الاثنين، 24 أكتوبر 2022

نداء الدم بقلم محمود زكي علي

نداء الدم: قصة شيقة ومثيرة...

بقلم : م/محمود زكى على 

أرجو أن تنال إعجابكم...

                                     الفصل الأول: الحادثة

((أريد دراجة....))

هتف الشاب (فتحي) ذا التسعة عشر عاما بالعبارة في وجه أبيه (سالم ) الذي بدت عليه الدهشة وهو يسأله:
- ولكنك يا ولدى لا تعرف كيف تقود الدراجة...!!

قال الابن (فتحي) في صرامة ليس لهما ما يبررها:
- سوف أتعلمها...إن أولاد عمى لديهم دراجات وسوف يساعدوني على تعلمها بسرعة..

سأله الأب:
- وأين تريد أن تذهب بها...؟

عند هذه النقطة تفجر غضب (فتحي) ...لقد تعود أن يحصل على ما يريد ..تعود على الأنانية وحب الذات...فلم يكد يرى دراجات مع أولاد عمه (مجدي) و(عرفان ) وقد اشترى لهم أبوهما الدراجات حتى ثار في وجه أبيه ليشترى له واحده ...بل انه رد على أبيه بغلظة قائلا:
- ليس هذا من شأنك...كل ما أطلبه عليك أن تنفذه وإلا....

لمح الأب (سالم) الشر باديا على وجه ولده فقال له:
- حسن يا ولدى ...سأشتريها لك غدا

عندها فقط افتر ثغر فتحي عن ابتسامة كبيرة
ابتسامة انتصار....!!

***

استقل الدكتور (حسن) سيارته متوجها إلى القرية التي اتخذها مقرا لعمله منذ ثلاثة سنوات..

كان يسكن في المدينة ولكن ظروف عمله جعلته يتجه إلى هذه القرية وافتتح بها عيادة وأسفلها صيدلية..

وكالعادة ترك زوجته (هدى) وابنته (سمر) في المنزل وتوجه إلى مقر عمله في القرية في العاشرة صباحا ...

كان يعود إليهما دائما بعد التاسعة مساءا وهو في قمة الإجهاد...

إن الطب مهنة متعبة جدا...

وكان الدكتور (حسن) معتدلا في أجره بما يناسب الجميع لذا كان يقول دائما ليست العبرة بما تكسب .. 

تكفيك دعوة أم كان ابنها مريضا فأعانك الله بقدرته على شفائه...

كان الدكتور (حسن) يعمل في القرية التي يسكن فيها الوالد (سالم) وولده الشاب (فتحي)

بل إن عيادته كانت قريبة أيضا من منزله..

كان الطريق خاليا فأخذ الدكتور (حسن) يزيد في سرعة السيارة تدريجيا ..

أما في القرية فقد كان الشاب (فتحي) مع أولاد عمه (مجدي) و(عرفان ) يحاولون تعليمه كيف يقود دراجته التي اشتراها له والده..

كانا يتعاملان سويا بروح الفريق حتى لو كانوا جميعا على خطأ...كنوع من التعصب الأعمى ...

وكان وجود هذا التعصب بينهم يضمن وجود حماية مستمرة ..

 ولكن يلزم أن يكون الحق إلى جانبهم وإلا كانت العصبية وبالا عليهم جميعا....!!

ولكن الثلاثة كانوا ينظرون إلى الحياة على أنها متعة وتسلية فقط...!!

اختلف معهم في ذلك ابن عمهم الثاني (كمال) ذلك الشاب المعتدل طالب كلية الطب الذي لا يعرف الكذب ولا النفاق...

ولكن كان عليه بسبب ذلك أن يتخفف من التعامل مع الناس قدر المستطاع..
 
قال (فتحي) لأولاد عمه: 
- سوف اركب هذه الدراجة وأسير بها حتى الطريق الرئيسي وأعود إليكم حتى أثبت لكم اننى تعلمت قيادة الدراجة...!!

وبالفعل ركب (فتحي) دراجته وأخذ يسير بها بسرعة...

شاهد الشاب سيارة الدكتور (حسن) من بعيد قادمة وكان من المفروض عليه أن يبتعد عنها ....

