بقلمي : د/ علوي القاضي
... من أغرب المذاهب والمدارس الفلسفية (مدرسة الكلبيين) ورائدها الفيلسوف (ديوجين الكلبي) الذي إشتهر بٱراءه المتمردة ، لذلك يعتبره الدارسون أشهر الفلاسفة المتمردين !
... وكل ما نعرفه عن هذا الفيلسوف أنه كان يمسك في يده (فانوس) ويخرج به في ضوء النهار ، وعندما يسأله المارة وهم يضحكون ويسخرون منه ، عن أي شيء تبحث ؟! ، يجيبهم أنه يبحث عن إنسان ! وكان يعيش في (برميل)
... ولد (ديوجين الكلبي) 413 قبل الميلاد ، في مدينة سينوب التركية ، وسمي (الكلبي) لأن الكلب كان شعار جماعتة الفلسفية التي أسسها ، فقد كان يؤمن أن الحكمة لا تتحقق إلا بالحرية
... وخلاصة (مدرسة الكلبيين الفلسفية) أن العلم النظري لامعنى لوجوده ، فالعلم العملي هو وحده الذي يجب أن يؤمن به الإنسان ، وأن هدف الفلسفة أن تسلح الإنسان بالفضيلة التي تؤدي إلى السعادة والتي هي غاية الحياة ، والفضيلة هي الخير الوحيد ، مثلما أن الرذيلة هي الشر الوحيد
... حاول (ديوجين الكلبي) أن يقلد أستاذه (سقراط) ، فكان بالفكر الجريء ، والإستقلال في الرأي ، والسخرية من المجتمع ، والإزدراء من الثروات والمناصب ، مناديا بالحياة الطبيعية
... وكان دائما حافي القدمين ، ولايضع على جسده سوى معطف قديم ، وقد إختار أن يسكن في (برميل)
... ويقال أنه شاهد ذات يوم صبي يشرب الماء من راحة يده ، فكسر إنائه وقال (هذا الصبي يعلمني أنني لازلت أحتفظ بما يفيض من حاجتي)
... وكان (ديوجين) يستمتع بلقب (الكلبي) لأنه أراد حياة بسيطة فطرية كالحيوانات
... ويبدو أن صدقه وبساطتة في حياته قد حازت على إعجاب أهالي أثينا الذين كانوا يمدحوه برغم (مظهره المزري ، وشعار الكلب لفلسفته)
... وسبب تسمية مذهبه ب (الكلبيين) أنه كان يريد أن يفهم الآخرين بأن مايتعلمه الإنسان من (الكلب) أكثر مما يتعلمه من الفلاسفة ، ف (الكلب) حسب رأي (ديوجين) كائن يعيش في الحاضر ولا يهتم بالمستقبل ، وهو يستطيع أن يأكل أي شيء يجده ، كما أنه لن يجادل كثيرا بشأن المكان الذي سينام فيه ، وهو خلافا للبشر الذين يتملقون ويكذبون ويجاملون ، ولايتردد في أن ينبح في وجه أي شخص يثير الشبهات ، ولهذا كان (ديوجين) يشعر بالسعادة حين يطلق عليه لقب (الفيلسوف النباح) ، فقد عاش ينبح في وجه معاصريه وفي وجه كل القيم التي تثير الشكوك
... ويؤمن (ديوجين) أن على الإنسان أن يقول (لا) حين يجب أن يقولها ، أما إذا قال (نعم) في وقت كان عليه أن تقول (لا) ، فإنه يحول نفسه إلى شخص لايمكنه إلا أن يقول (نعم) ، حتى حين يكون هذا هو الوقت الذي يجب عليه أن يقول (لا)
... عاصر (ديوجين) ، (أفلاطون) ، وكان يسخر من دروسه ، ومن تصوره للٱلهة والإنسان ، (أفلاطون) كان يُعرّف الإنسان بكونه حيوان بدون ريش ، مما جعل (ديوجين) يحضر ديكاً بعد نزع ريشه ، ورماه في وجهه ، ثم قال له ساخراً (هاهو إنسانك !) ورغم حالة العداء بينهما ، إلا أن أفلاطون كان يحترم غريمه ، ويطلق عليه لقب (سقراط المجنون)
... وتتحدث بعض كتب تاريخ الفلسفة أن (الإسكندر الأكبر) ، مر بأثينا فأثار إنتباهه (ديوجين) القابع في جوف (برميله) ، ف إقترب منه ، وسأله عما يبحث ، فأجابه (ديوجين) ، (أنا أبحث عن عظام أبيك ، لكني لا أستطيع التمييز بينها وبين عظام العبيد)
... ويقال أن (الإسكندر) مر يوما ب (ديوجين) فوجده جالسا في برميله يستحم بأشعة الشمس ، فوقف (الإسكندر) أمامه قائلاً ، أنا الملك (الإسكندر الكبير) ، فرد عليه (ديوجين) ، وأنا (ديوجين الكلبي) ، فقال له (الإسكندر) ألست خائفا مني؟! فرد عليه (ديوجين) ، وهل أنت رجل صالح أم شرير ؟! فقال له (الإسكندر) ، بل أنا رجل صالح ، فرد عليه (ديوجين) ومن يخاف من الرجل الصالح إذًا ؟! ، ثم سأله (الإسكندر) هل تعيش في هذا البرميل فقط لكي تلفت إنتباه الناس وإعجابهم بك ؟! ، فأجابه (ديوجين) ، وهل فعلا تريد أنت فتح بلاد فارس وتوحيد كل بلاد الإغريق ، أم تفعل ذلك فقط لتنال الإعجاب ؟! إبتسم (الإسكندر) وقال ، هذا البرميل مليء بالحكمة ، فقال (ديوجين) ، أتمني لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة نقطة واحدة من الحظ الجيد ، للحكمة طعم مر ، أحيانا تؤدي بك إلي الهلاك ، بينما الحظ يفتح لك أبوابا ويحقق لك السعادة ما كنت تحلم بها ! ، أعجب (الإسكندر) بكلام ديوجين ، ثم أخبره أن يطلب منه مايشاء ليلبيه له ، فأجابه (ديوجين) بهدوء أريد منك شيئًا واحدًا إنك الآن تقف أمامي وتحجب عني أشعة الشمس ، لذا لا تحرمني من الشيء الوحيد الذي لاتستطيع منحي إياه ، لاتحجب شمسي بظلك ! ، فاستغرق (الإسكندر) في الضحك وقال ، لو لم أكن الإسكندر لفضلت أن أكون (ديوجين) ، فرد (ديوجين) بكلام ساخر ، ولو لم أكن (ديوجين) لفضلت أن أكون أي رجل آخر سوى (الإسكندر)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق