بقلمي : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، في الجزء (الأول) وجدنا أن الدراما إهتمت بنقل صورة واقعية من السجون للظلم والقهر والقمع لأصحاب العلم والرأى والفكر من خلال فيلم (البرئ)
... وفي الجزء (الثاني) وجدنا إهتمام الكتاب والأدباء وأصحاب الفكر في تناول هذه القضية بكل أبعادها في أعمالهم ، مثل الكاتب السوري (ممدوح عدوان) وماعرضه في كتابه (حيونة الإنسان) الذي كان أيقونة من أيقونات الثورة السورية
... وفي الجزء (الثالث) وجدنا إهتمام الفنانين المبدعين في الرسم فتناولوا القضية بأسلوبهم المميز ولوحاتهم الخالدة ، ومثال ذلك لوحة (سجين في زنزانته) ، للفنان الروسي (نيكولاي ياروشينكو)
.......... وأصبحت فكرة الظلم والإستعباد والقمع والإستبداد والثورات مادة دسمة شغلت الفلاسفة وعلماء الإقتصاد والإجتماع والسياسة ، ولم يكونوا يوما منفصلين عن معاناة شعوبهم
... ولذلك كان لـ (كارل ماركس) فلسفته في (الثورة على الظلم والقهر والقمع ، والوعي الإجتماعي) ، الذي أعاد تشكيل الفكر الإنساني ، فقد كان (ماركس) ناقدا إقتصاديا للرأسمالية ومساوئها ، وكان مؤرخًا إجتماعيًا وفيلسوفًا وجوديًا يقرأ أعماق الروح البشرية ، أفكاره تغوص في نقد جذري للكيفية التي تتحول بها المجتمعات ، حيث يتحول كل شيء إلى سلعة حتى الإنسان ، ويفقد العالم (قداسته) أمام شهوة الربح
... فقد ربط الرأسمالية بكل مناحي الحياة لأن الرأسمالية لا تترك شيئًا مقدسًا سواء (الدين) ، (الفن) ، (الأدب) ، و (العلاقات الإنسانية) ، فكلها تتحول إلى أدوات للربح ، ولايستمر (الدين) كرسالة روحانية ، بل يتحول لسلعة تُباع في السوق ، و (الأدب) يفقد شغفه ليصبح منتجًا للتسويق ، إنها حالة من الإغتراب تجعل الإنسان غريبًا عن ذاته وعن جوهره الإنساني
... ويعتنق (ماركس) فكرة ثنائية (الثروة والبؤس) ، بمعنى أن من الظلم (تراكم الثروة في قطب واحد) من المجتمع لأنه في نفس الوقت (تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر) وهذا قمة الظلم والقهر والقمع والإستبداد والإستعباد
... بهذه الكلمات البسيطة ، يختزل (ماركس) الظلم البنيوي للرأسمالية ، النظام الذي يغذي (قلة) على حساب (الأغلبية) ، حيث يصبح (البؤس) شرطًا لـ (إزدهار) آخرين
... فـ (الثروة) لاتتولد من فراغ ، بل من إستغلال أصحاب رأس المال للعمال ، الذين لايمتلكون سوى أجسادهم للعمل
... لذلك رأى (ماركس) أن وعي الفقراء بفقرهم يمثل المصدر الرئيسي لشرارة الثورة ، لأن الفقر وحده في رأيه لايُشعل الثورة إنما الوعي بالفقر هو الذي يحرك الجماهير
... كذلك يعتقد (ماركس) أن الطاغية يُفقِر الشعب ، و (شيخ السلطان) يعمي بصيرتهم حتى لايدركوا طبيعة الظلم الواقع عليهم ، إنها علاقة تبادل أدوار تبقي الأغلبية أسيرة لواقعها ، حيث يصبح التحرر مستحيلًا إلا عبر الوعي الجماعي
... ويرى (ماركس) أن السعادة في إسعاد الآخرين ، في عالم ظالم يٌختزل فيه الإنسان إلى ترس في أداة للإنتاج فقط
... وعند (ماركس) فهناك علاقة بين (أفكار) الإنسان و (حالته المادية) فـ (الأولى) تنبثق من (الثانية) ، بهذه العبارة ربط (الفكر) بـ (الواقع) الملموس ، فلاتوجد أفكار في فراغ ، بل هي إنعكاس للظروف الإجتماعية والإقتصادية ، فأفكار الحرية والعدالة لا تظهر إلا عندما يشعر الناس بغيابها في عصرنا ، حيث تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، وتصبح القيم الإنسانية مجرد شعارات تسويقية ، لكننا في عالم يزداد تعقيدًا ، ويبقى وعي الإنسان بحقيقته هو الأمل الوحيد لصناعة مستقبل أكثر عدالة وأبعد من الظلم والإستبداد والإستعباد
... وتعتبر فلسفة (ماركس) دعوة مستمرة للتفكير في كيفية إستعادة الإنسان لإنسانيته ، في عالم كله ظلم وقهر وقمع واستعباد ، وباتت فيه السلعة أكثر قداسة من القيم ، والمصلحة الفردية أسمى من الخير العام
... وقد تناول الأدب الروسي تلك القضية في كثير من الروايات القصيرة وهذا ماسنقرأه في الجزء الخامس إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق