رؤية : د/علوي القاضي.
... وصلا بماسبق ، فإن لوحة (الخروج عن القطيع) كانت أكثر تعبيرا كما أراد لها الرسام البولندي (توماس كوبيرا)
... لاحظنا في اللوحة محاولات الشخص للإنسلاخ عن القطيع والتفرد بشخصيته وثقافته وأفكارة رغم تشبثهم به وإحساسه بالألم من إنسلاخ جلده ، فهذا الشخص الذي بدأت تظهر له ملامح مستقلة وبدأ يتشكل له جسد مغاير للقطيع ، وبدأت حرارة الحياة تدب في جسده ، بمعنى أنه قرر أن يكون له فكر ورأي وسلوك مستقل ، وقرر أن ينعتق ويتحرر من سطوة القطيع ، لكن هذا الشخص مشكلته أكبر ، وهي أن القطيع لن يتركه في حاله بسبب تمرده الصارخ فى معاناته محاولاً السباحة ضد تيار هذا القطيع ، سيحاول القطيع أن يبذل مافي وسعه ليرجعه ويقطع في جلده ويجمده مرة ثانية ويشده بعنف
... لذلك فإن هذه اللوحة توضح بقوة ومصداقية حجم الصراع الذي يعاني منه الفرد لحظة (نجاته) وخروجه عن مساره من تابلوهات قطيع البشر المدمرة للنفس والروح
... هذا القطيع عبارة عن أناس منزوعين الحياة كلهم شكل واحد وثابت وبلون الثلج باردون متصلبون ، هذا القطيع خال من الحياة ، خال من المشاعر ، منعدم الحياة أما الشخص الذي بدأت تظهر له ملامح مستقلة ، فقد ظهر بجسد مغاير للقطيع تدب حرارة الحياة في جسده ، فقد قرر النجاة وقرر التحرر وقرر فك أسره من سطوة القطيع ، ويبدوا أن محاولات القطيع وإلحاحهم للوقوف ضد تمرده ويحاولون بشدة تقطيع جلده لإنهاكه وتجميده وسلب كل معان الحياة فيما تبقى له من العمر
... ونلاحظ أيضا في هذه اللوحة أن (القطيع) عبارة عن طابور من البشر ، ملامحهم زرقاء ، كئيبة ومتجمدة وهم أشبه مايكونون بقوالب الثلج كناية عن توقف نموهم الفكرى هذا شكلهم النمطي أما (الإستثناء) هو الشخص المتمرد الذى يصرخ بقوة ويندفع ويدفع نفسه إلى خارج القطيع
_ إنه المتمرد الذي يجذب العين أكثر من سواه في اللوحة ، ويبدو أن لونه أحمر ، لون النار أو يميل إلى الإحمرار وهو لون يرمز للثورة والتحدي والإصرار والسعي للخروج من القطيع
... ومن الواضح أن (القطيع) سواء سلطة المجتمع أو أي سلطة قمعية ، يمسكون المتمرد ويرفضون خروجه عنهم ويشدونه إليهم وهو يصرخ ويجاهد ضد الطاعة والخنوع ، وضد حظيرة القطيع ، إنه المتمرد الثائر الذى سيقود حركة إنشقاق بعد قليل ، لكن القطيع يشده كي يبقى ، فيما هو يشق طريقه منطلقًا بكل قوة بحثًا عن الحرية والفكاك والإنعتاق من الأسر ، وللأسف فإن القطيع كثرة وللكثرة طغيان وجبروت وقدرة على البطش بكل من يحاول الخروج على الأعراف المستقرة لأن (القطيع بلا عقل أو وعي)
... ومن الواضح أن هذه اللوحة تعبر عن الذات والفردانية وبحث الإنسان عن هوية (في المجتمعات) الشمولية المتقولبه ، لذلك نلاحظ أن وجه المتمرد مملوء بالمعاناة والألم ، وأيضًا المقاومة ، وعيناه تصرخان وهى المثبتة نحو هدف بعيد ، أوحلم صعب إنه المتمرد المختلف المتميز عن القطيع إنه الإنسان المدافع عن أفكاره وقناعاته الشخصية ، وچُل الذى يتمناه (الخروج عن القطيع)
... هذه اللوحة (الخروج عن القطيع) للفنان البولندي (توماس كوبيرا) ، قد أوجزت فأنجزت كل المعاني التي نريد إستشعارها عند رؤيتها بكل معانيها
... كذلك حادث الخراف في تركيا ، وقفزهم من أعلى جبل ، نحو 1500 رأساً من الأغنام دون تفكير وراء خروف قفز قبلهم ، فماتوا جميعاً ، وهذا يعد أقوى مثال على نظرية (سلوك القطيع)
... فلا نستغرب من سلوكيات الكثير ، فكم بيننا نحن البشر ممن يقتدي بالخطأ فيهلك ولايأخذ بالنصيحة وكثيرٌ من الجهلة هم قطيع ليس أفضل من الأغنام ، فالكثرة لاتدل على الحق
... ولهذا كان للمنهج الإسلامي موقفا مما سبق ، يقول الله عز وجل (ذاما في الكثرة) - وَأَكثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ - وَأَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ - وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ - وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ - وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ - بَل أَكثَرُهُم لاَيُؤمِنُونَ - وَلَـكِنَّ أَكثَرَهُم لاَيَعلَمُونَ - وَلَـكِنَّ أَكثَرَهُم يَجهَلُونَ - وَلاَ تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ - وَمَا يَتَّبِعُ أَكثَرُهُم إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغنِي مِنَ الحَقِّ شَيئاً - وَلَـكِنَّ أَكثَرَهُم لاَيَشكُرُونَ - وَمَايُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشرِكُونَ - أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِن هُم إِلَّا كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلاً - وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ - فَأَعرَضَ أَكثَرُهُم فَهُم لَايَسمَعُونَ - وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن فِي الأَرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِن هُم إِلاَّ يَخرُصُونَ - وَلَـكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَيُؤمِنُونَ - وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنِينَ - فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
... بينما نجد القرآن (يمدح القلة) فيقول تعالى - وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكُورُ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وقليل ماهم - وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ - ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ - مَّافَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنهُم وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيراً لَّهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتاً - وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ فلا يغرنك كثرة السالكين
... أخي الكريم أنت الجماعة ولو كنت وحدك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق