هل تأخّرتُ ؟
------------------------
في فجر الثاني من كانون الثاني من العام واحد وثمانين وتسعمائة بعد الألف..
أرسلتني أمي لأشتري لأبي الخبز والقيمر ليفطر ويذهب إلى عمله..
فلما وصلت الى مخبز الخيرات،
رأيت حافلة رمادية،
قد غصت بالركاب..
من جيراننا وبعض أقاربي!
وحولها جنود..
ملثمون..
مدججون بالسلاح!
فنادوا عَليَّ:
كم عمرك؟
فقلت:
ثمانية عشر سنة،
فقالوا:
إركب،
فقلت:
كيف؟
وأمي أرسلتني لأجلب الخبز وال...،
فقطعوا حديثي بضربة على وجهي،
وأمسكوني من تلابيبي ودفعوني بقسوة نحو الحافلة،
فتلقفني جيراني وأقربائي بالتأسف على ما سيؤول إليه أمري،
ونهروني بقولهم:
من الذي أخرجك بمثل هذا الوقت؟
فلم أنطق بحرف،
سوى دموعٍ تنهمر على وجنتي من الذعر والخوف وآثار الضربة على وجهي،
وسارت بنا حافلة الموت إلى الجبهة،
وكان الموت في كل مكان،
وحوصرنا بليلة وصولنا فٱستسلمتُ ومن معي للعدوِّ،
وبقينا أسرى في بلادهم،
إلى أن حلّ علينا عام تسعة وثمانين وتسعمائة بعد الألف..
تبادل بلدنا أسراهم بنا..
وسُفرنا إلى بلدنا..
دخلنا حدود قريتنا،
وتوقفت بمن بقي منا حافلة بيضاء..
بباب مخبز الخيرات تمام الساعة الخامسة فجراً،
فتوجهت إلى المخبز..
وكانت بجابنه إمرأة،
باسمة الثغر،
فَرِحةّ بعودتنا..
فٱشتريت منها قيمراً كانت تبيعه،
وذهبت بالخبز والقيمر الى بيتنا..
فطرقت الباب،
وإذا بصوت أمي:
من؟
فقلت:
هل تأخرت بجلب الإفطار لأبي؟
----------------
د.محمد هاشم الناصري
من العراق