ولكنه لعدم تمكنه جيدا من القيادة وجد نفسه يندفع بسرعة نحو السيارة..!!

حاول (فتحي) أن يبتعد...

وحاول...

وحاول ...

لكنه لم يكن تعلم قيادة الدراجة بالقدر الكافي...!!

ولذلك لم يكن هناك مفر من الارتطام...

وبمنتهى العنف....!!

***

الفصل الثاني: الثأر

اندفع الحاج (سالم) والد (فتحي) إلى المستشفى وأخذ يسأل كل شخص عن ولده المصاب حتى عرف الغرفة التي وضع فيها..

وعندما وصل إليه كانت هناك ضمادات تحيط برأسه..

دخل الدكتور (حسن) الغرفة فوجد فيها الحاج (سالم) والد (فتحي)..

بالطبع كان الحاج (سالم ) يعرفه منذ زمن حيث أن الدكتور (حسن ) يقيم في قريته منذ ستة سنوات و...

((ابنك بخير يا حاج (سالم) ...اطمئن))

قالها الدكتور (حسن) في هدوء أزال قليلا من القلق البادي على الرجل كبير السن الذي سأله:
- ما الذي حدث يا دكتور (حسن) ؟

أجابه الطبيب:
- كان يقود دراجته بتهور...وقبل أن اصطدم به ضغطت الفرامل ..كانت هناك بالطبع خسائر...فقد تحطمت الدراجة و.....

قاطعه الحاج (سالم) قائلا:
- الدراجة ليست هامة...المهم صحة وسلامة ولدى( فتحي) ..فكل شيء يعوض ويشترى بالمال إلا الولد..

تنهد الدكتور (حسن) ثم قال:
- نعم ...كل شيء يشترى بالمال ...المهم كيف يا حاج تشترى له دراجة لا يعرف كيف يقودها ...لقد كان يتجه نحوى مباشرة وكأنه يرغب في الاصطدام بى..!!

قال الحاج (سالم) :
- لقد نصحته كثيرا يا دكتور...ولكنه لم يستمع لنصحي ...قلت له تعلم القيادة ثم اشترى لك واحدة ولكنه قال سوف يقوم أولاد عمى بتعليمي...ثم حدث ما حدث المهم متى يمكنني اصطحابه للمنزل معي ؟

أجابه الدكتور (حسن) :
- ليس قبل أسبوع يا حاج ... فقد اصطدم رأسه بالأرض ونخشى أن يكون شيئا ما قد حدث لرأسه...!!

نظر الوالد إلى الطبيب نظرة فزع ولكن الطبيب قال له:
- لا تخف يا حاج ...ابنك في رعايتي...انتم أصبحتم أهلي منذ جئت لقريتكم وصحة (فتحي) تهمنى أيضا..

نظر له الأب في امتنان ثم ودعه وانصرف..

لم تمض دقائق حتى دخل عليه أولاد عمه (مجدي) و(عرفان) ...

كان الدكتور (حسن) جالسا بجوار (فتحي) الذي كان في غيبوبة مؤقتة بفعل الحادث والمخدر الذي أعطوه له فقال له (مجدي):
- أنت الذي صدمته...أليس كذلك؟

وقال له (عرفان) في غضب:
- لا بد أن تدفع الثمن...!!

قالوا العبارتان وانصرفوا..

لم يعر الدكتور حسن العبارتان أي اهتمام..لأنهم أصدقائه وهم في حالة قلق عليه 
وهم يعلم جيدا أن الإنسان ساعة الغضب لا يدرى حقا ما يقوله ..

ولكنه لم يكن يدرى أن الشابين جادان للغاية ويقصدون كل حرف نطقوه..

وإنه سيدفع الثمن غاليا..!!

غاليا جدا...!!

***

الفصل الثالث: زجاجة الدم

مضت أربعة أيام على الحادثة وكان الشاب (فتحي) يعود إلى وعيه تدريجيا..

وفى الوقت ذاته اندفع (مجدي) إلى داخل منزله وهو يلهث من شدة الحر ..

