قصة قصيرة: عرين الأسد.
قرر الأسد أن ينزل من عرينه ويلهو مع الحيوانات، فهو في عرينه ذو هيبة ورهبة والكل يخشاه، ولا أحد باستطاعته الاجتراء عليه أو أن يطأ عرينه، أو حتى المرور بالقرب منه، وكانت بعض الحيوانات تنتقده في مجالسها وحواراتها، إذ كيف يُعقل أن ينعزل وحيدا ولا يلعب معهم، أو يُشاركهم أفراحهم وألعابهم ومرحهم، وهو ليس إلا واحدا منهم ومثلهم، ولكن بعضهم الآخر يرى في انعزال الأسد وانكفائه على نفسه، سلامة وخير له وللآخرين، وحتى الأسد فإنه فكر وخطر بباله أن الحيوانات إنما تجتنبه لتكبره وترفعه، وغلظة طبعه وفظاظة سلوكه، فقرر أن ينزل إليهم ويلاطفهم ويلهو معهم، لأنه في نهاية المطاف ما هو إلا حيوان منهم ومثلهم وعلى شاكلتهم، ولن يستطيع العيش باعتزالهم تماما، وراح يمرح مع الكلب والبغل.
وشاهدهم الذئب وكان يتحدث إلى حمار مغرور، فاقترح عليه الذئب الذهاب للعب مع الأسد، لأنه لأول مرة رآه يمرح ويلعب، فقال الحمار المغرور في شموخ وكبر: أنا لا أُنزل من نفسي العالية الهِمَّة، ومستواي الرفيع، وألعب مع هذا الأسد أو مع غيره، فأنا لي عزة نفس تمنعني من ذلك، ثم إنه من السلامة أن لا تُمازح ولا تلعب مع من إذا غضب منك دق أضلاعك ونهش لحمك، ثم تركه وانصرف.
فقال الذئب(في سره): صدق والله الحمار المغرور، ولكنها النفس تشتهي اللعب، سألعب مع الأسد وأحتاط لنفسي منه، ولكن ما قضية عزة النفس والهِمَّة العالية، والمستوى الرفيع التي يَدَّعِيها الحمار لنفسه، أنا في حياتي ما رأيت للحمير عزة نفس أو همَّة عالية، أو أيّ شيء من الفضائل يمكن أن تُنسب إليهم، سوى أنهم يُبردعون ويحملون الأثقال...، إنه التَّشَدُّقُ بالكلام فحسب، إننا إذا لعبنا مع الأسد فهو من الأسد تواضع، ولنا نحن عزة وشرف، إن معشر الحمير لما افتقدوا عزة النفس، التي هي عند جميع الحيوانات أحسن منها عندهم، صار موضوع عزة النفس هذا مُرَكَّب نقص لهم يُعانون منه، صاروا إذا كلمتهم في أي أمر وأرادوا معارضته ورفضه، برروا ذلك بأن لديهم عزة نفس تمنعهم من ذلك، وليس بهم إلا الإحساس بالفقد والنقص من هذا الجانب، لأن واقع الحال والكل يعرف دون مغالاة أو تطرف أو ظلم، أن الحمير لا عِزَّةَ نفس عندهم، إنهم أوغاد وسفلة، يُسيئون التصرف دائما، ولا يُحسنون الكلام، ولا أدب عندهم ولا أخلاق، يعشقون كثيرا الرفض، يرفضون كل شيء، المهم عندهم مُخالفة غيرهم، إن حقا أو باطلا، إن الإكثار من ذكر أمر والتأكيد عليه دون سؤال، وإقحام كلام في الحديث دونما حاجة اقتضته، أو ضرورة دعت إليه، هو من الجهل وقلة الأدب، وضعف الهمة ونقص العقل، ثم إنه انطلق إلى حيث الأسد والبغل والكلب.
ولما رأى الحيوانات ذلك استغربوا وحاروا، أهذا هو الأسد المهيب الذي يخشى الجميع سطوته وبطشه يُنزل من مقامه ومكانته، ويلعب مع البغل والكلب والذئب، وتعددت الآراء حول هذا الحدث وتباينت، منهم المُؤيد ومنهم المُعارض.
