تحية عطرة مفعمة بالأمل والتقدم نحو الأهداف السامية
(التنمية المستدامة جذور إشكاليات وحلول)
رماز الأعرج
(المحاضرة التاسعة)
الجهات الخاسرة دوما من الحرب ولصراع
من النظرة الأولى للباحث نلاحظ أن الدول دوما مديونة للمقرضين سواء كانت في حالت حرب أم لا , وجميع الدول حول العالم وخاصة التي تعيش الحروب وتخوضها دوما نجدها بمديونية عالية جدا , بينما الشركات المستثمرة تتضاعف ثرواتها , في المقابل يزداد فقر الشعب وترتفع البطالة والجوع بسب الحرب والصراع المحتدم , ناهيك عن الضرائب والمعاناة الاقتصادية والنفسية المادية التي تلحق بالشعب , وليس الشعب من يستثمر الحروب بل النظام السياسي هو المستثمر ولصالح الجهات المحركة للحرب والمستثمرة بها .
إن الشعب الفقير هو من يدفع الثمن الأكبر للحرب دوما و في الحروب ما أن تسيل القطرة الأولى من الدماء حتى تتحول إلي بركة دم وتليها برك أخرى وأخرى وتكثر الدماء وتصبح سيولا وشلالات , والقاتل والمقتول إخوة ومن صلب واحد , هذه هي حروب اليوم وإنسانيتها وتعقيداتها وتداخلاتها المعقدة , والجميع خاسر من الحرب , سواء الدول أو الشعوب والأفراد والمجتمعات , ولا أحد يحقق مكاسب من هذا الصراعات سوى تجار الحروب ومصاصين دماء البشر من اجل تحقيق مصالحهم .
الحروب مشاريع استثمارية رابحة
إن اخطر ما نعيشه في هذه المرحلة أن الحرب بحد ذاتها هي الاستثمار المربح للغاية , واستدامتها ضرورية لاستدامة الأرباح المحققة منها , وتجارها كثر وقطعانهم الضالة المحيطة أكثر منهم بكثير , ومتنوعين المشارب والثقافات المذاهب , و الأرضية خصبة جدا لتجنيد المرتزقة وغيرها , طالما هناك بطالة وعوز وفقر وجهل وتخلف منتشر .
الشعوب والجماعات التي تخوض الحروب ورحاها ليس من السهل عليها أن ترى الموضوع من خارجه , أو النظرة إليه بعقلانية , فهي الآن تخوض المعركة وكل الجهد والطاقة والتركيز موجه نحو المعركة المحتدمة , وهذا يصبح معيق عن القدرة على الرؤية الشمولية للأطراف المتصارعة , والمقصود هنا الأدوات المتصارعة ذاتها , أي الأفراد والمجموعات التي تخوض المعركة في الميدان , فهي غير قادرة على رؤية الأبعاد العميقة للصراع الآن بحكم انشغالها الكامل في المعركة الفعلية , بينما المستثمر هو من يدير الدفة لصالحه ويستثمر في كل خطوة ومرحلة من مراحل المعركة والصراع .
وهناك خمسة جهات تتاجر في الحروب هي دوما رابحة ومعنية باستمرار الحروب وديمومتها وهي :
1 الرأسمال ألربوي أول الرابحين وأكثرهم ثراء من الحروب
هذا يقرض الجميع , الرابح والخاسر في الحرب , كلا الطرفين بحاجة إلى السيولة النقدية لتغطية حركة مصاريف الحرب الدائرة ورحاها الآن , وبذلك هم طرفين احدهما خاسر حتما والآخر اقل خسارة , أما المقرض فهو الرابح الوحيد في جميع الأحوال ومع كلا الطرفين هو رابح وهم خاسرون .
2 صناعة السلاح
وهذه أيضا من المصادر الكبرى, لذلك معنية باستدامة الحروب من اجل الربح والتجارة بها
3 تجارة الأمن والعساكر
العمل بالأجرة , أي الأمن مقابل أجر معين , أي ارتزاق دولي , و هذا أصبح اليوم دارج على مستوى الدول أيضا , التجارة بالأمن والتجسس وغيرها من الخدمات , ولم يعد الأمر مقتصر على جماعات ميلشيات ما أو أفراد , بل أصبحت الدول تعمل مرتزقة وتتاجر في الأمن وتبيعه كخدامات امن يدفع , ناهيك عن الشركات الخاصة التي أصبحت اليوم أكثر وذات اختصاصات متنوعة .
