التحرر والكآبة ٤٩
بقلم الشاعر إبراهيم العمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أدري ما هي العلاقة بين التحرر والكآبة.
قد تكون ألمانيا من أكثر البلدان تحررا !
وقد يكون الشعب الألماني من أكثر الشعوب كآبة في العالم !
وقد يسجل أعلى نسبة إنتحار وخاصة بين الشباب المراهق !.
ترى ما هو الرابط بين التمادي في التحرر
والإنزلاق في أروقة البؤس والتعاسة واليأس؟
إذا كان التحرر يبعث على العبث
والبهجة والمرح
وإشباع الرغبات والغرائز ,
ما الذي يقود إذا الى جعل الإنتحار غاية؟
إذا قلنا الخوف من عذاب الرب وإنتقامه ,
فإن الأشخاص ,
دعاة التحرر اللامحدود ,
هم أناس علمانيون ,
لا يؤمنون بوجود يوم للعقاب , والعياذ بالله ,
لا يؤمنون بالجنة والنار .
سؤال محيّر !
مهما بلغت المعاصي عند الإنسان المؤمن ,
هناك دائما فرصة ثانية ,
هناك دائما توبة وإنابة
وندم وعودة الى الصراط المستقيم ,
هناك دعاء ورجاء وإستجداء .
رحمة الله وسعت كل شيء ,
وقد يمضي الإنسان حياته في الآثام والذنوب
ويكون على بعد خطوة من النار ,
يتوب فيدخل الجنة .
أما غير المؤمن ,
ينغمس في الملذات ,
يتفنن في النزوات ,
بسرعة كبيرة يصل الى مرحلة الإشباع والملل ,
بسرعة كبيرة يجد نفسه غارقا في الدنس ,
بسرعة يفقد الشعور بالمتعة واللذة ,
بسرعة يستنفذ كل وسائل البهجة والمتعة والفرح ,
بسرعة يفقد القدرة على المشاركة والحب والعطاء ,
بسرعة يجد نفسه خارج أسوار المجتمع والأنوار والألوان وضحكات البراءة ,
بسرعة يصل الى نقطة اللاعودة واللاحل واللافرصة ثانية ,
بسرعة يغوص في الكآبة ويغرق في اليأس ,
تتحول حياته الى تعاسة
وعيشه الى بؤس
وليله الى هم
ونجاحه الى فشل
وعلاقاته الى وحدة وهروب وتقوقع وانطواء .
كل صباح تقرأ في الجرائد والمجلات المحلية
عناوين عريضة عن انتحار
لشخصيات بارزة وناجحة لأسباب مجهولة ,
شخصيات كانت بالأمس تبرق مثل النجوم ,
مفعمة بالحيوية والطاقة والحياة ,
وكانت تحدث فروقات كبيرة في مجالات متعددة من المجتمع ,
كانت تسهم في دفع عجلة التطور العلمي والتكنولوجي والطبي ,
كانت تسهم في تحسين مستوى العيش والرفاهية ,
كانت تسهم في تخفيف آلام الناس ,
كانت تسهم في إيجاد حلول للكثير من المسائل المستعصية ,
لتجد نفسها فجأة , في ظلام دامس ,
عاجزة عن تلمّس ما قد يقنعها بالتمسك بالحياة ,
وتراها تأخذ القرار ,
وتغادر دون وداع ,
مثل حشرة صغيرة تحت عجلة القطار ,
تنطفئ وتتلاشى
مثل شمعة في جنح الليل,
تصمت وتنتهي
مثل نهاية صدى صرخة في وادي مهجور ,
تصبح جثة هامدة تفوح منها رائحة نتنة ,
يبتعد عنها الناس كما يبتعدون عن الوباء ,
ترمى في المحرقة لتتحول بلمحة الى رماد ,
لا يمكن أن تتعرف من خلاله على صاحبه.
ــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم العمر