نطق كنغر فقال: لا شك أن الأسد قد جُنّ.
ردّ عليه ظبي: لا، ليس الأمر كذلك، ولكن يبدو أن نظرته للحياة قد تغيرت.
وقالت غزالة: هذا لا يليق بالأسد، فكل واحد ومقامه ومكانته، ولا يجب على أي عاقل حكيم أن يُنزل من نفسه هكذا، فقد تحدث أمور عكسية من الطرفين بعد هذا اللهو.
وقال ثور: أنا لا أصدق أن الأسد يلعب مع الذئب والكلب والبغل.
رد عليه قرد: وما الغرابة في ذلك؟ فنحن في هذه الغابة جميعا إخوة وأصدقاء، ومن البديهي والطبيعي أن يمزح الإخوة والأصدقاء مع بعضهم.
فقال الثور: المزاح لا يكون محمود العواقب، إلا إذا روعي فيه الخُلُق وحسن الأدب، ولا أعتقد أن الـخُـلـق والأدب مـن شـيـم الـذئـب والـكـلـب والـبـغـل، فطباع هؤلاء الثلاثة تتنافى ولا تتفق مع طباع الأسد، فالأسد طباعه غليظة قاسية، وله إحساس رقيق مُرهف، وقد يفتك بهم عند أول بادرة لا تُعجبه منهم.
فقال أرنب: على كُلٍّ سنرى إلى ما سيؤول إليه هذا اللعب واللهو، وإن ما هو آت قريب، فلا تستعجلوا الأمور، ولا تستبقوا الأحداث.
وأثناء لعب الأسد ولهوه مع أولئك الثلاثة، عمد البغل إلى ركله في جبينه، والذئب إلى عضه في فخذه، والكلب إلى النباح والهرير في وجهه وعضّه في ظهره، فانزعج الأسد ولكنه لم يُعاقب أحدا، بل ابتسم ابتسامة المُغضب، وقال(في سره): شكرا لكم...، إنكم بتصرفكم هذا إنما عرّفتموني وذكّرتموني قيمة نفسي وقدرها بعد أن نسيت، وإن من أنزل من نفسه وتواضع لأمثالكم، فحريٌّ أن يجد منهم كما وجدتُ أنا منكم، وإنني عائد إلى عريني لأواصل ما كنت عليه أَوَّلاً، فإن في ذلك سلامتي وهيبتي وسطوتي وقدري ورفعتي، إن الأسد أسد وإن عضه كلب، والكلب كلب ولو مع الأسد لهى ولعب، والبغل بغل ولو جبين الأسد ضرب، والذئب ذئب ولو عنه الأسد غض الطرف واجتنب. إن الأسد أسد وإن عقله فسد، فمشيته مشية الأسد، وملامحه هي نفسها ملامح الأسد، ووثبُهُ وبطشُهُ هُوَ هُوَ... طبعُ الأسد.
وعاد أدرجه متوجها إلى عرينه، كل ذلك والحيوانات تُشاهد وتسمع، فنطق الظبي وقال: ألم أقل لكم إن الأسد تغيرت نظرته للحياة، فهاهو لم يرد على البغل جهله، ولا على الذئب غدره، ولا على الكلب جرأته ونذالته وخسته.
فقال له الكنغر: على مهلك يا صاحبي فما عرفنا الأسد عجولا، ولكن احذر الحانق الموتور الذي لا يعجل في اللحظة، وإنما يُؤجل رده وانتقامه وبطشه إلى حين، فتكون له خيارات عديدة ومتنوعة، فيختار أسوأها وأشنعها وأبشعها، وأشدها وقعا وتأثيرا وتدميرا، بعدما يكون له متسع من الوقت، فيختار لها التوقيت الملائم والفرصة المناسبة، حتى إذا ما أخذك أهلكك ولم يُفلتك، لا شك أن ذلك سيكون فظيعا ومؤلما جدا.
فرد عليه الظبي: أنا أراهنك أن الأسد تغير عقله وقلبه معا.
الكنغر: أنا أشك، وليست الأمور بظاهرها، وإنما هي بما خفي منها، وبمآلها وخاتمة مطافها.