قابله شقيقة الأكبر (عرفان) في لهفة قائلا:
- هل عرفت عنوانه؟

أجابه (مجدي) في سرعة:
- بل عرفت ما هو أكثر من ذلك ...لقد عرفت كل تحركاته ..كل أصدقاؤه...إلى من يذهب..كل أحباؤه...من أعداؤه...الحقيقة انه رجل بلا أعداء...

قال (عرفان) :
- لقد أصبح له أعداء الآن..أعداء لا يمكن هزيمتهم... أليس كذلك يا (مجدي)؟

سأله (مجدي) في تردد :
- أما زلت مصرا على تنفيذ خطتك يا (عرفان) ؟

أجابه (عرفان) في صرامة:
- وهل لديك وسيلة أخرى للثأر ؟

قال له (مجدي) :
- أي ثأر؟ إن (فتحي) لم يمت وصحته تتحسن باستمرار ...الطبيب أكد لنا ذلك..

قال له (عرفان) :
- لنفترض أنه مات يا (مجدي).... قتله ذلك الغريب الذي جاء إلى قريتنا ليرتزق..!!

قال له (مجدي) :
- ولكن هذا الغريب هو الذي حمل (فتحي) ونقله إلى المستشفى بسيارته على الرغم أن (فتحي) هو المخطئ ...وجلس معه حتى اطمئن إلى حالته و...

قاطعه (عرفان) قائلا:
- هل ستعود إلى هذا الهراء يا (مجدي) هل ستعاونى على تنفيذ خطتي أم أنك ستتراجع؟

أجابه (مجدي) في خوف:
- ولكنك بهذا سوف تشعلها حربا على هذا الطبيب... والحرب ..أي حرب تكون لها أثارها المخيفة..وحتما سيصيبنا منها نصيب حتما..

قال (عرفان) :
- نحن لها يا مجدي ...وسترى

والتمعت في عينيه نظره غضب
كل الغضب...!!

***
دقت الساعة الثامنة صباحا في منزل الدكتور (حسن) عندما دخلت ابنته الصغيرة (سمر) على والدها حاملة صندوقا صغيرا ولما رفع الأب عينية إلى ابنته سألها:
- ما الذي في يديك يا (سمر)؟

أجابته الطفلة ذات الست سنوات:
- لقد أعطاها لي شاب وقال لي أن أعطيها لك وعندما سألته عن اسمه انصرف دون أن يجيب...!!

أخذ منها والدها الصندوق واخذ يفتحه بحذر و...

وانعقد حاجباه في شدة...

لقد وجد الدكتور (حسن) داخل الصندوق زجاجة بها سائل احمر فدقق النظر فيه فعرف أنه دم...!!

ووجد على الزجاجة عبارة:

((الدماء لا يغسلها إلا الدماء))

أخذ الدكتور حسن يردد العبارة في دهشة وذهول..

لم يكن هناك أي توقيع على الزجاجة ...

وحاول الدكتور حسن أن يفهم معنى الرسالة 

وحاول..

إلا انه لم يصل لشيء...وأخذ يتساءل فى دهشة...

ترى من أرسل إليه هذه الرسالة ؟

ولماذا يرسل له زجاجة مملوءة بالدم؟

لماذا؟!!

لماذا؟!!

***
الفصل الرابع: التحدي 

خرج (فتحي) من المستشفى وكان في استقباله أولاد عمه (مجدي) و(عرفان) وكذلك ابن عمه الآخر (كمال )...

وفى منزل (عرفان) اجتمع أولاد العم جميعا...

وبعد برهة من الصمت قال (عرفان) :
- لابد أن نؤدب هذا الطبيب على فعلته النكراء..

رد عليه (كمال):
- فعلته النكراء؟ !!.....أين فعلته النكراء تلك؟ لقد أخطأ (فتحي) عندما أراد أن يثبت لنفسه أشياء لم يمتلكها بعد...... أليس كذلك يا (فتحي) ؟

قال (فتحي) في هدوء:
- بلى...ولكن كان ينبغي عليه أن يتوقف...

قال (كمال) في دهشة:
- سبحان الله...أنت الذي انحرفت نحوه بالدراجة ...لا تجعل العند يفسد كل شيء..!!

بدا من الواضح إن هناك فريقان ...احدهما يمثله الشاب المعتدل (كمال) بمفرده...والفريق الآخر من الثلاثة الآخرون (فتحي) و(مجدي ) و (عرفان)...

