راقصة الفلامينكو
الجزء السابع والأخير
تمنيت أن أقضي أياما في قصر الحمراء، حتى أرتوي من مشاهدة عظمة هذا الفن المعماري، وبصمة أجدادي حيث عاشوا في هذه البلاد الجميلة الخضراء... والحقيقة مهما طال بي الزمن هنا لا ارتوي...
مشكلتي، كان فكري مشوشا أتخبط شمالٱ ويمينٱ...
يشغلني سؤال واحد، هل أذهب وأزور أهل ديانا أم أنسى الأمر نهائيا؟
المسألة اليوم أخذت أبعادا جديدة بعد أن أصبحت ديانا نجمة عالمية...
لم يعد يوجد هناك توازنٱ بيننا، أصبحت كفتي الميزان غير متعادلتين.
أنا اليوم انسان ضائع، غريب، لا أملك هدفا أسعى له، وعندما نفقد الطموح يموت الإنسان من الداخل، يتلاشى، ينتظر النهاية... أنا لن أستسلم؟ لكن ماذا أقدر أن أفعل؟
ديانا حققت حلمها ووصلت إلى القمة...لأنها عرفت طريقها، وبدأت المسير نحو هدفها عندما كانت في العشرين من العمر، وبعد خمسة عشر سنة من الجهاد الصعب، وصلت اليوم إلى القمة. بينما أنا في الأربعين من عمري، ولا أعرف طريقي ولا إلى أين سأمشي...
اليوم بت بلا عنوان،بلا هوية... أنا أضحيت لا أحد.
شعرت بقشعريرة مرضية تتسلل إلى داخلي، جلست في الحديقة العامة تحت أشعة الشمس طالبا بعض الحرارة، ربما أعيد بعض التوازن لذاتي، لأنني احسست بأنني منهار تماما من الداخل. حزين على ما آلت له نفسي...
أتساءل هل ازور أهل ديانا؟ وإذا سألني أهلها من حضرتك، أو ماذا تريد؟
ماذا يكون جوابي؟
وأخذت قرارا حاسما بعدم زيارتهم والتعرض لمساءلة قد تسيء لديانا إذا عرفت في زيارتي لأهلها بدون علمها... وقررت الغاء الفكرة من ذهني نهائيٱ...
في أيام تالية، كنت جالسٱ بجانب نافذة كبيرة في أحد المقاهي ارتشف قهوتي واتسلى بمراقبة المارة متناسيا حالي المنهزم...
سمعنا زمامير رتل من السيارات السوداء الموحدة في الشكل وشباب يطلون من نوافذها يحملون أعلام إسبانيا وصور ديانا. قالوا في المقهى لقد وصلت البرنسيسة عند أهلها. وقد استقبلها محافظ المدينة وديٱ... والشهر القادم سيتم استقبالها في مدريد رسميا.
وبقيت أنا صامتاً لا أتحرك، ولا أنطق بحرف
ومن يدري من أنا؟ أو ماذا يدري هذا الغريب من تكون البرنسيسة ملكة الفلامينكو...
وخطر ببالي أسأل حارس مدرسة سلمنكا إذا مرت ديانا على مكتبها؟
فوجئت بالحارس يقول: أين أنت يا رجل، ديانا تسألني عنك كل يوم، وأنا لا أعرف بماذا أجيبها، هي اليوم ذهبت تزور أهلها في اشبيليا، وطالما أنت هناك، اذهب إليها...
هذا الهاتف انعشني من جديد، كما لو كنت نبتة أثقلها العطش، وجاءها المطر بزخات ناعمة، وأخذت ترتشف منه بهدوء حتى ترتوي وتملأ كل كيانها الجاف الذي صل لدرجة اليباس الكامل...
ذهبت حاملا باقة كبير من الورد الذي تحبه ديانا، والحقيقة أنا في غاية الارتباك والحرج، وخاصة عندما وجدت المنزل يغص بالمهنئين المستقبلين، والكل أخذ ينظر نحوي من يكون هذا الغريب؟
جاءت ديانا مسرعة وقبلتني بحرارة وقالت للحضور هذا هو زوجي الحبيب، وساد سكون والجميع يرمقوني باستغراب... وجاءت أم ديانا متسائلة ماذا قلت يا ديانا؟ من هذا الرجل؟ قالت ديانا: هذا هو زوجي، وأنا حامل منه، هذا هو أبو ابننا، هذا هو حبيبي...القادم من سورية.
جاء الأب مستغربا الأمر وقد فوجئ تماما بالذي يسمعه...
كذلك جاءت ماريا معاونة ديانا مرحبة بمسعد وقالت: كم تحبك ديانا، لا تكف تكلمني عنك، وعندما تأكدت بأنها حامل قررنا أنا وهي أن نذهب إلى سورية نبحث عنك.
استقبلت العائلة مسعد في منزلهم، لكن الذي حدث فيما بعد كان زلزالا زعزع الدنيا، عرف الأب بأن مسعد مسلم، جن جنونه وقال: ابنتي سوف تجلب آخرتي...وقال من المستحيل أن أوافق على أمر كهذا.
استمر الجو مكهربا بعضة أيام، قالت ديانا يا أبي مسعد هو أبو ولدي لا يمكن أن أدعه يرحل مهما عاكستني الظروف. ومن ناحية ثانية المسيحيون والمسلمون يعبدون ذات الإله، الذي خلقنا جميعا، والدين هو اطاعة الخالق بتعاليمه، الدين هو معاملة الناس للناس بالحسنى، مسعد سيبقى مسلما وأنا سأبقى مسيحية، والله يعرف أسرار القلوب وسيحاسب كل واحد منا حسب أفعاله، وحسب الناموس الذي وصله.
قال مسعد: لو لم أعرف بأن ديانا حاملا لكنت انسحبت بهدوء. أصلا عمل ديانا المتنقل لا يناسب تأسيس عائلة، وأنا لا يمكنني التنقل معها...
قالت ديانا، هذا هو بيت القصيد، أنا فكرت في الأمر ملياً، وقررت اعتزال الرقص، وسأفتتح مدرسة هنا في اشبيليا، تعلم منهاج الدولة أضافة إلى تعليم رقص الفلامينكو حتى يتابع طلابي مسيرتي.
أنا وماريا سنعلم في المدرسة، وأنت ستكون مديرها إن رغبت بذلك، ولن يكون هناك سفر بعد الآن، الأولوية القصوى لأولادنا...
قال مسعد هذا العمل يسعدني وقال متحمسا سأجعل مدرستنا في القمة. وسنسميها مدرسة الملكة.
تزوج الحبيبان رسميا والله رزقهما أربعة أولاد رائعين.
النهاية