قصة قصيرة: المستنقع الملعون
تقدَّم الخشف ليرتوي من ماء المستنقع بعدما أحس بالعطش، فنهرته أمه وحالت بينه وبين الماء العذب المنعش، بأسلوب أقرب إلى العنف والبطش، ونصحته بأن لا يكون من أهل البلادة والعَمَى والطَّرَش، ثم رقَّت له وأبعدته عنه وهي تهش وتبش، ثم خاطبته بكلام رقيق حنون أجش، بوجوب الفطنة وأن يُزيل عن عينيه السَّنَى والغبش، وحذَّرته أشد التحذير، من أن يقرب هذا المستنقع الخطير، فضلا عن الشرب من مائه الغزير الوفير، استغرب الخشف لهذا الكلام الذي سمع، وسأل أمه الغزالة عن سبب الحظر والمنع، فأخبرته بأن ماءه ملعون، والحيوانات على اختلافها من ذوات الأنياب أو القرون، والأصناف الأخرى كائنا من يكون، جميعها تخشاه وتتوجس منه وفيه تُسيء الظنون، ومن يشرب منه أو يستحم به فقد عرَّض نفسه لخطر المنون، أو للإصابة بالخبل والخطل والجنون، ورَوَتْ له حكاية مُثيرة، عن حادثة خطيرة، تتداولها ألسنة الحيوانات الصَّغيرة قبل الكبيرة، ففي هذا المستنقع وقعت حادثة خطيرة، وهي أسطورة شنيعة شهيرة، عن أبناء لعائلة من الأُسُود المُفترسة الشريرة، وهذه الحكاية منتشرة في كل أرجاء الغابة الكبيرة، بل وحتى في أماكن بعيدة وكثيرة.
تتحدَّثُ الأسطورة أنهم وُلدوا جميعا أشبالا يافعين، في حضن وكنف الوالدين، ويحظون منهما بالعناية والرعاية اللازمتين، ولأن كل ذي نعمة محسود، فقد كان عددهم يُؤذي عين الحسود، ويُصيب في مقتلٍ أصحاب القلوب السُّود، كبر الأشبال، وصار العرين في أبهى صُور القوة والكمال، لا يُضام ولا يُرام بأيِّ شكل من الأشكال، ولا في أي مجال، وأصبحوا مضرب الأمثال، وحديث العام والخاص في الفُتُوَّة والجمال.
تمر الأيام في إثر بعضها، والسَّنوات تتلوها أمثالها، والجراء ما تزال تتبع أمها وأباها، وفي أحد أيام الصَّيف الحارَّة، وبينما هم يتجولون في أنحاء الغابة الشاسعة التي كأنها قارة، بحثا عن وجبة مشبعة سارَّة، أصابتهم مسغبة شديدة ضارة، وعطش أرهقهم في قائلة صيفية حارة، كانوا يمرون بمستنقع مياهه عذبةٌ ثرَّةٌ، وخيراته وافرة درَّةٌ، تقتضي الضرورة الخوض في المجرى، والغوص فيه لعبور الضفة الأخرى، هذا المستنقع تخشاه الحيوانات جميعا، وإذا اقتربت منه هابته وارتعبت منه رعبا مُريعا، ونفرت منه وابتعدت عنه سريعا، فهو في المخيال الجمعي لأهل الغابة مستنقع ملعون خطر، والذي يقترب منه مُقامر على غرر، ومغامر يستصغر الشرر، فمنهم من يعتقد أنه مسكون بالكائنات الخطيرة، وبالأرواح الخبيثة الشريرة.
