.. { ابن عزيزة وعزُّوز } رواية / رضا الحسيني ( 31 )
.. { محفوظ في إذاعة الشباب والرياضة }
في هذا اليوم التقى داخل غرفة إذاعة الشباب والرياضة بأهم شخصية تأثر بها وأحبها وتعلق بها محفوظ ، إنها السيدة جميلة الروح والصوت والإحساس { عديلة بشارة } التي كانت تقدم أيام الخميس والجمعة والسبت حلقات برنامج { مايكتبه الشباب }، بيضاء ذات شعر أصفر قصير كثيف ممتلئة الجسم متوسطة الطول ، في الأربعينات من عمرها ومُدخِّنة تلبس فستانا بنيا فيه تشجير خفيف ولا تستخدم الحذاء المنتشر ذي الكعب العالي ،تبدو من الوهلة الأولى كم هي من الطبقة الاجتماعية الأعلى من الجميع بالغرفة ، يومها عشق محفوظ فنجان القهوة لأول مرة رغم أن أمه عزيزة أستاذة من الدرجة الرفيعة في صنع أجود فنجان قهوة ، لكن مع الست عديلة جاءت له القهوة مع شوب من الليمون ، هكذا كانت تشرب قهوتها بمجرد دخولها المكتب ، ولايشعر أحد أبدا بأنها مديرة المحطة :
_ حاسس بإيه وأنت هنا يا محفوظ ؟
_ مادمتي حضرتك سأتيني السؤال ده فأكيد حسيتي بكل شيء بفكر فيه دلوقتي وأنا هنا
_ فعلا وهو ده سبب سؤالي لأني حاسة بيك أوي من نظراتك لكل شيء هنا
_ طب وحضرتك عشتي الإحساس ده قبل كده ؟
_ أي إنسان جواه طموحك لازم يعيش إحساسك ، وأنا صغيرة كنت أقعد جمب الراديو الكبير أبو زراير زي البيانو ده وأتابع مشاهير المذيعين كانت تلمع عيوني ، وكان والدي رحمه الله يلاحظ ذلك فيقول لي :
( عارف إن اللمعة اللي في عيونك دي ياعديلة لازم هتخليكي في يوم صوتك خارج من الراديو ده )
كان هذا اللقاء الأول لمحفوظ بغرفة إذاعة الشباب والرياضة جعله مبهورا بكل مايراه ويعيشه ، المذيعون كلهم بيدخلوا ويخرجوا و منهم من كان يحكي معه بعض الوقت ، فقط من بين كل هؤلاء كان يعرف مذيعا واحدا من بين الجميع ، المذيع جميل الصوت صلاح الدين مصطفى ، من أفضل الأصوات التي تلقي الشعر ، والمذيع صلاح هو الصديق المقرب جدا لابن خال محفوظ الكبير الذي كان يعطيه دروس اللغة الإنجليزية بالجمعية الخيرية ، وهو أيضا جار لمحفوظ من أهل منطقته التي تربى فيها ، وكان يساعد ابن خالة محفوظ الكبير بأن يذيع له الأغاني النادرة لعبد الحليم حافظ ، وكان المذيع صلاح كثيرا مايأتي لبيت خال محفوظ الكبير يسهر مع الجميع ويلعب معهم الكوتشينة قبل أن يصبح مذيعا ، فكانت الفرحة كبيرة حين التقى بمحفوظ بغرفة المحطة يومها
قضى محفوظ أروع الأوقات يومها داخل مبنى ماسبيرو ، وقبل أن يغادر المبنى تصادف مروره بجوار الفنان القدير حبيب قلبه وقلب أمه عزيزة { فؤاد المهندس } وكانوا وقتها ينادونه بالأستاذ ، شعر أن له هيبة كبيرة ولم يصدق أن هذا هو الكوميديان الكبير الذي يضحك الملايين بالعالم العربي ، ولكن كان يمسك عُكَّازه الأسود ذي المقبض اللامع مما يدل على فخامته وارتفاع ثمنه وربما جاء به من الخارج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق