك ان تصدر صوتاً . ولا داعي لاخبرك ماذا سيحل بك إن فعلت ذلك . هزَّ موعود راسه دون ان يجبه باي كلمة .
إنصرف ثلاثة من الحرس وبقي واحد منهم خارج الغرفة التي بدت بعين موعود وكانها قبضة يد قاسية لشخص هذا العالم القاسي وقد إلتفت على عنقه .
كرسيان من خشب ومنضدة وسرير من حديد ومروحة سقفية تصدر صوتا مزعجا .. الشيء الوحيد المزعج لحد هذه اللحظة في هذا القصر بعد ملامح الحرس صوت تلك المروحة .
موعود في حيرة من امره كيف يتسنى له إخبار أهله بمكان تواجده ؟
وهل سيذهب احد رفاقه لاهله ليخبرهم ؟
رغم ان لا احد منهم يعلم اين يسكن موعود بالضبط ؟
الدقائق تسير بقلق مفرط .. وكأنها تسير سير السلاحف بالمقابل فإن الوقت داخل القصر المقابل لزنزانة موعود يركض ركض الارانب إنها فلسفة الحياة العبثية . الحياة التي تضع نهدها بيد المفتونين بالثراء وبالمقابل تلبس النقاب امام الفقراء وتطالبهم بالتضحية من اجلها .
موعود لايدري لماذا هو موجود أصلا في هذه الحياة .. وهل يحق له ولامثاله ان يخافوا الحساب على حياة لم تظهر لهم شيئا بسيطاً من مفاتنها .
وهل من العدالة أن يتساوى غدا الجائع والمتخوم ؟
فالذين يموتون بسبب السمنة اكثر من الذين يموتون من الجوع !
أصوات اقدام تطرق سمع موعود .. إنها قادمة من جهة القصر يبدو انه الحارس ذو الملامح القوقازية . فتح الباب وبه طبق رز وعليه قطعة لحم ورغيف خبز وعلبة ماء .
قبل أن يتناول موعود ماجاء به الحرس .
قال له أتسمح لي أن اسالك عن سبب تواجدي هنا ؟
هل أنا مخطوف ؟ أم معتقل ؟
لا أدري .. ولا يحق لي الحديث معك أصلا .
إنها اوامر الاستاذ .
سيأتي ليلا . وإياك أن تعكر مزاجه في حديثك الذي يشبه شكلك ومظهرك !
وما الذي لايعجبك في شكلي أو مظهري .
يا هذا انتم حقيقة لاتستحقون العيش . انتم يجب ان تختفون عن وجه هذا العالم او تذهبون بعيدا الى غير رجعة !
نظر موعود للحارس بابتسامة . وبعد قليل من الصمت . قال له.
اتعلم أننا لو إختفينا من وجه هذا العالم كما تتمنى ستصبح حياتكم بلاقيمة انتم معاشر الأثرياء . فاغلب الاثرياء ياسيدي يجدون عين المتعة في ممارسة ثرائهم امام انظار المعوزين .
- انت تتكلم كثيرا . خذ طعامك وتناوله وإذا اردت ان تقضي حاجتك إطرق على الباب
- طيب .. لكن غقط اخبرني مانوع اللحم هذا
- لحم حمير كل وانت ساكت فانت تثرثر كثيرا
وضع سعد الطبق على المنضدة وبدأ بتامله فهو منذ مدة لم يتناول اللحم حتى انه اوشك على ان ينسى طعمه . وقف بعد ذلك وبدا يدور حول المنضدة وكانه يريد ان ينفض الملل الذي بدا يصعد لجسده كالنمل من بين اصابع قدمه .. وبينما هو يدور حول المنضدة حتى لمح من نافذة غرفته فتاة تجلس بإحدى بالكونات القصر كجلوس السياح على سواحل البحار .. وهي تضع سماعات في إذنيها وبيدها كتاب على مايبدو . بفستانها الازرق وشعرها المصبوغ
يبدو انها ليست لوحدها رغم خلو المكان . فلمن ياترى توزع كل هذه الابتسامات والضحكات .
هنا اقترب موعود من النافذة واخرج يديه من بين القضبان الحديدية الثلاثة . وبدأ دون شعور يبتسم مع ابتسامتها . ويضحك مع ضحكاتها .
فالابتسامة اشد عدوى من المرض .