ومنهم من يعتقد أنه مسحور، من قديم الأزمان والعصور، وكل من يعبره فكأنما ذباب وقع في شَرَكِ عنكبوت، ويلتبس عقله وتغتاله قوة خارقة جبروت، أو تحل به لعنة فَيُمسخُ بعمل هاروت وماروت، فهو مرهوب مخوف كبئر برهوت، ومصير المُتهاون في شأنه كمصير جالوت مع طالوت، ولا يجرؤ أحد على شرب مائه ولو من العطش أشرف على الهلاك والموت، ولا على البحث فيه أو على أطرافه عن الرزق والقُوت، ولا على السباحة فيه ولو كان بارعا مثل الحُوت، ومن يقربه فقد آذَنَ عمره بالفوت، وبقربه ومن رهبته يلوذون بالصَّمت والسُّكوت، ولشدة فزعهم منه يتعوَّذون منه ويَتلُون دعاء القُنوت، في سعيهم لرزقهم أو داخل البيوت.
لم يتهيَّب الوالدان ولا أشبالهما من المحذور، ولا مما قد يقع من المصائب والشرور، فَهُم أُسُودٌ لا يعنيهم ما يختمر في رؤوس غيرهم ويدور، فشربوا حتى ارتووا وقرروا الغوص فيه والعبور، قفزوا جميعا داخله بقوة وعنجهية الأسُود التي لا تستكين ولا تخور، وبكل أريحية وسرور، وخاضوا ماءه ووحله وعبروه، ثم خرجوا إلى الضفة الأخرى وغادروه، لكن الخروج لم يكن مثل الدخول، لقد حدث أمر جلل مَهُول، يستعصي إدراكه وفهمه على ذوي العُقول، فقد أناخت بساحتهم لعنةٌ دون إذن بالدخول، وبطشت بهم بطش الطاغية الظالم الجهول، فأصيبوا بالاكتئاب والذهول، واجتاحهم الوهن والخمول، وتراجعت قوتهم بشكل غير مفهوم ولا معقول، واستولى عليهم الضّعف والذبول.
فبعد أن كانوا أشبال أُسُود، مُسخ أحدهم خنوص خنزير قذر نجس، وآخر جرو كلب أجرب تَعِس، وآخر جحش حمير نحس، بليد أرعن ذو طبع منتكس، وبقي أحدهم على طبيعته شبل أسُودٍ شرس مفترس، ثم إن كل شيء انقلب رأسا على عقب، وتسمم عقلا الوالدين وأُصيبا بالتلف والعطب، وما عادا كالعادة والمعهود من أمرهما الواضح المُبين، وانعكست المعايير والموازين، وأصبح الشِّبل الذي بقي على طبيعته منبوذا لا يقر له قرار، مكروها وليس له اعتبار، غير آمن على نفسه من زمرة المُسُوخ الأشرار، مهضوما حقه دائما ويُكاد له بالليل والنهار، فَهُم لم يهضموا الذي حصل وصار، وكيف هم تَحَوَّلُوا إلى مُسُوخ أقذار، وهو لم يتحول مثلهم ولم تُصبه الأغيار، ثم إنهم زَيَّنُوا للوالدين أنه أسد غليظ الطباع، شرسٌ جافٍ غير مُهذَّبٍ ولا مطواع، ولو كان فيه خيرٌ لخضع لإرادتهم ومشيئتهم وأطاع، ولتغيَّر مثلهم وعرف الحق وأحسن الفهم والاستماع، وسلك طريق الصواب وما ضاع، ولانضوى تحت سيطرتهم وركن وانصاع.
أحس الشبل بالذي يتهدده من الخطر الكبير، وفهم مآلات الأمور إلى أين ستصير، وأدرك بحسه المرهف الخبير، أنه إذا لم يحسن التصرف والتدبير، فالعاقبة كارثية بكل المعايير، فأنَّى لكلب مسعور شرير، وخنزير قذر حقير، وجحش من حُثالة الحمير، أن يُدركوا أن الأُسُود لا يطرأ على طباعها التغيير، ولا تُطأطئ ولا تخضع للتقريع ولا للتهديد ولا للتشهير، فهيهات الذلة والخُضُوع والخنوع والوقوع الشنيع الخطير، ولو قُطِّعَت إربا وذاقت كل مُرٍّ مرير، أو أُبيدت عن آخرها وأتى عليها الفناء والتدمير.
