( ملامــح التجديــــــــــد في الشــــعــرالعـــــــربي)
.
القســــــــــــــم الرابع \ العصرالجاهلي
.
بقلم :د . فالح الكيـــــلاني
.
5- الهجاء:
الهجاء هو تجريد الشخص المهجو من كل صفة انسانية نبييلة ووصفه بكل صفة نابية او رذيلة وغير مشرفة كالبخل والجبن ووضاعة النسب وكل امر لا يحبونه او يعتبرونه منقصة ومهانة بين
ا لناس .
واشتهر في الهجاء الشاعر طرفة بن العبد والشاعر امية بن الصلت وقد هجا طرفة بن العبد ملك المناذرة عمرو بن هند واخاه واقاربه في قصيدة يقول فيها :
فليت لنا مكان مكان الملك عمرو
رغوثا حـــــول قبتنــــا نخور
وقول زهير بن أبي سلمى :
وما أدري ولست أخال أدري أقـــومٌ آل حـصــنٍ أم نــســاءُ
6- الوصف :
وهو وصف ما يلاحظ الشاعر من صور ومشاهد حية وتجربته بين الاحياء والناس وما تمر به من احوال وخواطـــــــــــر ومواقف وامور يقف الشاعر ازاءها موقف امام مناظر يراها بالعين تؤثر في نفسيته فتهز شعوره وتحــــــــــرك عاطفته فتأتــــــي القصيدة بما توحيه نفسه اليه وتؤثر فيه فتهز شعوره وما يعتلـج في قلبه من مشاعر ازاء هـــــــذا الموقف وربما جاءت وصفا لاحيــا ء فتكون كصور مشكلة مؤثرة ملونة بمقدار تأثر الشاعر بها او وصفا لاحوال الشاعر فتكون الصور متغيرة بتغير الـوان الشعور الشعري والعاطفي لديه لذلك تعتمد القيادة الوصفية على الدوافع النفسيــة وتاثيراتها في الاستعـــــــــــــــارات والتشبيهات البلاغية وتجد في القصيدة ان يد الشاعر الفنان مزخرفة ومؤطرة للقصيدة ويعمد الـــــــى صقلها بما اوتي من شاعرية فـــــذة حتى لتبدو كمرأة صافية ترى فيهــــا خيال الموصوف وروح الشاعر واضحة بينــــــــــة وقد اشــتهر بالوصـف اغلب الشعراء في هذا العصر كامرىء القيس وزهير بن ابي سلمى ولبيد والنابغة .
ومما يقوله عنترة العبسي في وصف معركة من معاركه :-
مازلت ارميهم بشفرة نحره
ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور عن وقع القنا بلبانه
وشــــــكا الي بعبرة وتحمم
اوما يقوله امرؤ القيس في وصف فرسه :
وقـد أغتـدي والطيـرُ فــي وكناتـهـا
بـمـنـجـردٍ قــيــد الأوابــــد هـيــكــلِ
مـكــرٍ مـفــرٍ مـقـبـلٍ مــدبــرٍ مــعــاً
كجلمودِ صخرٍ حطهُ السيلُ منْ علِ
مِسحٍ إذا ما السابحـات علـى الونـى
أثـــرن الـغـبـار بالـكـديـد الـمـركــلِ
لــه أيـطـلا ظـبـيٍِ وسـاقـا نعـامـةٍ
وإرخــاءُ سـرحـانٍ وتقـريـبُ تتـفـلِ
7- الحكمة :
وفي الحكمة يسمو الشاعر في اجواء نفسه ويطل علـــــــى الحياة من الاعلى ثم ينحدر متغلغلا في معانيها لحد دقائق امورها ويحف با طرافها مسيطرا على عواطفه واحاسيـــــــــه متعقلا ثم يوجه نظرتـــــه الكاشفة متفحصا فتظهر له الحياة على حقيقتها واضحة جلية تنبعث نظرته من العقـــــــل الواعي لا الخيال فياتي شعـــره مهيمنا على الموضوع متجردا عن المكان والزمان وهذا سر مطابقته لكل الأوقـــــات والازمنة وينحدر في النفس المتلقية كالماء العذب انظر لهذا البيت للشاعر زهير بن ابي سلمى يقول؛_
ومن يجعل المعروف في غير اهله
يكن حمده ذ ما عليه ويندم
لسانُ الفتى نِصفٌ ونِصفٌ فؤادُهُ
فلم يَبْقَ إلا صـورةُ اللحمِ والدمِ
ولطرفة بن العبد يقول :
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة
على المرء من حد الحسام المهند
الا ان الحكمة جاء ت كمضرب مثل في الشعر الجاهلي وضمن القصيدة الواحدة وليست منفصلة بغرض منفرد.
8- الخمرة :
الخمرة والشراب كثيرا ما تغنى الشعراء بها ووصفوا ادواتها وتاثيرها على النفس ومجالسها ومنهم من استهل قصيدته بها كما
يقول الشاعر عمرو بن كلثوم في مطلع معلقته :_
الا هبي بصحنك فاصبحينــــــا
ولا تبقي خمــــــور الاندرينا
ومن شعراء الخمرة ايضا المنخل اليشكري و الاعشى وامرؤ القيس وكثير غيرهم.
راجع كتابي (دراسات في الشعر العربي ) العصر الجاهلي
لاحظ كتابي (موسوعة شعراء العربية ) المجلد الاول
( شعراء جاهليون ) – الجزء الاول .
*
وفي أواخر العصر الجاهلي بدأت ملامح جديدة تظهر في القصيدة الجاهلية نتيجة حنكة الشاعر او ميله لتحسين شعره او قصائده خاصة عندما يلقى قصائده في مجالس الملوك والامراء او نتيجة الاحتكاك بالحضارات والأمم الأخرى فنلاحظ ملامح تجديدية او نعتبرها كذلك . بدأت تدخل الى القصيدة الجاهلية ونذكر منها :
1- اتسمت القصيدة ببعض اليسر والسهولة والبعد عن التعقيد، بعدما كانت صعبة تتميّز بالصلابة والألفاظ الغريبة الوحشية وتميزت بانتقاء الكلمات السهلة المعبرة عما يروم تاشاهر ومثال ذلك قول عنترة:
ولقد ذكرتك والرمــــاح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّــــــيُـوفِ لأَنَّهَا
لَمَعَـــتْ كَبــَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِـــــــّـمِ
2- اتسمت القصيدة الجاهلية المتجددة بالاقتصار على موضوع واحد من بداية القصيدة حتى نهايتها، بعدما كانت مقسّمة إلى أجزاء كلّ جزء منها يتحدّث عن موضوع مُستقل بذاته، بذلك ظهرت بالقصيدة الوحدة الموضوعية.لدى بعض الشعراء وخاصة في قصائد الغزل مثل قول الشاعر عبد الله النهدي في حبيبته هند :
خليليّ زورا قبل شحط النوى هندا
ولا تأمنا من دار ذي لطف بعـدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجـة
أغيّا يلاقي في التعجل أم رشـدا
ومرا عليهـا بـارك الله فيكمـا
وإن لم تكن هند لوجهيكما قصـدا
وقولا لها ليس الضـلال أجازنـا
ولكننـا جزنـا لنلقاكمـا عمـدا
غدا يكثر الباكـون منـا ومنكـم
وتزداد داري من دياركـم بعـدا
3- اتسم الشعرالجاهلي في دخول موضوعات جديدة إلى شعر القصيدة الجاهلية كالحكمة والمنطق والفلسفة.
والحكمة: قول موجز مشهور فكرته صائبة رائع التعبير، يتضمن معنى او كلاما مسلماً به، بهدف الخير والقول الحسن اوالصواب وتعبر عن خلاصة خبرات وتجارب قائلها في الحياة.
تأتي الحِكَمة في بعض أبيات النص الشعري ، وتمتزج بالإحساس والعاطفة المؤثرة. قد شاعت الحكمة على ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص المعنى او العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة وتمكن الشاعر من ناحية البلاغة في شعره .
ومن الخصائص الفنية لأسلوب الحكمة، روعة التعبير، وقوة اللفظ، ودقة التشبيه، وسلامة الفكرة مع الإيجاز.
فهي اذن تمثل صوت العقل عند قائلها لأنها قول موجز يقوم علي فكرة سديدة بعد التأمل والتفكير وموازنة الامور فيها واستخلاص العبرة منها ولذلك فهي تعبير حاذق في الرأي والعقل. ومن الحكمة يقول الشاعر زهير بن ابي سلمى :
ومَن لم يُصانِعْ في أمـــورٍ كثيرةٍ
يُضرَّسْ بأنيابٍ ويُوطَأ بمَنسِمِ
ومَن يَجعلِ المعروف مِن دون عِرضِه
يَفِرْهُ ومَن لا يتَّقِ الشَّتمَ يُشتَمِ
ومَن يكُ ذا فَضْلٍ فيَبخَلْ بفَضلِه
على قومِهِ يُسْتَغْنَ عنه ويُذمَمِ
ومَن يُوفِ لا يُذمَمْ ومَن يُهدَ قَلبُهُ
إلى مُطمئنِّ البــرِّ لا يَتجَمْجَمِ
ومَن هاب أســــبابَ المَنايا يَنَلْنَهُ
وإن يَرقَ أسباب السماءِ بسُلَّمِ
ومَن يَجعل المعروف في غيرِ أهلِه
يَكُن حَمدُه ذمًّا عليه ويَندَمِ
ومَن يَعصِ أطرافَ الزِّجاجِ فإنه
يُطيع العوالي رُكِّبَتْ كلَّ لهذَمِ
ومَن لم يَذُدْ عن حَوضِهِ بسِلاحِهِ
يُهدَّمْ ومَن لا يَظلِمِ الناس يُظلَمِ
ومَن يَغترِبْ يَحسِب عدوًّا صديقَه
ومَن لا يُكرِّمْ نفسَــــــه لا يُكرَّمِ
ومهما تَكُن عندَ امرِئٍ مِن خَليقةٍ
وإن خالَها تَخفى على الناس تُعلَمِ
وكائنْ تَرى مِن صامِتٍ لك مُعجِبٍ
زيادَتُـــــــهُ أو نَقصُهُ في التكلُّمِ
لسانُ الفتى نِصفٌ ونِصفٌ فؤادُهُ
فلم يَبْقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِ
وقد اكثر منها في قصائد اخرى له كثير ة .
يتبـــــــــــــــــــــــع
.
اميــــر البيــــــــــــــــــــان العـــربي
د. فالح نصيف الحجية الكيـــــــــــــــــلاني
العـــــــراق - ديالى - بلـــــــــــــــــد روز