ثم قال (كمال) في انفعال واضح:
- انتم لا تدركون مغبة ما انتم مقدمون علي...هذا يدل على أنكم حمقى...

قال له (عرفان):
- نحن حمقى؟ ....يجب أن تقول هذا ما دمت أنت الوحيد الذي دخلت كلية الطب...الطالب يميل إلى أستاذه الذي حببه في كلية الطب...ولكن هذا لن يغير مما سنفعل شيئا...فمهما كان رأيك...لن يستمر وجود هذا الطبيب داخل قريتنا...!!

قال له (كمال):
- لن اسمح لكم بهذا...سأمنعكم بكل ما أوتيت من قوة...انتم حمقى بالفعل...تريدون تدمير مستقبل طبيب لسبب تافه...انتم حقا أصحاب عقول تافهة ...احذروا منى...سأكون لكم بالمرصاد... هل تسمعوني... لن اسمح لكم باتخاذ أى رد فعل نحو الدكتور (حسن)...

قالها (كمال) وانصرف غاضبا...

نظر (عرفان) إلى شقيقة الأصغر (مجدي) نظرة خاصة..

نظرة كلها شر..!!

نظرة تعنى أن عليهم إزالة كل العقبات التي في طريقهم...

بلا استثناء...!!

***

الفصل الخامس: الضحية

اندفع الشاب (كمال) خارج المكان غاضبا مما سمع من أولاد عمه وقرر أن يخبر الطبيب بما حدث منهم في الصباح...

لقد رأى (كمال) بعين الخيال أن دماء ستهدر لأسباب تافهة جدا...

لابد أن يمنع حدوث ذلك...

كان منزله يبعد مسافة عن منزل أولاد عمه لذا كان يشد الخطى ليصل بمنزله ليستريح .

لم يكن هناك أي إضاءة في الطريق – حال معظم القرى - لذا فقد كان الظلام دامسا وهو يسير وحده ..

كان يفكر بصوت عالي وهو يسير قائلا:
- لابد أن أمنع هؤلاء الحمقى من إيذاء الدكتو..........

وفجأة هوت على رأسه عصا ثقيلة..

نظر (كمال) للخلف فوجد ابن عمه (عرفان) وهو يمسك تلك العصا و...

وهوت العصا مرة ثانية في عنف...

ومرة ثالثة....

وتفجرت الدماء من رأس (كمال) في شدة..

ولاذ (عرفان) بالفرار..

ولما عاد إلى أصدقائه قال لهم:
- لقد أصبته....لابد أنه وقع في غيبوبة عميقة....كان لابد أن نبعده عن الأمر حتى ننتهي من خطتنا ونؤدب ذلك الطبيب ...سوف يعود إلى وعيه بعد أسبوع وعندها نكون قد حققنا انتقامنا بسهولة ويسر..

وعاد الثلاثة إلى المرح واللهو..

وأشرقت شمس اليوم التالي و....

وفجأة تعالى الصراخ والعويل في أرجاء القرية...

خرج (مجدي) و(عرفان) ليستطلعا الخبر فإذا بالخبر الرهيب الذي زلزل كيانهم حتى الأعماق...

لقد وجد أهل القرية طالب كلية الطب المجتهد (كمال ) على الطريق مقتولا
و بمنتهى العنف...!!

والوحشية....!!

***

الفصل الثامن: التحقيق

((متى كان أخر مرة شوهد فيها القتيل؟))

هتف ضابط المباحث الرائد (شريف) بالعبارة في وجه والد (كمال) الذي لم يفق بعد من هول الصدمة وقال مجيبا الضابط:
- كان مع اصدقاؤة من أولاد عمه يحتفلوا ليلة أمس بنجاة (فتحي) وعودته سالما بعد الحادثة التي أصابته منذ أسبوع..

سأله الرائد (شريف) :
- هل له أي أعداء؟

أجابه الوالد في كلمات تكاد تختفي حروفها من شدة البكاء:
- أي أعداء يا سيادة الرائد..إن ابني شخصية محبوبة هنا...لا أحد يكرهه..