ولما عاد الأسد إلى عرينه ربض في مكانه ثم راح يقول في سره: وتأبى هِمَّةُ الأسد أن تكون كَهِمَّة الكلاب والبغال والذئاب، ويأبى كبرياؤُه أن ينزل إلى مرتبتهم، إن التواضع للسفلة جناية على النفس وظُلمٌ لها، إنك إذا وضعت من نفسك درجة طمع الأرذال والأنذال والسفلة في إنزال جميع درجاتك المتبقية، فالـرفـيـع إذا أنـزل مـن نـفـسـه قليلا وخالها تواضعا، تجرأ الغوغاء عليه وأنزلوه درجات أُخر، فالتواضع للمتواضعين...، وأما التكبرعلى المتكبرين فهو التواضع بعينه...، وإني في عريني من الماكثين، فلأن أقعد وحدي في هيبتي ورفعتي، خير لي من مجالسة من لا يأتيني منهم إلا الأذى والقذى، أنا في عريني لا حاجة لي عند أحد، ولست بحاجة إلى أيٍّ منهم، وهم لا يفهمون أن الأسد تواضع لهم، ولما كانت هذه أخلاقهم، فإن ازدراءهم ومَجَّهُم من أسلم السبل.
إن الأسد أسد إلى الأبد، ولا يمكن له أن يكون غير ذلك، وأنا أسد وأحمل طباع الأسُود، وإن من لعب مع الكلاب والبغال والذئاب وخالطهم وجالسهم، فسوف يأخذ من طباعهم، والأسد إذا لعب مع الكلاب، فإن خساسة الكلاب ستحرجه وتُسيء إليه، وإذا خالط البغال والحمير فالأمر لا يختلف مع الكلاب، وقد يُتَّهَمُ في عقله ويُزدرى، وتُلفق له الشائعات والأقاويل بأنه صار أسدا مُستحمرا أو مُستبغلا، فكل واحد يجب أن يُخالط ويجلس مع من هم مثله وعلى شاكلته.
إنه لمن مساوئ الدنيا أن يسخر البغل من الأسد أو يُمازحه، أو يرد عليه معترضا أو مُعقبا، أبَتْ للأسد همة أن تكون كهِمّةِ البغل والكلب والذئب، وسمجٌ وقبيحٌ أن يُرَى أسد بين هؤلاء الثلاثة، ولذلك فإنني أَعِدُ نفسي بأن لا أرد على هؤلاء الآن، فالخطأ وسوء التقدير كانا مني، وهم إنما تصرفوا بطبيعتهم وأخلاقهم، ولكن إذا أتاني أحدهم وبدر منه ما يُزعجني ويُغضبني، فـوقـسـمـا لـن أُبـقـي مـن جـسـده شـيـئـا واحـدا عـلـى وجـه الأرض، سأنهش لحمه وأهشم أضلاعه وعظامه وأفترسه.
وبعد يوم من ذلك، اجتمع الكلب والذئب والبغل الذين لعبوا مع الأسد يوم أمس، فقال البغل لهما: لنذهب إلى الأسد ونُزعجه، ونضحك منه كما فعلنا يوم أمس.
الكلب: نعم إن لي شوقا في أن أعضه هذه المرة عضة يسيل منها الدم.
الذئب: يا رفيقيَّ إن الأسد غير مُؤتمن، وأخشى أن يكون قد غضب منا من مزاح أمس، وقد تأذّى من ذلك، وهو في حياته ما مازح أحدا، أو لهى مع أيٍّ كان، ثم هو لم يتعوّد على طباعنا، ولم يتأقلم مع عاداتنا وأخلاقنا وطبيعتنا، إنني أخشى أن يبطش بنا هذه المرة.
البغل: أراهنك يا صديقي الذئب أن كل ما قلتَه ليس صحيحا، وعلى كل حال عندما نذهب إليه سأتقدم إليه أنا أوّلكم جميعا، وأعمد إلى ركله في جبينه فيسيل الدم منه، فنستمتع ونضحك، وأترك له ندبة ملازمة له، يقول عنها كل من يراها: هي ذي صكَّة البغل في جبين الأسد.
