الأحد، 17 يوليو 2022

في بلدي بقلم غسان دلل

في بلدي

في بلدي..
كل شيء جميل..
البحر..القمر.. الأشجار..
كل شيء جميل في هذا المكان..
إلا الإنسان..
ففي بلدي..
يذبح الرجال..الرجال..
كما تذبح الشاة تضحية للرحمن..

في بلدي..
تخنق الكناري في الأقفاص..
وتتساقط العصافير بالرصاص..
ويستباح الجمال..
وتنتهي الفضيلة بالرفض والقصاص..
فيعلو النحيب..
ويعلو الدعاء..
فتتعب الألسن..
وتتوارى النسور..
ويؤم في الناس الغراب..
ينعق وينعق..
على رنين الفضة وصفائح النحاس..
فتجري الدماء..
وتتمزق الأوطان..
وتنهار المدن على رؤوس الناس..

في بلدي..
الحب ممنوع.
وجمع النساء مباح..
بلا رقيب وبلا حساب..
فهو عنوان الفحولة..
زينة الرجال..
وساحر الألباب..

في بلدي..
يختلط الواقع بالخيال..
فيتوه البصر..
ويتقزم المهم..
وتصبح التوافه محل اهتمام..
فالناس تضاجع الماضي.. 
تطارد الحاضر..
وتعشق الأوهام..
فتقف على رؤوسها..
بدل الأقدام.
فالجميع هنا أبرياء.
والجميع هنا.. ملوث بالإجرام..

في بلدي..
الحوار مقصور على الذكور..
ولنضجهم..
وفرط ذكائهم..
يتحاورون بالخناجر والرصاص..
بدل الكلام..

في بلدي..
يبدأ الرجال..
على صورة أبطال..
وينتهون في أحضان العدو..
إما غباء..
 او خيانة أو بقرار..
فيسلمون الشعب لأعدائه..
ويا للمروءة والبراءة..
يا للقذارة والحقارة..
يعلنون أنهم رمز البطولة..
حماة الديار..
وسادة الأحرار..
فالعبرة..
ما كانت بالنتائج يوما..
وإنما بالأناشيد وحلو الكلام..
فالخيانة والجبن..
وجهان لعملة واحدة..
وفي النتيجة.. متساويان..
فالموجب والسالب هنا..
استثناء يلتقيان..

في بلدي..
تعلن القيادة..
أنها..من الشعب.. وللشعب..
لتنتهي بالمغانم.
وينتهي الشعب..
بالبؤس..بالفقر..
والأمراض والهم..
فالشعب كرة يتقاذفونها..
بقرة حلوب يحلبونها..
والوطن..
مزرعة لهم..
ومكان للتسلية واللعب..

في بلدي..
يتسكع الشباب على الطرقات..
بلا هدف وبلا أمل..
يرمقون المستقبل ..
بحلم مكسور وانحناء..
يطاردون رغيف الخبز..
يركضون وراء زجاجة ماء..
يتمنون ساعة فرح..
بلا جدوى..ولا انتهاء..
فالفرح في هذه الديار..
سرقه قادة الجند..
والشيوخ والأثرياء..
فالشباب في حيرة..
والجموع في وجوم..
والسماء بلا بدر..
والشمس بلا ضياء..
فالوطن..
دون فرح الشباب..
مستنقع آسن..
صحارى..يباب..
مقبرة الأحلام والآمال..
ومرتع للأشقياء والشقاء..

في بلدي..
ممنوع القراءة..
!لا من كتاب..
فالمتشددون والمتعصبون ينتشرون..
ينشرون الجهل والفرقة..
يشحنون الأمة بالأحقاد..
ويقفون على أبواب السماء..
بالمفاتيح والأصفاد..
ويقررون..
من يدخل جنة الله..
ومن يخلد بالنار والآلام..
فالمعرفة ممنوعة..
ومن يخالف..
تطاله حدود الردة والإعدام..