بدا واضحا للرائد (شريف) أنه لن يحصل على أي معلومات تفيد التحقيق من هذا الأب المكلوم أو الأم التي ما زال صراخها يدوى في لوعة وحزن وأسى أو حتى من الأخت التي تبكى في حرقة لفقد أخيها ....

لذا فقد اتجه إلى أولاد عمه (فتحي) و(مجدي) و(عرفان) واللذين حضروا طبقا لأوامر الرائد شريف ..

كانوا في حالة من القلق والتوتر أكثر من الحزن على فقد ابن عمهم...!!

ولقد لاحظ الرائد (شريف) هذا ولكنه كتمه في أعماقه لحين الحصول على تفسير كامل للواقعة...

لذا فقد سألهم:
- ما الذي حدث ليلة أمس عندما كان القتيل معكم؟

قال (عرفان) :
- كنا نحتفل بعودة (فتحي) وبعد سهرة لطيفة تركنا وانصرف إلى منزلة ليستريح ...انه كان غير متعود على السهر لفترة طويلة مثلنا ...حيث انه كان طالبا بكلية الطب ...ولم نعرف عن ما حدث إلا في الصباح عندما انطلق الصراخ والعويل و...

قاطعة الرائد (شريف) في شيء من الضجر:
- حسن...يكفى هذا..

وعاد الثلاثة أصدقاء إلى منزل عرفان ليعدوا لخطتهم الكبرى...!!
بمنتهى الهدوء ...
والثقة.....!!

***

الفصل السادس: الحريق:

دقت الساعة العاشرة مساءا في القرية وقد انصرف الدكتور حسن من عيادته في التاسعة مساءا كالمعتاد...

وفى ظلام الليل تسلل ثلاثة أشخاص أحدهما يحمل جركن كبير وصعدوا لبلكونة لدور الثاني ....!!

وبواسطة مطواة قام (عرفان ) بفتح باب البلكونة الخارجية التي بها العيادة..

كانت العيادة في الدور الثاني أما الصيدلية فكانت في الدور الارضى.. 

دخل (فتحي) مع (مجدي) خلف عرفان إلى الشقة وقاموا بإفراغ جركن البنزين على كل شيء فى الشقة ...!!

على الستائر ...
والأسرة....
والمفارش....
كل شيء....

ثم تراجعوا للخلف...
ثم أشعل (عرفان ) ورقة صغيرة وألقاها في سرعة نحو السائل المتطاير ذات الرائحة النفاذة و....

وفى سرعة انتشرت النيران في الشق وقفز الثلاثة من البلكونه...

لمح الحاج (سالم) والد (فتحي) وكان يجلس في الشرفة ثلاثة أشباح تقفز من بعيد من عيادة الدكتور (حسن) ...

ولما وقف ليتأكد مما شاهده وجد أن النيران تتوهج في شدة في الظلام..

وخفق قلبه في عنف..

فذلك الطبيب الذي تشتعل شقته هو من أنقذ ولده وعلى الفور صاح بأحلى صوته:

- حريق...حريق يا أهل البلد ...

تجمع الناس في سرعة في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..
 
ولم تمض أكثر من عشر دقائق حتى تمكن أهل القرية من إطفاء النار ..

وتم إخطار الشرطة على الفور...

وبعد ساعة كان الرائد (شريف) يجوب ببصرة في الشقة التي احترقت سمع الحاج (سالم ) يقول:
- سيادة الرائد...لقد رأيت الجناة هذه المرة...!!

هتف الرائد (شريف) :
- رأيتهم؟ من هم؟ كم عددهم؟

قال الحاج (سالم) :
- كانوا ثلاثة من الشباب....رأيتهم يقفزون من شرفة الدور الثاني ولكنني لم أتمكن من رؤية ملامحهم في الظلام من هذه المسافة..

كرر الرائد:
- ثلاثة أشخاص؟...لماذا يفعل ثلاثة أشخاص هذه الجريمة لهذا الطبيب؟

قال الحاج( سالم) :
- لست ادري...إن الدكتور له سمعة طيبة هنا في القرية...تصور هو الذي نقل أبنى إلى المستشفى بنفسه بعد إصابته بحادثة السيارة ..