وفي دول أمريكا اللاتينية هذا حصل بكثرة وفي المنطقة العربية , هناك الكثير من الأنظمة السياسية في الدول العربية أرسلت جيوشها لتحارب من أجل مصالح دول أخرى مقابل ثمن من تحت الطاولة لسياسيين البلاد التي ترسل جنودها وجيشها الوطني لمهمات مأجورة ومعادية لشعوب شقيقة لها .
4 شركات الإعمار الكبرى وإعادة البناء
حين تنهار البنية التحتية وتدمر تصبح الشركات المعمارية الكبرى هي من سيقدم خدمات البناء وإعادة تأهيل البنية التحتية للبلاد وتجديدها , والحروب دوما تضرب البنية التحتية وتدمرها وهنا في الغالب تكون الشركات المحلية الوطنية قد تضررت بنيتها التحتية بسبب الحرب وهي غير قادرة على القيام بمهمة إعادة الإعمار على أكمل وجه , فتأتي الشركات الخارجية الكبرى , ويستكمل المستثمر في الحرب أرباحه و استثماره حتى في إعادة البناء ويصبح مستثمرا في الهدم وفي البناء .
5 الكثير من النوافل والتوابع , شركات العلاج والخدمات والنقل والطاقة وغيرها
ديمومة الحروب مهمة وضرورية للنظام العالمي الجديد
يسعى المتاجرين بالحروب والقوى العنصرية المهيمنة على العالم بشتى الوسائل المتاحة للحفاظ على ديمومة الحروب , فهي مصدر ربحهم وهي العصب المحرك للسوق , وتخفيف وتيرة الحرب تعني الكساد في السوق بالنسبة لهم , لذلك يحرصون دوما على المحافظة على هذه الوتيرة , ومن الملاحظ أيضا , أن التجارة والدعم للجهات المتحاربة دوما يحافظ على توازن معين , بحيث لا يسمح بحدوث إمكانية أن يقضي طرف على الآخر ويلحق به هزيمة حاسمة , فهذا يعني أيضا انتهاء الحرب ووقف السوق وكساد العتاد الحربي في المخازن والمستودعات العسكرية.
لذلك تسعي هذه الجهات دوما إلى تغذية وإعداد لأرضية المناسبة وتحضيرها للحروب والصراعات من خلال :
1 الدعاية والتشجيع على الصراعات العرقية الطائفية وغيرها
2 الحفاظ على الحروب في المناطق الساخنة
3 خلق صراعات جديدة
4 دعم التطرف والإرهاب كوسيلة لبيع السلاح والتجارة به
5 الابتعاد عن الحروب القصيرة الحاسمة
6 التركيز على حروب الاستنزاف المستهلكة للأسلحة والذخائر
7 عدم السماح بحسم الصراع لصالح طرف معين من اجل ضمان ديمومته
إن مواجهة هذه المشاريع الكبرى تحتاج إلى مستوى عالي من الوعي والتنظيم الشعبي والبرامج والخطط والأدوات , من مؤسسات وغيرها من القضايا الضرورية توفرها من اجل تحقيق التوازن والمواجهة , والقضية ليس خاصة بشعب معين بذاته , بل كل الشعوب والدول المصنفة ضعيفة و التابعة معرضة لنفس المخاطر , إما أن تكون أداة لشن الحروب أو دولة معتدى عليها ويشن عليها حرب ما , واحتمالات وقوع الصدامات العنيفة دوما ممكنة , وأكثر من نصف دول العالم اليوم تعاني من ارتفاع مستوى الفقر و العوز البطالة وانعدام الأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي , مما يجعل الأرضية دائما خصبة وسهلة الاشتعال أمام أول أزمة أو زوبعة تثار هنا أو هناك في هذه المناطق الضعيفة الهشة البنية بحكم ظروفها وتبعيتها ونهب خيراتها.