الكلب: نعم وعندما تقوم أنت بذلك يا صديقي البغل الشجاع الذكي، سأعمد أنا بعدها إلى عضِّه في حنكه حتى يصير الأمر مُضحكا أكثر، وأترك له أنا الآخر ندبة في وجهه، تبقى علامة وسمة مُلازمة له طول حياته، يقول عنها كل من يراها: هي ذي عضَّة الكلب في حنك الأسد.
الذئب: يا صديقيَّ أنا نفسي غير مرتاحة لما ستُقدِمان عليه، واعذُراني إذا قلت لكما بأنني لن أذهب معكما، فأنا أستروِحُ يوم موتي مثلما أستروح الفريسة على بعد أميال.
ولم يأخذ البغل والكلب بنصيحة صديقهما المخلص الذئب الوفي...، وذهبا إلى الأسد في عرينه، فألفياه رابضا مُكشرا عن أنيابه، فالتفت البغل إلى الكلب وقال له: هاهو ذا الأسد يبتسم، يبدو أنه فرح لرؤيتنا.
الكلب: والله يا صديقي البغل إنني لا أدري إذا هو مُكشر عن ابتسامة، أو مُكشر لأجل انقضاضة، فالأسد في تكشيره، لا يُعرف إن كان يبتسم فرحا أو يُزمجر غيظا، وإني في حياتي ما رأيت ولا سمعت ولا عرفت أن الأسد يكشر مبتسما، وينتابني في هذه اللحظة شعور سيِّء، إنه الإحساس بالخطر، وأخشى أن نلقى شرا.
البغل: بل إنه يبتسم فرحا يا أخي الكلب، وأنا واثق من ذلك، ولسوف أنفذ ما اتفقنا عليه الآن حتى يزول عنك هذا التوجُّس المُحبط، والخوف الذي لا مبرر له، ولتتيقن من عدم صواب ظنك.
وتقدم البغل إلى الأسد وقال له: عمت صباحا يا أُسيد.
فرد عليه الأسد وقلبه يتميز غيظا وحنقا: وعمت صباحا يا بُغيل.
البغل: ها قد جئتك زائرا متفقدا يا هزيبر.
الأسد: نعم، ومن غير البغل يجترئ على الأسد يا بُغيل؟ فوالله إن فعلها غيرك فالبغل هو لا أنت.
البغل: ماذا تعني يا ضُريغم؟
الأسد: اقترب مني لأسلم عليك أوَّلا، فأنا في شوق كبير إليك، ثم أهمس لك بعدها بالإجابة في أذنك.
فاقترب البغل وفي نيته أن يسلم على الأسد ويسمع الإجابة، وبعد ذلك يستدير ويركله في جبينه كما اتفق مع الكلب، ولكن ما إن مدّ البغل رقبته ليسلم عليه حتى التهم الأسد رأسه، واختفى رأس البغل في فم الأسد، وسقطت جثة البغل على الأرض من دون رأس، وما إن رأى الكلب ذلك حتى أصيب بصدمة شديدة وذعر كبير، وانـطـلـق في نُـبـاح هـسـتـيـري عـلى الأسـد، لـم يـتـوقـف مـنـه ولم يستفق إلا بعد أن زأر عليه الأسد، وبعد أن أمسك الكلب عن النباح قال الأسد: عندما تزأر الأسُود تكف الكلاب عن النباح...، غالبا ما تذهب الصَّدمة الأولى بلب المصدوم، وفي هذه الحال يتوجب صَدمُهُ بأخرى، إما ليعود إليه رشده ولبه، وإما ليطيش فؤاده وينفجر قلبه.