في بلدي..
البغض مباح..
والحب بحاجة لترخيص..
ففي بلدي..
يصلب الأطفال..
على جدران من الأحرف والكلمات..
مزينة بقصص الخرافة والخيال..
وتغطي أحلام الصغيرات وأمهاتهم ووجوههن..
بنقاب.. وأطول رداء..
فينتهى الإبداع..ويذوي الجمال..
فالإبداع خلق..والجمال تقديس..

في بلدي..
يشجعون البسطاء على الطيبة..
لا لأنها قيمة..
و!نما..
ليظن الطيبون .. أنهم أبرار..
فيزدادون طيبة ورضاء..
فقيادة الطيبين..
 أسهل من قيادة الأحرار..
فهذا ما كتب لهم..
وهذه هي الأقدار..

في بلدي..
تنتشر الموبقات..
وتنتشر 
الرذيلة والفحشاء.
لواط..سحاق..
اغتصاب أولاد..
واغتصاب طفلات وبالغات..
كله يجري..
تحت السجادة وتحت الغطاء..
وتحت قصف من الأخلاق وأجمل الكلمات..

في بلدي..
ينام الناس في الجهل..
بتدثرون بالجهل..
ويصحون في الجهل..
وما بين الجهل والجهل..
حلم عنوانه ومضمونه الجهل..

في بلدي..
عالم خاص..
فالأمم تطرق مارس..
ونحن نطرق أبواب الحمام..
ونختلف..
بالقدم اليمنى أم اليسرى ..
نلج الباب.
وننافق لأنفسنا..
فأدوات التشخيص والدواء..
يصنعها الكفار..
ونحن نختص بصناعة الكلام..
فنستعمل أدواتهم.ونتعالج بعلاجهم..
نشفى..وتطول أعمارنا..
وندعو عليهم بالموت ..بالدمار..وبالفناء..!!
فيتقدمون..
يحطمون الذرة..
ونحن نحطم عقولنا..
في..
هل يفسد الفساء الوضوء.. أم لا..!!؟
فليس هناك..
ما يقتل العقيدة..
إلا..
حين تسود..تفاصيل التفاصيل..
ويصبح الدعاء وتصبح الصلوات..
طقوسا وعادات..
فتتجمدالأفكار..
ويتحنط الإنسان..
وتمسي الصلوات مجرد تكرار وحركات..

في بلدي..
لا شيء 
يتقدم على الكلام..
والقصص والاقوال..
فهل حقيقة نحن..
أمة الكلام وقيل وقال..!!؟
فنحن..
نلبس الكلمات كجلدنا..
إن سقط حرف منها..
تمزق رداؤنا..
ودرنا عريانين في العراء...

في بلدي..
ننتهي باليأس والإحباط ورعونة الانتقام..
فهل غداً..
محكوم عليه بالإعدام..،!!؟
خسئ المتشائمون 
وخسئ الجبناء..
فغدا..
تتجمل الأجنة في الأرحام..
غداً..
تزهر البراعم أروع الأطفال..
أطفال..رجال..
غابات.. أشجار..ثوار..
بحطمون الأصنام..
يخلعون من الأمس ما هو بال.
يجتثون الخرافات والأوهام..
وينسجون من عتمة الماضي..
من الهزائم..
من الهموم.. والآلام..
ينسجون ضوء النهار..
يقبلون على العلوم..
يقرؤون عظائم الكتب..
يطلون على العالم بحلة جديدة..ووقار..
يتفاعلون مع الأمم..
يقبلون الآخر..
غداً لنا الوطن..
غدا لنا الانتصار..

غسان دلل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الباراديغم والمنهج الإسلامي«(1)» بقلم علوي القاضي

«(1)»الباراديغم والمنهج الإسلامي«(1)» دراسة وتحليل : د/علوي القاضي. ... مصطلح الباراديغم باللاتينينة (Paradigma) بأنه (النموذج الفكري) أو (ا...