قصة
سافرت حوراء لدولة غربية من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي...
اعجبتها المناهج النظرية الهادفة إلى حماية حقوق الانسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية للفرد والمجتمع. والاحترام المتبادل، بين الشعوب. اختارت عنواناً لأطروحتها: توظيف السياسة في خدمة الوطن والمواطن...
عينت لها الجامعة أستاذا، يشرف على دراستها يدعى الدكتور
لورانس، شاب وسيم، ذكي، أعذب، راقي الأخلاق. ومنذ التقته خفق قلبها بشدة وأحست بشعور لم تعهده سابقا...لكنها حبست مشاعرها لا تريد أي مانع يقف أمام طموحها بالتحصيل العلمي...
بدأت تنهل من الكتب والمراجع بنهم وشغف بلا حدود.
غايتها أن تحصل على شهادة الدكتوراه بتقدير ممتاز. كما كانت متفوقة بالجامعة السورية، اسمها لا يغادر لوحة الشرف...
يبدو بأن الدكتور لورانس أيضاً أعجب بطالبته، وحاول أن يشعرها بهذا الإعجاب، لكن هي أقفلت نوافذ قلبها، وسدت جميع مداخله، رغم تسارع نبضات قلبها حين تتشابك عيونهما...
الذي حصل وقلب الموازين، جاءت داعش إلى سورية وقرعت طبول الحرب على دولة مسالمة...
انكشفت الحقائق المزيفة المدونة في الكتب، أفكار نظرية تتناقض كليا مع الجاري على الأرض، استنكرت، وعابت، ورفضت واشتكت...
قال لها لورانس: عليك أن تتناسي ما يجري في الجبهات، هذا إذا أردت الحصول على شهادة الدكتوراه...
كانت الحرب تشتد ضراوة على سورية يوما بعد يوم
وحوراء تعاين الكذبة الكبيرة... وتعاين التناقض الكبير، بين ظاهر الأمور وباطنها......
كان لورانس يقول لها، أنت مجبرة على قبول الذي يريدونه هم وليس الذي أنت تريدينه. هذه هي ضريبة نجاحك...
وأضاف أيضا: أنا معك أؤيدك، لكن أخشى، أن أبوح بما يدور في خلدي، قد أخسر وظيفتي...وربما يسجنونني في سجن لا أخرج منه أبدا...
انهت ياسمين أطروحتها، حددت لها اللجنة موعداً لمناقشة مشروع تخرجها...
وقفت خلف المنصة الخاصة. تكلم رئيس اللجنة بتعالٍ وقال: أطروحتك مستوفية الشروط المطلوبة من حيث الشكل، لنبدأ مناقشة المضمون...
قالت ياسمين: بداية أسمحوا لي القول: هذه أطروحتي التي تزيد عن خمسمئة صفحة كتبتها، بمداد دموعي وجراحي
أرجوكم دعوني ارتجل افكاري بصراحة مطلقة.
كتبكم تقول بأن السياسة خلقت لتكون المحراك الذي يحمي السلام العالمي. ويحمي حقوق شعوب العالم...
في سياق الواقع، تصبح كتبكم مجرد كذبة كبيرة، كلمات مزيفة، لا تليق بها حتى حاويات القمامة...
في الواقع سياسات بلادكم، لا تعرف العدالة، ولا تعرف للسلام معنى، أنتم وظفتم السياسة لغزو الشعوب ونهب البلاد المسالمة.
تتبجحون منادين بالعولمة تصفونها بالربيع المزهر للشعوب المسالمة...بينما غايتكم الحقيقية، السيطرة على العالم كاملا حتى تتفردوا في حكم الكرة الأرضية كلها...
ماذا تفعل دولكم في بلادنا، تقولون جئناكم بالربيع العربي،
أي ربيع هذا الذي تتكلمون عنه: تذبحون شعبنا كما تذبح النعاج، وتهدمون منازلنا، وتخربون دور عباداتنا، تسرقون آثارنا، وتغلقون مدارسنا، وتقذفوننا بصواريخكم، تشردون أهالينا، غايتكم الحقيقية تفريغ بلدنا، حتى يسهل عليكم نهبها ومن ثم احتلالها وضمها إلى أرض سرقتموها سابقا وتريدون التوسع أكثر وأكثر .
فرضتم على سورية، حرب استنزاف حقيرة، عندما يقتل واحد من أذنابكم المرتزقة، تستحضرون العشرات بدلا عنه، بينما نحن إذا استشهد واحد منا، يموت جزء من جسدنا لا يعوض بمال الدنيا...
وقف مدير اللجنة مذعوراً، والغضب كاد يفجر رأسه صارخا: أطلبوا الأمن اخرجوا هذه المعتوهة من هنا، اسحبوها إلى السجن، أطروحتك مرفوضة لا تستحق...
…
قالت حوراء: أنتم ترفضون أطروحتي، وأنا أرفض أن أنال شهادة الدكتوراه من ناس مثلكم، يخدعون ذواتهم، ويخدعون مجتمعهم وأعلامهم، وكل شيء في حياتكم هو كذب وخداع، أنتم أقل ما يقال فيكم أذناب لأسيادكم، اشتروكم بمال حرام...
وجعلوكم خدما لهم.
علا تصفيق حاد في القاعة. وقف لورانس وعضوين آخرين من اللجنة وصارا يصفقان، مما أجبر مدير اللجنة مرغماً على منح ياسمين لقب دكتورة في حدث غير مسبوق...
رجعت الدكتورة حوراء إلى سورية تغرس أفكار السلام والمحبة والتعايش السلمي بين الشعوب
بعد اشهر... دخل عميد الكلية يرافقه الدكتور لورانس إلى المدرج الجامعي، كانت حوراء تحاضر، فوجئت وتلعثمت في الكلام...
قال عميد الكلية ضيفنا هو الأستاذ لورانس أستاذ الدكتورة حوراء وأشار إلى الدكتورة بيده...
قال لورنس والعميد يترجم له: هنيئا للشعب السوري الذي ينجب شابات مثل حوراء ابنة سورية...حوراء كانت في بلادي نجمة مشعة بحجم الكون...
نظر لورنس إلى الدكتورة حوراء وقال أتمنى أن تقبليني شريك العمر أسكن هنا في بلدك بلاد الانتصارات ومصنع الحضارات والأبجديات...
ساد صمت في القاعة ينتظرون كلاما من حوراء
قالت حوراء، حقيقة قلبي لم يعرف حبا سواك، أنت ملأت قلبي وروحي مذ كنت أستاذي، وعرفت كم أنت رائع، وكنت حبيبا بصمتي، أنا الآن موافقة...
بقلم: عبده داود