فأما الخنزير، فمجرم حقير خطر، وتافه خسيس قذر، جحود كذَّاب أشر، سيِّ ءُ الطباع والخلال، سبيله الضَّلالُ والإضلال، وأما سلوكُ طريق الحق والصَّواب، فهيهات ومُحال، متقلب المزاج لا يثبت على حال، يهوى التمرغ في القذارة والطين والأوحال، وأصدقاؤه الخنازير والقرود والبغال، وهم أصدقاؤه وخِلَّانُه الذين لا غنى له عنهم في كل الأحوال، واتخذ لنفسه قردا صديقا من فصيلة الشَّمبنزي الأنذال، ويُعَرِّفُه لغيره بأنه الفحل الخال، ولا شغل لهما إلا الغيبة والنميمة وقيل وقال، وجميع المخلوقات تستهزئ به وبخاله التَّافه الضَّال، ويُعرف عند الخاص والعام، باسم أبي زنفورة خنشور النَّمَّام، وجه بومة الظلام، ذو القلب الأسْوَد السَّام.
هذا الخنزير اللعين، أصبح عند والديه زهرة العرين، ومسك الأنف وقُرَّة العين، ومنذ صغره إلى أن صار خنزيرا بَرِّيًّا بفنطيسة ونابين، لا يتخلف عن ممارسة عاداته وطباعه ولا يكف ولا يستكين، ويكون جميلا ومحبوبا أكثر إذا تمرغ في القذارة والأوحال والطين، ثم رفس بأرجله وعطّر المجلس بصوت قُباعه المُقزز المُشين، وتفاهة حديثه ومنطقه المُعوج المهين، ويحسب نفسه على شيء وهو خائب وفي ضلال مُبين، حاله كحال مردة الأبالسة والشياطين.
لقد أصبح قذرا مُقرفا لا يُطاق، خُلُقُه السماجة والرَّذالة والرِّياء والنِّفاق، وكل هَمِّهِ وهِمَّتِهِ تقطيع الأعراض على أوسع نطاق، ونشرُ الكذب والنَّميمة بين الخلائق في كل الآفاق، وبث الضغينة والخلاف والفُرقة والشقاق، ولم يسلم منه أحد على الإطلاق، لا الأهل ولا الجيران ولا الرِّفاق، غدَّارٌ يطعن في صميم الأعماق، وذاك ديدنه أبد الدهر مع خاله الشمبنزي الدَّعِيُّ الأفَّاك الأفَّاق، كانا على قلب مسخٍ واحد في النذالة والسفاهة وسوء الأخلاق.
وأما جرو الكلاب العفن الحسود، فَمُهَـرِّجٌ بغيض حقود لدود، يهيمُ في القمامة ويعشقها بلا حدود، وإليها دائما يشد الرحال ويعود، وفيها يصول ويجول، وعنها لا يحول ولا يزول، وفيها يُصبح ويُمسي في كل الأيام والفصول، وبها مبيته بعد أن تأذن الشمس بالمغيب والأفول، وفي سوء خُلُقِهِ وطبعه المرذول، وفُجوره المستشري بالعرض والطول، تلعنه الخلائق جميعها وفيه تتحدث وتقول، جهول مخبول غير عقول، لا يُضَاهَى في الخسَّة والنَّذالة، والاستجداء والسَّفالة، فكل القُمامات حضوره فيها مُؤكَّد لا محالة، لا يتخلف عن واحدة منها ولو قامت القيامة، وفيها يحظى بالنَّصيب الأكبر، والسَّهم الأوفر.
