بُعْدُ الحَبِيبِ (من غَزَل الشّباب)...
بَـعُدَ الـحَبِيبُ وحُـبُّهُ لَمْ يَبْعُدِ
مُتَجَـلِّدٌ، وصَبَابَتِي لَمْ تَـجْلَدِ
أَتُرَاهُ عَـمْدًا شَاءَ هَجْرًا؟ فَانْثَنَى
لِيُذِيقَنِي كَأْسَ الغَـرَامِ الأَرْبَدِ
أَتُرَاهُ نُور البُرْءِ مَا شَاهَدْتُهُ
فِي عَيْنِهِ؟ أَمْ كَانَ بَرْقَ الأَحْقَدِ
أَتُرَاهُ ثَغْر العَطْفِ مَا شَاهَدْتُهُ؟
أَمْ كَـانَ ثَـغْـرَ النَّاقِـمِ الـمُـتَـهَدِّدِ
أَمِنَ الهَوَى تَبْكِي؟ يَقُولُ عَوَاذِلِي
ولَقَدْ عَـهِدْنَا أَنْ نَرَاكَ فَنَقْـتَدِي
ذَهَبَ الهَـوَى مِنْ نَظْرَةِ أَلْقَيْتَـهَا
عَـرَضًا، بِلُبِّكَ والنُّـهَى الـمُتَوَقِّدِ
وتَفَتَّتَتْ مِنْكَ الـحُشَاشَةُ زَفْرَةً
فَتَقُولُ: "آهٍ" دُونَ "أُوهِ" الأَكْبَدِ
وتَمُوتُ سِرًّا بِالهَوَى دُونَ الوَرَى
وحَبِيبُكَ النَّشْوَانُ حُرًّا يَغْتَدِي؟
تَـبًّا لِـرَبَّاتِ الـحِجَالِ وضَـرْبِـهِنْ
بِالـلَّحْظِ، أَرْبَابَ العُقُولِ الـمُجَّدِ.
فَأَجَبْـتُـهُمْ، والـدَّمْعُ بَلَّلَ وَجْنَتِي
مُتَسَاقِطًا كَالدُّرِّ أَوْ كَالعَسْجَدِ:
كَيْفَ التَّصَبُّرُ والحَبِيبُ بِغَفْلَةٍ
عَنِّي وكَتْمِي لِلْهَوَى مُتَوَعِّدِي؟
كَيْفَ التَّصَبُّرُ والجَوَى فِي دَاخِلِي
مُتَـمَكِّنُ الأَنْـفَاسِ والـفَمِ واليَدِ؟
كَـيْفَ الـتَّـعَـلُّلُ والتَّـصَبُّـر نَـافِــذٌ
لَا شَكَّ فِي اليَوْمِ القَرِيبِ أَوِ الغَدِ؟
وحُشَاشَتِي لَـمْ يَـبْقَ فِيـهَا، دَاخِلِي،
إِلَّا فُـتَـاتًــا قَـلَّ أَنْ لَـمْ يُـــفْـصَدِ؟
لَوْ أَنَّ حِبِّي بَـاعَـنِي صَبْـرًا حِجًى
بِـطَـرَائِـفِ الأَحْـلَامِ ثُـمَّ الأَتْلَـدِ
لَـقَـنِـعْتُ مِنْهُ بِنَـظْرَةٍ فِي حَجَّـةِ
أَوْ هَمْسَةٍ مِنْ طَيْفِهِ فِي المَرْقَدِ.
وتَقُـودُنِي رِجْلَايَ ، إِنِّي هَائِـمٌ
لِـمَكَانِـهِ، فَـمَكَانُهُ هُـوَ مَعْبَدِي
وتُـسَمَّـرُ العَيْنَـانِ فِـيـهِ كَأَنَّـمَـا
نَسَجَ الإِلَهُ السِّحْـرَ فِيهِ بِاليَدِ.
مَنْ لِي بِـخِلٍّ أَشْتَكِيهِ صَبَابَتِي
فَيُجِيرَنِي؟ مَنْ لِي بِشَخْصٍ مُرْفِدِ؟
مَنْ لِي بِطَيْفٍ، فِي المَنَامِ، يَزُورُهُ؟
فَيُـرِيـهِ حَالِي بَعْدَ عِـزِّي الأَتْلَدِ؟
حمدان حمّودة الوصيّف... (تونس)
"خواطر" ديوان الجدّ والهزل