(جَميلَة) ـ (محمد رشاد محمود)
إلى التي وِصالُها بَرْحٌ وفراقُها سَفْح ، وغيابُها نَصَب ومثولُها وَصَب ، فلا يكادُ المَرءُ يخلو في حالَتَيها مِن هَمٍّ أو يفيءُ إلى مَرفَإٍ مِن طِلاب :
جَميـلَـــــةُ لا أدري بــأيَّـــــةِ حـيـلَـــــــةٍ
أُجـالِـدُ عَـن نَفسـي هَــوًى فيكِ جَاحِمي
لَـقَـد نـــالَ منِّي الــوَجـدُ حتَّى أحـالَـني
إلـى حَيـــثُ لا أُمضي مَـــرامَ الـعَزائِـــمِ
وأضرَى بِمِـعــراجِ الـبَيــــــانِ غُلالَـــــــةً
تَـاَبَّى علـى النَّـجوَى رَواحًـــــا لِسَــــادِمِ
أُحِبُّـكِ حُبَّ الطَّـلِّ في الـرَّوْضِ لِـلجَنَـى
وحُبَّ جَدِيــــبِ الأرضِ رِيَّ الغَمَــائِــــمِ
وأشتـَـــاقُ أشْتَــفُّ التَّــعِلاتِ مِـن فَــــمٍ
تَخايَـــلَ في شَطَّيـْـــهِ لَـمْــعُ السَّجائـِــمِ
وأنشَى شَميـــمَ الــوَردِ مِنْ عـاطِرِ الرُّبـا
لِنَـهْــــدَيكِ بَيْـنَ البَهْــــوِ مَلهَـى البَـراجمِ
إذا ما أتـــاحَ الشّــوقُ عِطفَيـْــكٍ ضَمَّـــةً
أراغا لَــــدَى صَدري نِـــقارَ الــحَمـــائِــمِ
فأحظَى بتَهــــويـم اللَّـــذاذاتِ كُلِّهَـــــــا
تَــدَفَّقُ فــي رُوعـِي وجِسْمِي ونَــاسِمِـي
لَـــذاذاتُ عِربـيــــدِ قَضَى جُـــلَّ عُـمْـرِهِ
لَهِــــيـفًا إلى فَــضِّ الجَمَـــالِ المُســاوِمِ
أهيــــمُ فَلا أنْفَــكُّ في حَومَـــة الجَــوَى
أُواثِبُ دفْـقَ الشَّــوقِ والشَّـوقُ لاجِمــي
وأعيـــا إذا مـــا رابــني مِنْـــــكِ مَلــمَحٌ
يُنَبِّــئُ عَن مَسرَى الجَفـا في النّـمَـــائِــمِ
وشَكْــــوايَ حُبِّيــــــكِ الشَّــــقاءُ لأنَّنـــي
أخَافُـــــكِ أنْ أُزجَـى إلى جَفـْــوِ صَــارِمِ
وأخشَى فــراقًــا لا أرَى دَرءَ جَـــوْحِـــهِ
رَواحًـــــا كـمَـــا يُعيى رِئــابُ الرَّمَــــائِمِ
فَيا حَبـــوَةً ما عُدتُ أســـطيـعُ بَرْحَهـَـــا
وأنْــــزو لِـفَقدِيهــَــــــا صَريـــعَ الـمــآزِمِ
غِيـــابُــكِ عَن طـرفي عَمـــاءٌ لِـنَــاظري
ولُبثُــــكِ في قلــــبي نُــــزَاءٌ لِعَــــارِمِي
فـلا القُربُ يُـــرْخيني ولا البُــعدُ يَنْـثَني
بِـــرَوحِ حَشيدِ اللَّهــــفِ فَــــلِّ الصَّرَائِمِ
وأشتاقُ رؤيــا طَيـــفِكِ الحِبِّ مَوْهِـــنًا
إذا جَنَّــــكِ الإِغفالُ والهَــــجرُ قاصِمِـي
لِــمـــرآكِ أنـــــــأى عَن وجُـودٍ يَجُرُّنِــي