سأله الرائد شريف:
- تقصد ابنك (فتحي) ..؟

أجابه الحاج (سالم) :
- نعم انه هو ...ذلك الذي شاهدته مع أولاد عمه (مجدي) و(عرفان) في تحقيق جريمة القتل التي قتل فيها (كمال) رحمه الله 

استعاد الرائد (شريف) في ذهنه ملامح الثلاثة شباب ثم راودته فكرة غريبة فسأل الحاج (سالم) :
- وأين ابنك (فتحي) الآن يا حاج (سالم) ؟

أجابه الحاج( سالم) دون أن يعرف المغزى من السؤال:
- انه مع أولاد عمه (مجدي) و(عرفان) ... 

غمغم الرائد (شريف) قائلا:
- إذن الثلاثة هناك الآن ...في منزل (عرفان)...!!

أجابه الحاج (سالم) في حيرة:
- نعم ....إنهم هناك.... لماذا تسأل؟

صمت الرائد ولم يجبه ...

لقد راودته تلك الفكرة مرة أخرى...

وحتى حاسته السادسة كانت تؤيدها....!!

لقد بدأ يشك أن لهؤلاء الثلاثة يد في كل ما يحدث...

ولكنه أدرك أنهم حتى لو كانوا هم من أشعلوا الحريق فلن يتركوا ورائهم اى دليل لإدانتهم ...

 ثم تساءل في حيرة ...
لماذا يشعلون النيران في شقة طبيب القرية ؟ 

وهل يوجد علاقة لهم بعملية قتل الشاب (كمال)؟

لذا فقد اتخذ في أعماقه قرارا جريئا...

قرار يمكنه أن يقلب الأمور كلها رأسا على عقب

وبمنتهى العنف...!!

***

تطلع الدكتور حسن إلى الخراب الذي أصاب عيادته وأخذ يردد في ذهول:

- لماذا يحدث لي هذا ؟ أنا لم أقم بإيذاء أحد...!!

سأله الرائد (شريف):
- هل لك أعداء يا دكتور؟

سأله الدكتور:

- ولماذا يكون للدكتور أعداء؟ انه يحارب المرض وليس المرضى...يعالج المرضى ويخفف عنهم وليس يقتلهم...

سأله الرائد:
- هل تعرف شابين في القرية اسمهما (مجدي) و(عرفان)؟

أجابه الطبيب:
- نعم إنهم أقارب ذلك الشاب فتحي الذي....

قاطعه الرائد قائلا:
- نعم...اعرف قصته وقصة الحادثة التي أصابته... ولكن هل تعرفهم شخصيا؟

قال الطبيب:
- ليس بالضبط....لقد حضروا إلى المستشفى وكانوا غاضبين لما أصاب ابن عمهم حتى أن احدهم قال لي (( لابد ان تدفع الثمن)) ...اعتقد انه قال هذا من شدة الصدمة بإصابة (فتحي) ...والمرء لا يحاسب على قوله في ساعة الغضب والصدمة...

صمت الرائد هذه المرة ولم يعلق....!!

لقد كان له رأى آخر..!!

لذا فقد قرر الاستمرار في خطته...

حتى النهاية...!!

***

الفصل السابع: القدر

مر يومان على حادثة حريق العيادة ....

وفى اليوم الثالث حوالي الساعة الحادية عشر مساءا اجتمع الثلاثة في منزل (عرفان) 

سأل (عرفان) شقيقه:
- هل أحضرت كل ما طلبته منك؟

أجابه (مجدي) :
- نعم

سأل (عرفان) (فتحي):
- وأنت يا (فتحي) ..... هل أنت مستعد لتنفيذ خطتنا الليلة؟

أجابه (فتحي) في شرود:
- نعم...أنت القائد هنا...تأمر فتطاع...

كان من الواضح إنها عملية جديدة للثأر من الطبيب...!!

كان الأمر غريبا جدا ..

عملية ثأر لشاب أصيب في حادثة دراجة وخرج منها سالما...

أي منطق هذا الذي تسفك من اجله الدماء ...وتحرق من اجله الممتلكات ...وتشرد من اجله الأطباء فتحرم القرية من علمه وخبراته؟!!

ولكن لابد للرحى أن تدور لتطحن من تمر عليه...!!

