الجمعة، 18 أكتوبر 2024

لا راحة في الدنيا بقلم علوي القاضي

 لا راحة في الدنيا 1

رؤية وخواطر : د/ علوي القاضي

... يلخص الإمام (على بن أبى طالب) الدنيا فيقول : وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، لأن الدنيا ،، إذا أقبلت عليها أدبرت ، وإذا أدبرت عنها أقبلت ،، وإذا حَلَّت أوحلَت ،، وإذا جَلَت أوجلَت ،، وإذا خلت تخلّت ،، وإذا غَلت أوغَلت ،، وإذا كست أوكَست ،، وإذا أوشكت شكَت ،، وإذا أقبلت بلَت ،، وإذا جفت أوجَفت ،، وإذا أينعت نعت ،، وإذا ظلّت أظلَّت ،، وإذا دلّت أضلّت ،، وإذا هلّت هَلَت ،، وإذا دنت أودَنت ،، وإذا هانت أهانَت ،، وإذا دَعَت وَدَّعت ،، وإذا تواعدَت تباعدَت ،، وإذا ملأتكَ ملكتكَ ،ثم أكلتك ، وركَلتكَ ،، وإذا نقلَتك ثكَلتكَ ،، وإذا وكّلتك وكّلتكَ ،، وإذا أغرتك غرَّتكَ ،، وإذا عزّتك عزلتكَ ،، وإذا سرّتك أسَرتكَ ،، وكم من عاشق فيها ، عاش في سلامات ، ولما سلا ، مات ،، وكم من صاحب إبتسامات ، ولما إبتأس مات ،، وكم من ملك فيها ، رفعت له علامات ولما علا ، مات ،، وكم فيها من عاشق للخير ، له كرامات فلما كرا ، مات ،، وكم من مستبد من العتاة ، رفعت له القبعات ، كلها ساعات نام ، ولم يصح من سبات ،، وكم من يوم ، كان بالماضي به أعياد ، فلما عاد ما عاد به تواد ، بل عاد وبه الأحقاد ،، وكم ظلم ساد ، وانتشر الإستعباد في عموم البلاد ، والحصيلة أن الحصاد كان هو إنتشار الفساد ونقص الزاد عن العباد ،، وكم من حبيب أو قريب قدمت له روحك ، كلما قال هات ، وبقيت أنت تجاهه على ثبات ، ولما احتجته بوقت مؤات ، قال إذهب واقتَت من الفُتات ،، وكم صديق فضّلته على الذات كان في عطش ، وتشرد وشتات ومحرومًا من الملذات ، أسكنته أنت بالذات ، وأسقيته الماء الفرات ، فأسقاك الماء الآسن الآجن وزودك بدموع وٱهات ،، فإن كنت متماديًا باللهو أمسِك ، فالدنيا تسير بعكسِك ، ولاتهتم بوكسِك ، وتذهب عنك كذهاب أمسِك

... منذ هبوط ٱدم من (الجنة) حيث الراحة والنعيم إلى (الأرض) حيث الشقاء والكبد والمشقة ، وهو يبحث عن شىء لم يخلق فى هذه الدنيا وهو (الراحة) ، لأن الله لم يخلق الراحة فى الدنيا بل  فى الٱخرة ، فالدنيا دار شقاء (ولقد خلقنا الإنسان فى كبد) ، فالطفل يتمنى الكبر ، والشاب يتمنى أن يعود طفلا ، والشيخ يقول ليت الشباب يعود يوما ، والمتزوج يقول ياليتنى لم أتزوج ، والمتزوج بواحدة يريد الزواج بأخرى ، كل هذه الأماني بحثا عن الراحة وغير ذلك ، ونحن جميعا نعلم أن الراحة فى الجنة فقط ، فالسيدة مريم عندما حملت قالت (ياليتنى مت قبل هذا) ولاتعلم أن فى بطنها نبى ، كفانا بحثا عن شىء ليس له وجود فى الدنيا ، فافعل ياابن ٱدم ماشئت ، فستخرج منها كما جئت

... أخي الكريم يجب أن تقتنع أن الدنيا دار بلاء ، وأنت تعيش فيها لكي تُبتلى مهما توهمت أنك ستعيش سعيدا طول الوقت ، لا ، فأنت ستمر بفترات كلها إبتلاءات ، وكلما كبرت ستدرِك حقيقة الدنيا ، أن الأصل فيها الشقاء والإبتلاء ، وليس الراحة والسعادة ، وأن الشيطان يريد أن يقنعك بغير ذلك من أجل تحقيق هدفه وهو أن تنقم على حياتك ، لكن الحقيقة الأزلية أنه لاراحة في والدنيا دار شقاء ، من المؤكد أنه يتخللها أشياء جميلة تصبرنا على تلك الإبتلاءات التي نمُر بها ، وأحيانا يُسر يأتي مع العُسر فيهونه ، لكن الأصل أننا نختبر ، لذلك يجب أن تتمنى أن الإختبار يكون على قدر مقدرتك ، ويجعلك صابر وراض وقانع بجميع أقدارالله 

... الحقيقة التي لا خلاف عليها أن الدنيا ليست للراحة ، لأنها دار شقاء وعناء ، وليس فيها سعادة لأنها خلقت للٱخرة فقط ، ( لقد خلقنا الانسان في كبد ) ، (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ فَلَهُۥۤ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ) ، (مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَاكَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ) ، انتبه لهذه الٱيات لما تحمل من تصورات ومعاني للحياة

... وبناء على ماتقدم من ٱيات ، كان هناك رأي ٱخر لبعض (المفكرين) وهو ، إذا قال لك أحدهم (مهما بلغ من العلم) أن الدنيا دار عذاب ودار شقاء ودار إبتلاء (بمفهومه السلبي) ، فلا تصدقه أبدا ،، وإن كنت مقتنع بهذه القناعة الخطيرة فانسفها من عقلك فورا ، لأنك بسببها ستعاني الكثير ، فطالما هي قناعتك ، وهذا هو ظنك بالله فسوف تلقاه في حياتك ، فالله عند ظن عبده به ، إن خيرا فخير وإن كان شرا فشر ، وكيف تصدق ذلك ، وكيف تتبنى هذه القناعة من بشر ، وتنسى كلام رب البشر  (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الۡيُسۡرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الۡعُسۡرَ) ، وقوله (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) ، وأصحاب هذا الرأي يروا أن المشكلة تكمن في أن من يسير في هذه الدنيا بغير علم ، يقع في مشاكل ، ويقابل صعوبات شديدة ، يظن بعدها أن الدنيا دار عذاب وشقاء ومشاكل ، مع أن الله قال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، عندها ستكون الحياة أسهل مايمكن ، وإن لم يتيسر لك الوصول لأهل الذكر ، فاعلم أن لكل هدف طريق سهل ويسير جدا ، فاسأل الله أن يهديك له ، وحتما ستجده ، ولذلك أمرك ربك (17) مرة في اليوم أن تقول (اهدنا الصراط المستقيم) ، فهل بعد ذلك تقول أن الحياة عذاب أو جحيم أو شقاء ؟! ، وكذلك يروا أن مجتمعاتنا العربية الآن تحتاج إلى إعادة برمجة فكرية لٱلاف القناعات الخاطئة عن الله وعن الدنيا وعن الحياة ، لايدرون من أين جاءت ، لكنهم يعتقدون أنه لاأساس لها من الصحة في مراجعنا الدينية  ، وينصحونا أن نرجع إلى المصدر لننعم دائما بحياتنا ، وننسى الخوف والضيق واليأس والألم مدى الحياة

... وإلى لقاء في الجزء الثاني إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

رسالة عشق بقلم عادل هاتف السعدي

  رسالة عشق أحتاجُكِ عِشقاً يهزمُّ أعذاري يرمينيي قُبالة عينيكِ  بلا مكرٍ  عاقلةً  أفكاري هاربةً كلماتي باكيةً أشعاري وتكوني مالكةً  عمري وم...