الخميس، 17 أكتوبر 2024

محطات من الذاكرة بقلم فاخر خالد

،، محطات من الذاكرة ،،

امس رجعت بيَّ الذاكرة الى ايام الابتدائية . وبالتحديد اول ايام الجلوس على مقاعد الصف الاول الابتدائي . فخطرت في بالي الفكرة ان اتعايش مع هذه الذكرى واقعا وليس خيالا . وفعلا اتصلت بمعلم من معارفي . وبينت له رغبتي وطلبت منه ان يهيء لي الامور لنجاح الفكرة . ودون اي تردد وافق . وصباح اليوم ذهبت مع بداية الدوام . وتجولت في ساحة المدرسة وسط جموع التلاميذ . ودق جرس المدرسة معلنا الدخول الى الصفوف ولكوني تلميذ مستجد عليَّ ان اهرول مع التلاميذ نحو الصف . زاحمت التلاميذ ودخلت الصف . وقع اختياري على اول مقعد . وحين جلست . 
 رجعت بي الدنيا الى سنين طويلة مضت كأنها لمح البصر ... جلست ونسيت روحي وقمت للمعلمة حين قالت: قيام ...!! وبدأت أصغُر وأصغُر وتطايرت مني السنين ... كأن هذه السنين جبال ثقيلة ووحل مريح وصخر متراكب .. لقد تنفست لأول مرة .. بدأ حجمي يتقلص ... وغاب الهم والحزن والألم وكل النزعات الشريرة وكل رياء وتحايل .... بدأت أسبح في عالم الملائكة والطهر .. أصبح العالم كبير عليّ كل شيء فيه كبير وجديد .. يالها من رحلة قصيرة طويلة .. عاد فيها أبي وأمي للحياة وعاد اليها كل رفقتي من الصبية وعاد الحانوت والجرس والمعلمة والعودة والركض والحَّلة والمشاجرات والجوع والهواء النقي كل شيء عاد ولكنه ليس الا سراب .. خيط دخان تبدد بسرعة بعد أن خرجت . كانت المعلمة تتمتع بروح النكتة وسرعة البديهية . وهذا ماشجعني ان اعيش اكثر دور التلميذ المستجد . رفعت يدي وطلبت من معلمتي .. ست ست امسح الصبورة ؟ . ست ست اجيب طباشير ؟. قالت وهي تخفي ابتسامتها . مانحتاج طباشير . !كان التلاميذ مستغربين وجودي بينهم . سمعت احد التلاميذ يسخر مني . هذا اشكبره وبصف الاول !!. رد عليه اخر . هذا جديد بس ماعندة جنطة . كانت المعلمة تغض النظر . رفعت يدي مرة اخرى . ست ست اقرأ نشيد حلو .؟ قالت المعلمة اتفضل ماما . وقفت قرب السبورة وانا تغمرني البهجة والسرور . وقفت وانا امثل دور التلميذ الخجول المرتبك .!
وقرأت النشيد كما حفظته من معلم اللغة العربية آن ذاك . 

الواحد كالعوچية .
                ابدا مابي ملويه
والثنين كالمقص .
              جانا عنتر يتمرقص
والثلاثة الها راسين .
                فاخر بدروسة مو زين
والاربعة كالحية
             يلا ناخذ تحية
والخمسة كالدويره
             يلا نلعب فريره
والستة كالفاسة
              فاروق امزين راسه
والسبعة كالمصيادة
           يلا انصيد الجرادة ،، الخ

قالت المعلمة صفگووولة .. 
ودعت المعلمة والتلاميذ وصوت التصفيق يرن بمسامعي . وخرجت من الصف وانا اخفي دموعي .!
 خرجت بجسدي ولكن روحي بقيت معلقة بذلك العالم داخل الصف تماما .

🖋 فاخر خالد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

صداقات مبعثرة بقلم فراس ريسان سلمان العلي

صداقات مبعثرة *************             مٱذا جنيتَ من الصداقٱتِ السخيفةِ                        غيرَ زجِّ النفسِ في المحنِ العنيفةِ      ...