تحرك الشباب الثلاثة تحت ستار الظلام وبواسطة اله حادة قام (عرفان) باقتحام باب الصيدلية الخارجي...

وبعد برهة صغيرة فتحوا الباب الزجاجي للصيدلية 

كان الرائد (شريف) يتابع الموقف من بعيد ..

لقد اصدر تعليماته بمراقبة هؤلاء الثلاثة على مدار 24 ساعة..

وشاهد الرائد (شريف) الثلاثة يقومون بإفراغ البنزين على كل الأدوية وكل الأرفف..

وتراجع الثلاثة إلى الوراء...

وهم (عرفان) بإشعال ورقة صغيرة و...

وفجأة سطعت أضواء الشرطة وتعالى صوت الرائد (شريف) :
- توقف أو نطلق النار....!!

أدرك الثلاثة أنهم وقعوا في الفخ...

أطلق عرفان صرخة كبيرة وهو يستل سكينا ضخما ليهاجم بها الرائد (شريف) و....

 ولكن الرصاصات كانت قد انطلقت لتضع حدا لهذه الفوضى..

اخترقت الرصاصات جسد (عرفان) فارتد جسده في قوة إلى الوراء وسقط صريعا 

فهتف (فتحي) في ذهول:
- رباه....ما الذي فعلناه؟ ما الذي فعلناه؟

ثم انطلقت رصاصة جديدة فارتطمت بزجاجة كحول فأحدثت شرارة وسقطت على 

البنزين و...

واشتعلت النيران بمنتهى العنف...!!

حاول (مجدي) الفرار من النيران إلا أنها كانت قد علقت به في قوه وعنف فسقط وسط النيران...

أما (فتحي) فكان الأقرب إلى الباب فخرج مسرعا والنار تعلق بطرف ثوبه فهتف الرائد قائلا: 
- لا تطلقوا النار...لا تطلقوا النار..

توقف إطلاق النيران فأسرع الرائد نحو( فتحي) وعاونه على إطفاء النيران التي علقت به ثم سأله:
- أين الباقون؟

أجابه (فتحي):
- لقد لقوا مصرعهم بالداخل...!!

سأله الرائد (شريف) قائلا:
- هل لديك ما تخبرني به يا (فتحي)؟

قال (فتحي) وهو في حالة انهيار تام:
- نعم...سوف أخبرك بكل شيء..

وأخذ يدلى للرائد شريف بكل ما حدث ...

بالتفصيل...!!

***
الفصل الثامن: الختام

((حكمت المحكمة على الشاب (فتحي سالم) بالأشغال الشاقة المؤبدة))....!!

انطلق حكم القاضي فانهار الأب على مقعده وصرخت الأم بمنتهى الألم واللوعة والأسى..

خرج الرائد (شريف) من باب المحكمة وبجواره الدكتور (حسن) الذي سأله:
- لماذا فعل هؤلاء الشباب ما فعلوه ليستحقوا هذا المصير البشع؟

أجابه الرائد (شريف):
- هذه ضريبة التربية الفاسدة يا دكتور ..ماذا ستفعل الآن؟

قال الدكتور (حسن):
- سأرحل عن هذه القرية...!!

قال له الرائد:
- انك بهذا تكون قد حققت لهم ما رادوه منك..

قال الدكتور (حسن) :
- وماذا سأفعل هنا؟ لقد خسرت كل شيء.

خرج الحاج (سالم) من قاعة المحكمة وقال للدكتور (حسن) :
- لا ترحل يا دكتور....سأعوضك عن كل ما خسرته..ولكن أرجوك...لا ترحل.

   أن يد الخير تبنى ...

  والذي يبنى بيده سعادة الآخرين... لن يستطيع أحد أن يهزمه أبدا ...

***

تمت بحمد لله

أرجو أن تنال إعجابكم
في انتظار آراؤكم وتعليقكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الاشتياق بقلم أبو خيري العبادي

بقلمي.......الاشتياق هل تشتاق لها..؟ نعم وهل هي اليك تشاق ..؟ لا أظن أنها تشتاق أبقى طول ليلي حنينا اليها لاتطبق الاجفان لو كانت كما أعيش ال...