وهو فيها السَّيِّدُ بلا منازع، والموهوب البارع، في شَمِّ الفضلات والقذارة، لا يتوانى عن البطش بكل ما للكلاب من قوة جبارة، في كل من يُنافسه أو يود مشاركته من جميع الكلاب الضَّالَّة الغدَّارة، وبهذا استحق لقب المهرج سيد مكب الزبالة العفنة الضَّارَّة، وبكل فخر وعن استحقاق وجدارة، وأصبح مع أخيه الخنزير الأسْوَد الحزين، أحسن الأبناء ودُرَّة العرين، وهو دائما على الرأس والعين، وقطب الرَّحى في كل المجالات والميادين، لا يُقضى شيء إلا بعد سماع هريره ونباحه المُقزز المشين، ولا تحلو مجالس السَّمر والأُنس إلا إذا بصبص وهَرَّ في وجوه الحاضرين، وعوى ونبح في كل وقت وبين الحين والحين، وحرَّك ذيله ذات الشمال وذات اليمين، فهو مُراءٍ ويُحب الظهور والتَّسميع، ويُظهر الود دائما والولاء على أنه الكلب الوفي المُطيع، وهو حقير ومنبوذ عند كل قطيع، وعند إخوته وجيرانه وكل من عرفه من الجميع.
وأما جحش الحمير النَّذل القمَّام، تفكيره البليد نوع من البلاء والأسقام، ووجهه أسود كالظلام، لا ينفع معه النصح ولا الكلام، فهو معدود مع الكُسَالَى النِّيام، والأخِسَّاء التافهين اللئام، ودائما غارقٌ حتى فروة رأسه في الضَّلال والأوهام، يعيش الأماني والأحلام، ويعتمد في رزقه على فضلات الخواص والعوام، عاكسته أحوال الدنيا وظروف الأيام، وتنكَّرَ له الزمان، وولاه ظهره وجعله في خبر كان، وسُخرية لكل من هبَّ ودبَّ في كل مكان، وأحاله على هامش الدنيا والدين، وأصبح أقرب من أخويه إلى إبليس اللعين، فهو سرا وأحيانا علنا يسرق أرزاق غيره الغافلين، أخلاقه وأفعاله سيئة ودنيئة كأخلاق وأفعال الشياطين.
فهو بعد أن كبر وصار طويل الذيل والأذنين، تجبر وطغى وأصبح شيطانا فاجرا مريدا، نذلا حقيرا ووقحا بليدا، وأُولِعَ بوالديه شتما وتهديدا، وركلا ووعيدا، وعادته في النهيق المنكر ليست أمرا جديدا، ولكن مع والديه ينهق في وجهيهما نهيقا حادًّا شديدا، هذا المرذول الحقير العاق، النَّاهق في كل الميادين والأسواق، أُولِعَ بالنفاق وسوء الأخلاق، واستمر في ضلاله وغَيِّه وما أفاق، أتعبهما بنكد طبعه الحاد والشَّاق، وأنهكهما بالخلاف والشقاق، ويطالبهما دائما بالرعاية له والإنفاق، حتى أصاب قواهما التعب الشديد والإرهاق، حَوَّلَ حياتهما إلى جحيم لا يُطاق، إلى أن صارا يرجوان الفرج العاجل والانعتاق، والخلاص منه بالهجران والفراق، ويلعنانه دائما ويدعوان عليه بالعذاب والإحراق، في كل يوم عند مغيب الشمس وفي الصباح عند الإشراق.
وله صاحب من قبيلة العنز الأوباش الطائشين، يُلقب بضفدع الأوساخ والطين، يقول عنه إنه ابن عمي الأمين، وصاحبي ورفيق دربي المتين، في كل ما مرَّ بي وما سيأتي من السِّنين، فهو له صاحب وخليل وقرين، وجهه كوجه غراب البين، قلح الأسنان قبيحُ العينين، وقذر الرائحة أشرم الشفتين، رائحة صنانه وبوله تزكم أنوف الحاضرين، القاعدين منهم والقائمين، وتخنق أنفاس المارين والعابرين، فكلما عسعس الليل وأوى إلى جحره ووكره كل المخلوقين، سرى هو وابن عمه الدَّعِيُّ المشؤوم، وسَعَيَا إلى غرضهما المسموم، كما يسعى إلى الجيفة الهوام والبوم، رفقة قطعان من الغنم والعنز الوقحين الهمجيين، وجماعة من الحمير الضالين المُضلين، وبستائر الظلام متوارين، وعن الأعين مُختفين، يلتهمون مزروعات الحنطة من أرزاق الآخرين، بكل سفالة وصفاقة ونذالة غير مبالين، ولا متورعين ولا مهتمين.