إلى عَتَبـــاتِ الـوَجـــــدِ رَثَّ التَّنَـــــاعُمِ
ومـا هـُــــوَ إلا أن يُغَشِّيَـــكِ النَّـــــــوَى
فَتَــسـْـوَدَّ فـي عَينَــيَّ غُــــرُّ المَـعَــالِــمِ
أيَــــا مَنْ أرَى في قُربْهـا الجَوْحَ مَغنَمًـا
وأسْلَــى لِمَنــــآهَـــــا جَنِـــيَّ المَغـانِـــمِ
أَهِــلِّــي فلا تُنئِي شُــخوصَكِ عَن ضَرًى
لِكَــفَّـــيَّ بِالضَّـمِّ الوَثـــــيقِ المُـــلَاحَــمِ
أهــــلِّي كمـــا يرفَضُّ بِالمهـْـــمَهِ الجَـدا
أهِـــلِّي علـى سَمْــعِي وطَرْفي ونَاعِمِي
سأهْــوي إلى مَهوَى الوُرَيقاتِ إن نَــأَى
رَوَاحُــكِ عَنْ أيـْــكـي ويَنـْـقضُّ قائِـمـي
ويَــرْفَضُّ تَــغريـــــدٌ تَقَفَّـــــاكِ جَـرسُــهُ
وَيَنــْجـابُ عَـنْ سَـرْحي رَوَاحُ النَّسائِــمِ
فَاُفْــضِي إلى لا شَـيءَ مِنْ بَعْــدِ وَقْــدَةٍ
هُــمُـودَ رَمَــــادِ الـجَمْـــرِ إثــرَ الضَّـوَارِمِ
عَدَدتُــكِ زُخْرِي في الحَيـَـــــاةِ ومَرْفَئي
لِــــزَودِ مُلِــمَّـــــــاتِ الـشّقـَــاءِ المُــرَازِمِ
فـــلا تُسلِــمِي لِلـشَّجوِ رُوعي وَتُرفِــدي
شُجونِيَ رِفْــــدَ البِيـــدِ جَـوْح السَّمَـائِـمِ
(محمد رشاد محمود)
.............................................
السَّادِم : المَهمومُ أو مَعَ نَدَم ، والمَغيظُ معَ حُزنٍ واللَّهِجُ بالشَّيءِ ، والمعنَى يَتَّسِعُ لِكُلِّ أولَئِكَ .
البَهْو : فُرجَةُ ما بَينَ الثَّديَيْنِ والنَّحْر . البَرَاجِم : مَفاصِلُ الأصابِعِ . أَراغَ : أرادَ وطَلَبَ .
النَّاسِم : المُرادُ الأنفُ الذي يَنسَمُ النَّفَسَ . المُساوِمُ : المُغالي ، والمُرادُ المُتَرَفِّعُ المُعتَدُّ بذاتِهِ .
أُزْجَى : اُساقُ وأُدفَعُ . الرَّمائِمُ : الأشياءُ البالِيَة . عرَمَ العَظمَ : نزَعَ ما عَلَيهِ مِنْ لَحمٍ .
الفَلُّ : المُنهَزِم . الصَّرَائِم : جمعُ (الصَّريمَة) وهِيَ العَزيمَةُ وقَطعُ الأمرِ .
التَّناعُمُ : التَّنَعُّم . ضَرِيَ (كَرَضِيَ) بِهِ ضَرًى : لَهِجَ وأُغْرِيَ وأُولِعَ .
المُلاحَم (بِفَتحِ الحاء) : يُقالُ "حبلٌ مُلاحَم" أي شديدُ الفَتلِ . الطَّرفُ : العَينُ .
ناعِمي : جودي بالنَّعيمِ ، وهوَ الخَفضُ والدَّعَةُ والتَّرَف وهَناءُ العَيْشِ .
الضَّوَارِمُ : جمعُ (الضَّارِمَة) وهيَ صِفَةٌ للنَّارِ المُشتَعِلَةِ .
المُرازِمُ : المُقيمُ طَويلًا ، يُقالَ "رازَمَ الدَّارَ" إذا أقامَ بِها طويلًا .