الحياة
بقلم الشاعر إبراهيم العمر
الحياة الحقيقية لا يمكنك أن تشتريها .
الحياة هي هبة من الله ،
هي عطاء رباني ،
هي لمسة مقدسة ،
هي دقائق معدودة، تبدأ بتاريخ وتنتهي بتاريخ . تماماً كما هو محدّد في لوح القدر .
بقدر ما نتقبّل تلك الحياة ؛ نحيى، نسعد، نعيش، نتفهّم المعاني الحقيقية التي أرادنا الرب أن نفهم .
نحن لا نزيد الحياة رونقا وجمالا ،
نحن نشوّه هذا النقاء ، نشوّه هذا الصفاء ،
نحن لا يمكن أن نزيد على الروعة المقدسة التي أرادها الله للحياة.
نحن نعبث بحياتنا ، نرمي بأنفسنا إلى التهلكة ،
نحن نعذّب أنفسنا كلما ابتعدنا عن الشرعة السماوية ،
وكلما تجاوزنا تعاليم الرب ،
وكلما سعينا لإحداث شرائع مغايرة ، وكلما ظننا أننا نتفلسف وأن لنا أساليبنا البشرية للعيش السعيد .
يفوتنا دائما أن الحياة أقصر من أن تتسع لفسحة من محاولات وتجارب البشر ،
وأن دماغنا محدود ،
وأفكارنا محدودة
وعمرنا محدود .
لا يمكن أن نملأ كأسنا أكثر من سعة كأس ،
ولا يمكن أن نحشو رأس بدماغ أكبر من حجم الرأس,
لا يمكن أن نخرج من دوامة الذات ، مهما هاجت مياه البحر ، ومهما اشتدّت العواصف والأعاصير ، يعود بعد هذا الهيجان وبعد تلك العواصف والأعاصير البحر بحرا .
تلك هي سنة الكون ، ذلك هو سر من أسرار الوجود ؛ أن يبقى البشر كما خلقهم الرب بشرا ، وأن تبقى تلك الروح في هذا الجسد ما شاءْ الله لها أن تبقى فيه ، تلازمه وتتعلق به ، وتبقى الحقيقة حقيقة ولا يولد الذكر من الذكر.
الحقيقة أننا نبتعد عن الحقيقة كلما حاولنا أن نقترب منها بأساليب بشرية ،
كلما حاولنا أن نراها بأعين بشرية ، وأن نتلمسها تلمس مادي ، ونخضعها إلى تجارب مخبرية .
الحقيقة أننا لا ندرك شيئا من الحقيقة ، ولا نعي شيئا من أسرار الحياة ، وأن كل محاولاتنا لفهم الحقيقة وسبر أسرار الكون باءت بالفشل ، وأن كل مل توصلنا إليه حتى الآن من التقدّم العلمي في كافة نواحي الحياة ، لا يشكّل سو ى بعض مظاهر الحقيقة .
نحن لم نصل إلى شيء من كنه الحقيقة ،
لم نصل إلى أي اصل صغير في جوهر الحقيقة .
الحقيقة هي فوق فهم وإدراك عقول البشر .
هي موجودة في كل ذرّة من أنفسنا ،
في كل شهقة هواء نستنشقها ،
في كل حبة مطر ،
في كل لقمة عيش ،
في كل همسة حب ،
في كل رمشه عين ،
في كل نظرة شوق ،
في كل لمسة حنان ،
في كل ميلة عطف ،
في كل شردة ،
في كل سهوة ،
في كل نشوة ،
في كل غفوة ،
في كل صحوة . هي في كل تلك التفاصيل الدقيقة للغيبوبة واللاوعي واللاشعور .
هي تفاصيل الضمير المرهف ، الحسّاس .
هي في كل دقة قلب ، في كل خفقة صدر ، في كل رعشة جسد ، في كل اختلاجة روح . هي في كل خطرة بال ، في كل صورة واقع ، في كل لمحة خيال . هي في كل صرخة ، في كل صدى نداء ،
هي في كل تفاصيل الهلوسة والهذيان . هي في أطياف النور المنسدلة على ثوب الليل في سهرة القمر .
هي في أشعة الشمس ، ودوران الأرض ، وتعاقب الليل والنهار ..
هي في كل برعم أخضر ،
هي في كل حبة قمح ، في كل زهرة ،
هي في هذا العطر وهذا العبير . هي في كل نحلة ، في كل رحيق ، في كل نكهة ، في كل حبة سكر ، ولعقة عسل .
هي في كل حبة غبار ، في كل لمسة دفء ، في كل شعلة نار .
هي هذا الوهج وتلك الحيوية ،
هي هذا الدافع وتلك الرغبة ،
هي الإرادة والاختيار، هي المشروع والقرار ..
نحن دائما ندور حول الحقيقة ،
نحن نتداول آثار ونتائج ومظاهر الحقيقة .. نحن لا نملك مدخلا لفهم الحقيقة، ومهما حاولنا ؛ لن نخرج عن نطاق الحقيقة .
حقيقة كوننا بشر زائلون . ومخلوقات زاحفة على الأرض ، ملتصقة بالتراب ،
وأننا خلقنا من رماد بكلمة من الرب ، وبكلمة من الرب نعود إلى التراب ،
وبكلمة منه ، سبحانه ، نخرج من الأرض .
نحن لكي نحيى نحتاج للإيمان ،
نحتاج إلى تقّبل كل تلك الحقائق ،
نحتاج إلى إرشادات الرب ، نحتاج للعيش كما أراد لنا الإله ،
نحتاج إلى الاعتراف بعجزنا أمام القدرة الإلهية ، نحتاج إلى رحمة الله ورأفته وغفرانه ،
نحتاج إلى الشعور بالأمان في أعماق صدرونا ، نحتاج إلى الحماية الربانية من كل تلك الوساوس الشيطانية ، من نزوات النفس واغرآت الجسد .
نحتاج للصلاة والتسبيح ،
نحتاج للسجود والركوع والخنوع لله ، نحتاج إلى هذا الإحساس بالنور الربّاني يسري في الصدور ، ويعمر القلوب ويحتضن الاراوح, نحتاج إلى هذا الشعور بالرهبة والخشية والخوف أمام عظمة وقدرة الرب .