هذا الحمار الأرعن المَشِين المَهِين، ملعون مثل ابن عمه التيس السفيه البدين، وكأخويه خنزير مستنقعات الأوحال والطين، وكلب القمامة الأجرب الموبوء اللعين، جميعهم مُسوخٌ وعفن، وحياتهم كلها وباء وأدواء ولعنات وفتن، ومن ابتلي بالقرب منهم نالته المصائب والويلات والمحن، هُم شُؤمٌ ونحسٌ مُنذ كانوا على مَرِّ الزمن، ومن عافهم وازدراهم واجتنب أمرهم المشين، فقد نجا وفاز واستبرأ للعرض والدين، فما هم إلا لعنة ووصمة عار على الجبين، ونكسة وخيبة في الأوَّلين والآخِرين.
إن الشبل بعد أن صار أسدا، قرر الرحيل وعدم العودة أبدا، فلا خير في عرين تنجَّسَ وفسد، وفيه القَذَرُ صال وجال وربض ورقد، ففراق الأنذال أشهى وأحلى، والبقاء بقربهم أخزى وأنكى، بعد العمر الذي فيهم أفنى وأبلى، ولذلك فالمغادرة أحرى وأولى، وراحة النفس أدعى وأبهى، والسلامة أبقى وأجدى وأغلى... .
احتجَّ الخشف بأن هذه أسطورة من الأساطير، وحكاية خيالية بعيدة عن الواقع بكل المعايير، فيجب أن لا تكون الخرافات محل ترحيب وتقدير، حتى لا تُصبح مسلمات وأمثلة للتقرير والتبرير، وعلى كل لسان تسير، ثم تصبح القَدَرَ والمصير.
ردت الغزالة: اعلم يا ولدي أن في قلب الأساطير، حِكَمٌ وعِبَرٌ تحتاج إلى الشرح والتفسير، وهي تُروى لأسباب كثيرة، منها للتسلية تمضِيَةً للأوقات الصعبة واليسيرة، وبأساليب وتعابير مثيرة، ومنها لإيصال رسائل خفية معبرة، لا يفهمها إلا الحكماء والعقلاء وأهل الدراية والخبرة، ويفهمون المغزى منها والعبرة.
اعترض الخشف مرة أخرى: ولكن كثيرا من هذه القصص، كلامها ومعناها تافه يُجَرِّعُك التقزز والغُصص، لا تحمل في طياتها شيئا من الفائدة، وقد أصبحت من العادات الساذجة البائدة.
أجابت الأم: لكل كلام معنى عميق، ولو كان تافها وغير حقيقي ولا دقيق، قد تسأل وما العمق في كلام تافه لا يَسُر؟ سوى أنه كلام تافه لا يُقَدِّمُ ولا يُؤخر، جواب ذلك بالشديد المختصر، لا تستهن بأيِّ كلام أو خبر، ولو أنه يبدو تافها ودون قيمة ولا أثر، فإن كان تافها دون عمق ولا دلالة، فهو يُوضِّحُ لك بالإسقاط والإحالة، إلى تافهين بجوارك أفكارهم مليئة بالسَّطحية والضَّحالة، لا يزيدك قُربهم إلا ضعة وضآلة وجهالة، وإن كان غير ذلك والظن أن الأمر على هذه الصفة والحالة، ولم تفهم المراد والمقصود، فقد فوَّتَّ على نفسك خيرا إذا ذهب فلن يعود، وضيَّعتَ علما هو خلاصة وزبدة فهم الآباء والجُدود، فاعقل يا ولدي ولا تكن مثل العقبة العنود، ولا مُولعا بالخلاف والصُّدود، كالخصم الحقود اللدود، ولا لمن أكرمك وأحسن إليك بالجاحد الكنود، ولا يكن فهمك متيبسا متحجرا مثل الجلمود، فقد أفلح أهل الحذق والكياسة والجود، وخاب وخسر من لم يلتزم بالأدب والحدود... .
بقلم: عبد الكريم علمي
الجمهورية الجزائرية