أما الكلب فبعد أن استفاق من صدمته وثاب إليه رشده، فإنه أطلق سيقانه للريح، وولَّى هاربا لا يلوي على شيء، وانطلق الأسد وراءه، ورآهم أهل الغابة، وقال الذئب صديقهما عند رؤيته لهذا المشهد: هذا جزاء من تجاسر بضعفه على الأقوى، لقد نصحت لكما يا صديقيَّ، ولكنكما لم تستمعا لنصيحتي، إنني لا آسف على هلاك من لا يستمع للناصحين الأوفياء، إن من جعل رُفقته وخلانه الكلاب والبغال، فإن عاقبته إلى خسران وزوال وسوء حال، فلتمت يا كلب...، أنا لا حاجة لي بصديق مثلك يُعرض عن نصيحتي، ويستمع ويُنصت لبغل مغفل غليظ الطبع، هذا جزاء من يسير على آراء البغال، إن آراء البغال عاقبتها خسران المآل، أما أنا فقد كنت مخطئا لما اتخذت الكلب والبغل رفقة لي، والحمد لله على تدارك ذلك ولو متأخرا، فالحازم اللبيب لا يعدم إيجاد مخرج له ولو في اللحظة الأخيرة، إيـ... ـهٍ يا دنيا، كان الحمار المغرور على حق...، لقد أصاب الحمار المغرور، وأخطأ الذئب الجسور، إن الحمار وإن كان مغرورا مُعتَدًّا بنفسه، إلا أن غُروره وكِبْرَهُ أنجياه من سطوة الأسد، وإن من الغرور والكِبْرِ ما هو سلامة.
ولحق الأسد بالكلب ودقَّ أضلاعه ومزَّق جلده ثم عاد إلى عرينه، وراح أهل الغابة يتناقشون في هذه الحادثة، فبعضهم يُلقي باللائمة على الأسد، لأنه نزل من عرينه وراح يلهو مع من هم دونه عقلا وأخلاقا وطباعا، وبعضهم الآخر يُلقي باللائمة على البغل والكلب والذئب، لأنهم لم يحترموا من تواضع لهم، ومن هو أرفع منهم منزلة وقدرا وهمَّة .
ومنذ ذلك الوقت صارت هيبة الأسد أقوى من الأول، وخافه وحذره كل من في الغابة، وصاروا لا يأتمنون سطوته وبطشه، بل صاروا يصطنعون له المودة والابتسامة، وكَفُّوا وأعرضوا عن انتقاده في مجالسهم كما كانوا يفعلون في السابق، وحتى الذين يكرهونه صاروا يتوددون في إلقاء السلام عليه، وإظهار المودة والاحترام، والأسد رابض في عرينه ووَاعٍ بما يدور حوله، وقال ذات يوم لما رأى موقفا كهذا: نعم إن من عرف قدر نفسه، سلم ممن لا يعرف قدر نفسه ولا قدر غيره، إنه لا بد للأسد أن يزمجر ويكشف عن أنيابه، ويعض بعضهم إن اقتضت الضرورة، فالأسد الذي يظهر في صورة الأرنب في بادئ الأمر لا يُقال عنه أسد، ولا يُحسب له أيّ حساب، وإذا حاول بعد فوات الأوان تدارك الأمر، وأراد أن يُثبت لهم بأنه أسد، وقادر على تحطيمهم وكسرهم وقهرهم، فلن تتأتى له طاعتهم مهما فعل من تمزيق أو تحطيم أو قتل أو غير ذلك، لأنهم سيقولون: أرنب مستأسد، لا بد من كسر أنيابه وتحطيم براثنه، وأما إن زمجر لهم في الأول، وأراهم العين الحمراء، وكشَّر لهم عن الأنياب الحادة البيضاء، فإنهم سيركنون ويُذعنون، وإن تأرنب بعد ذلك فإنهم سيقولون: أسد متأرنب، تُخشى بوادره ولا تُؤمن غوائله، ويُخشى وثْـبُهُ وبطشُه، باختصار إنها الهيبة التي إن زالت فلن تعود، ولا تكون الهيبة إلا في البداية، لأن الانطباع الأول مهم وحاسم في مثل هذه الأمور.
إن البطش ضد اللئام يجلب لك الهيبة والخوف منك، فلولا أنني بطشت بذينك النذلين اللئيمين عديمي الحياء والأدب، لما صرت مهيبا مخيفا أكثر من السابق، إن من البطش ما هو حكمة وصواب، وإلا لضاع الأمر وصار كالسراب... .
بقلم: عبد الكريم علمي