أنت أيُّها الحب؟
ما هو الحبُّ
ما حقيقتُه وجوهرُه
ما الذي جعلَ أنطونيو أشجعَ قادةِ روما
يضعفُ ينهارُ أمام كليوباترا
ما الذي دفعَ عنترةَ يقاتل العالمَ من أجل عبلةَ
وجعلَ مجنون ليلى يتيه في الصحراءِ
يموتُ قهراً وألماً من أجل ليلى ؟
أباطرةٌ وملوكٌ تنازلوا عن عروشهم واستسلموا للحبِّ
أكوامٌ من الملاحمِ تغنَّتْ بالحبِّ عجائبه وغرائبِه
ويبقى الإنسانُ يفلسفُ الحبَّ ويفسِّرُه
لن يصلَ أبداً لفهمِه وإدراكِ أغوارِه
نادراً ما يخلدُ الحبُّ الجسديُّ ويدومُ
محالٌ أن يكون هذا الحبُّ الجسديُّ هو الدافعُ
لهؤلاء الأبطال شهداء الحبِّ
غريبٌ مدهشٌ أن يُحبَّ عاشقٌ محبوبته
أكثرَ من نفسِه فتصبحُ ذاتَه
يهجرُ الدنيا من أجلها
يتنسكُّ في محراب حبِّها شغوفاً عابداً
يسارعُ المتحذلقون بسطاءُ العقولِ يحكمون عليه
بالخبلِ والجنونِ وفي الحقيقةِ هم المجانين
لم ينعمْ عليهم القدر بنعمةِ الحبِّ الروحيِّ الخالصِ
نعمةٌ لا تهبطُ وتحلُّ إلاَّ على الأخصَّاءِ من البشر
لقاءُ أرواحٍ تتجلَّى فيه قدرةُ الله على توحيد روحينِ
وصهرهِما في مصهرِ الحبِّ الخالد
من حلَّتْ عليه نعمةُ الحبِّ الحقيقيِّ
بصفائِه بنقائِه وطهارتِه
لم يعد قادراً أن يميِّزَ
ويفرِّقَ بين روحِه وروح محبوبتِه
هو يعيش هذا الشعور في أعماقِ ذاتِه
هي روحُه تعيشُ فيه يذوبُ فيها
هي حياتُه تحيا فيه يحيا لها
هي قلبُه بنبضاتِه لا يخفقُ قلبُه بدونِها
هي نفَسُ رئتيهِ تتحجَّرُ رئتاه
يختنقُ نفسُه يموتُ بدونِها
الكائنُ الروحيُّ المتواري وراءَ عباءةِ اللحمِ
هو الذي يُحبُّ يعشقُ ويذوبُ
بالكائنِ الروحيِّ للمحبوب المتخفِّي خلف الحواس
أحبُّها أهيمُ بروحِها
لا أشكُّ لحظةً أنَّها روحي
تعيشُ تتغلغلُ خلايا روحِها بخلايا روحي
يمتزجُ نَفَسُها بنفسي
عصيرُ روحِها يجري يتدفَّقُ
ينسابُ في عروقِ وشرايينِ روحي
كيف أشكُّ بذلك وهي لا تفارقُني
تلتحِمُ تعشِّشُ ببطانةِ فكري وكياني
يقولون وما هذا غير وهمٍ
سرابٍ خُرافةٍ وخيال
هم لا يرونَ الرُّوحَ ... لا يؤمنون بها
تغلَّبَ التُّرابُ فيهم على الجوهرِ الخالدِ
عميَتْ بصيرتُهم ... تلبَّدتْ أحاسيسُ روحهم
وما عادوا يميِّزون يفرِّقونَ ويفرزون
ما عادوا يدركون ويفهمون
أرثي لهم ولعيونهم
أحزنُ على أرواحِهم التي
تحجَّرتْ تشيئنتْ وتترَّبتْ
جفَّ عصيرُ الحياةِ فيها تلاشى أريجُها
لكن رغم العواصف والزوابع والأعاصير
سيبقى الحبُّ يصدحُ مغرِّداً على أفنانِ القلوبِ
والأرواحِ العاشقةِ إلى الأبد