.. { ابن عزيزة وعزُّوز } رواية / رضا الحسيني ( 33 )
كل هذا عاشه محفوظ في رحلة العودة من الزقازيق بعد الانتهاء من مراسم جنازة عمه المهيبة التي أكدت لمحفوظ اتساع عائلة والده ، وكذلك بدا واضحا كيف أن عمه كان محبوبا بشكل واضح في كل الزقازيق ، وحتى هذا الوقت لم يعرف محفوظ ماذا كان يشتغل عمه
ورحلة العودة هذه كانت كرحلة الذهاب في سيارة زوج أخته الكبيرة مجيدة ، وزوج أخته هذا يختلف كثيرا عن أغلب الناس ، فهو مثلا لم يناديه أحد أبدا باسم أبو أحمد أو أبو حمادة ، رغم أنه أنجب خمسة من الأطفال كان أكبرهم ولد ، لكنه معروف باسمه هو ( مهدي فاروق ) ، ولايدخل بيتا من بيوت عائلتي عزيزة أو عزوز إلا ويترك فيه أثرا طيبا فلا ينساه أهل هذا البيت ، فأحبه الجميع ، وهو شديد الشبه بالفنان حسن حسني ولكنه أطول ، وهو سائق بدرجة قدير مع أنه كان مدرسا بإحدى قرى الجيزة النائية وهو بذات الوقت يحب السفر والتنزه وكثيرا ما يحرص على وجود أسرة زوجته معه في كل تنزهاته بأولاده
.. { محفوظ البوسطجي }
كانت الفترة التي بين نجاح محفوظ في الثانوية وبين دخوله للجامعة هي فترة عمل شاق في مكتب بريد المعادي ، كان يجلس بجواره زميله يحيي هلال الأكبر منه بعدة سنوات وأشقر و متحدث لبق ويمارس عملا إضافيا بعد البريد إلى مابعد منتصف الليل ، فهو يقف في كشك براويز وميداليات وزنكوغراف ويفط بوسط القاهرة ، والكشك يتبع معلم كبير يمتلك عدة أكشاك أخرى بمناطق مهمة بالقاهرة
_ إيه رأيك في اللي يخلي دخلك يزيد يامحفوظ ؟
_ إزاي ده يايحيي ؟
_ أنت عارف إني شغال بعد الضهر في الكشك
_ أه عارف بس إيه علاقتي بده ؟
_ ماهو أنا بعرض عليك مع توزيعك لبوسطتك توزع أنت البوسطة بتاعتي كل يوم وأمشي أنا بدري أفتح الكشك ، وهديلك قد مرتبك كل شهر
_ الريس عارف بكده ؟
_ اطمن كله تمام ، وأنا كل يوم الصبح هستلم بوسطتي وأرصهالك وتبقى جاهزة عالتوزيع
_ اتفقنا خلاص موافق
وهكذا صار محفوظ يقوم بتوزيع البوسطة في ثلاث مناطق ( الجولف _ دجلة _ المعادي الجديدة ) ، ومن أهم أسباب موافقة محفوظ أن منطقة الجولف هذه هي جزء من منطقة السرايات التي يعشقها محفوظ منذ الصغر ، فكان يستمتع كثيرا وهو يوزع بوسطة منطقة الجولف قبل أن يتجه لمنطقة توزيعه الأساسية ، وضحك محفوظ كثيرا وهو يدق جرس البيت الذي دخله وهو يعمل كدليفري وكانت فيه المرأة الفرنسية الجميلة ، ولكن وجد فيه سكانا آخرين من أمريكا مع أنهم ببشرة سوداء ، وهاهي فيلا الملكة دينا ، أول زوجة الملك حسين ملك الأردن لثلاث سنوات فقط ، ولكن الفيلا دائما مايتم فيها تصوير الأفلام والأعمال الدرامية
كان محفوظ يشعر بدراجته تستمتع مثله وهو يتجول بها من شارع لشارع بمنطقة الجولف ، وكأنها تستمع لمحفوظ وهو يحكي لها كيف كان يأتي لهذه الشوارع وهو صغير مغرما بجمال بيوتها وحدائقها ، لقد منحه زميله يحيي أجمل ماكان يتمناه ، حتى دق جرس إحدى الشقق في الجزء الشعبي بمنطقة توزيع زميله يحيي :
_ أنت البوسطجي الجديد ولا إيه ؟ فين يحيي ؟
_ أه ، بس متهيألي حضرتك الأبلة نور مدرسة العلوم ، صح ؟
_ أه صح ، أنت تعرفني ؟
_ ياااااااااااه ، نسيتي البربري أبو بوء مفشوخ هههههه تلميذك
يا أستاذة ؟
_ معقول أنت محفوظ تلميذي في مدرسة ثكنات المعادي ؟
_ أيوه يا أستاذة ، وهدخل الجامعة بعد أسابيع أنا نجحت في الثانوية
_ وبتشتغل كده في الإجازة ؟
_ بشتغل طول السنة ، بستمتع بشغلتي دي
طال الحديث الجميل يومها بين التلميذ محفوظ وأستاذته نور في الابتدائي التي حكى عن أنها فقدت وعيها في بلكونة الفصل بسبب طائرة فانتوم إسرائيلية ، فرحت به كثيرا وشعرت لأول مرة بنتيجة ماتقوم به من عمل ، تلميذها من أول فصل عملت به هاهو يدخل الجامعة ، وكأنها فلاحة تحصد أرضها التي تزرعها منذ سنوات
كانت فرحة محفوظ كبيرة ليس فقط لأنه رأى أستاذته ، بل أيضا لأنه كان يتمنى أن لو يستطيع أن يخبر الدنيا كلها بأنه نجح وسيدخل الجامعة ، كثيرون في الحياة يحبون أن يروا ثمار عملهم وجهدهم ، وأول هؤلاء من يمرون علينا بفصول الدراسة بمراحلها الأولى ، هؤلاء المعلمين هم أكثر المبتهجين لنجاح تلاميذهم هكذا ، فهم مثل الأباء والأمهات يرون أن تلاميذهم هم أولادهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق