دراسة وتحليل : د/علوي القاضي..
... وصلا بما سبق ، فإن هناك مقولة تعلمناها منذ نعومة أظافرنا وهي أن (القلب السليم في العقل السليم) و (العقل السليم في الجسم السليم) ، لذلك كان لزاما علينا دراسة أعمق لأسرار القلب والعقل ، والإجابة على التساؤلات ، هل القلب هو الذي يحرك العقل ؟! أم العقل هو الذي يوجه القلب؟! ، وهل مشاعرنا تتحكم في قراراتنا ؟! ، أم التفكير العقلاني هو الذي يضبط مشاعرنا ؟! ، لو قلبك حدثك بشئ وعقلك قال شئ ٱخر لمن تستجيب ؟!
... تصوروا كيف أن العلاقة المُعقدة بين العقل والقلب ممكن أن تؤثر على صحتنا النفسية والجسدية ؟! وهل ممكن أن نصل للتوازن المثالي بين الاثنين ؟! ، أسئلة كثيرة تحتاج منا الإجابة لضبط سلوكياتنا ومشاعرنا تجاه الٱخرين
... إجتماعيا ، فإن أكثر مايجذب إنتباه الرجل للمرأة ويُميله نحوها بعد الجمال الشكلي والحُسن الظاهري (العقل) ، بمعنى أن تكون إمرأة عاقلة ، ولا نعني هنا (العقلَ الغريزي) طبعا ، فهذا مناط التكليف لا يكاد يخلو منه أحد ، وإنما نعني (العقل المكتسب) الذي يظهر في حسن التدبير ، والتأني للأشياء ، والذكاء الفطري ، والإعتدال في ردود الأفعال ، وحُسن المنطق ، وفهْم طبيعة الطرَف الآخر ، والإستطاعة على إستيعابه والتعامل معه
... وهذا (التعقُّل المكتسب) ليس مرادفا لكثرة القراءة والثقافة وكتابة المنشورات العلمية والأدبية ، ولاهذه الأشياء تدلّ عليه دلالة قريبة أو بعيدة ، فكونُ المرأة مثقفةً وذات لسانٍ وبيان ولديها إطلاع واسع في الأدب أو في تخصُّصها العلمي هذا شيء ، وكونها عاقلة (سلوكيا) بالمعنى الذي ذكرتُه هذا شيء آخر تماما ، نعم ليسا مُتعارضَين ، ولكنهما أيضا غير متلازِمَين ، وقليل جدا من النساء مَن تكون لديهن هذه المَوهبة ، ف (العقل المكتسب) بهذا المعنى المذكور إذا فُقِد من المرأة فإن كانت جميلة حسناء نزَل جمالها إلى درجة النصف وربما أكثر ، وإذا وُجد فيها إرتفعت كثيرا على نظائرها وإن كُنّ أكثر منها حُسنا ظاهريا
... والرجولة لاتختلف عن الأنوثة في شئ فكلنا بشر ، هذه الرجولة تظل ناقصة ومشوبة بالفراغات والتفاهات ما لم تعمل في فضاء العقل والفكر ، وقد تتحدث إلى جميلات كثيرات في حياتك وَتجد معظمهن ساذجات إلى حد القرف ، وإلى الحد الذي يتحول فيه الجمال الظاهر فيهن إلى صورة رديئة عن الجمال ، وأظن أن (ملكة جمال العالم) تظل مرغوبة دائما إلى حد الجنون ، من عدد كبير من المفكرين والفلاسفة والشعراء والفنانين لأنها ولجت وأكملت هذه الدائرة من الأنوثة ، عندما إستطاعت أن تفكر وتكتب وتحاور ، فصار الجمال الخارجي فيها مرآةً تتبلور عبرها الصُور المختلفة والمتعددة من الجمال والإبداع العقلي ، حتى صار من يراها يعشقها مباشرةً ، فالأنوثة الكاملة ظاهرا وباطنا مدعاة للعشق والوله
... ولا أظن أن هناك ثمة شيء أجمل من إنسان يستطيع أن يجلس ويتحدث في الفلسفة والشعر والأدب والتاريخ ، ويُقلب أطراف الكلمات بين هذه الأجواء بخفة ورشاقة ، وأن رجلًا يتباهى بالرجولة أو إمرأة تتباهى بالأنوثة ومحصل هذه الرجولة أو الأنوثة هو قوام جميل أو أملاك كثيرة وعقل فارغ ولسان فقير لغويًا ، فهذا تحصيل لا يعول عليه ، ولا يستحق الثناء والتبجيل ولا الإحترام أيضًا
... ولاشك أن العقل أسمى مافي الإنسان لأنه مناط التكليف ، فقد رفع القلم عن ثلاث ، أحدهم المجنون حتى يفيق ، وهو من أعظم أنواع الرزق لأنه وسيلة الهداية بعد توفيق الله سبحانه وتعالى
... ولا يكفي وجود (العقل) مع (فطرة منتكسة) لا تميز بين (الخبيث والطيب) ، (الحلال والحرام) ، (الخير والشر) ، (الحق والباطل) ، تلك الفطرة التي تحتاج لجهد كبير حتى تستقيم ولذلك قال الله ( قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها ) ، وهنا تظهر أخطر وأقوى معركة ممكن نخوضها في حياتنا ، وهي معركة تنوير عقول مظلمة وفطرة منتكسة وأفكار عقيمة ، والتي تكون كالصخر في صلابتها وفي محاربتها بكل سبل التنوير والإصلاح ولكن الحقيقة التي لاشك فيها أن أصحاب المبادئ والأهداف النبيلة لايعرفون اليأس ولا الإستسلام فكثير من الناس أحياء ولكنهم أموات ، فدائما إجعل لك هدفا نبيلا وابحث عن النور أينما حل الظلام
... وعلماء النفس أجابوا عن السؤال ، هل العقل ضد (العاطفة) أو بمعنى ٱخر ، هل أنت عاطفي أم عقلاني في سلوكك ؟! ، من المعلوم أن البشر نوعان في اتخاذ القرارات ، (عاطفيون وعقلانيون) ، فعند (التفكير) في قرار نغلب العقل ٨٠% لكن عند (اتخاذ) القرار يكون للعاطفة ٨٠% ! ، فنحن عادة نغلب مانميل إليه ، أحيانا تجد نفسك في علاقة فاشلة أومشروع خاسر ، ف (العاطفيون) يترددون ويغلبون المشاعر ويستمرون في إرضاء الآخر فيزداد الأمر سوءا مع الأيام ، أما (العقلانيون) إنفعاليون في تطبيق قوانين البشر التي يحسنون حسابها بالمنطق ، وأحيانا يجبرهم العقل على وضع خطة لتحسين الموقف
... لذلك فكل منا يجمع بين الجانبين (العاطفي) و (العقلاني) لكن عادة نغلب عند اتخاذ القرار أحدهما
... فالمطلوب تأهيل التوازن والتدريب على الجانب الضعيف وتأهيل القدرتين معا على إتخاذ القرار
... وفي مجال الإدارة ، نجد أن (المدير العاطفي) يرفض فصل موظف فاشل يؤخر العمل لأنه مسؤول عن أسرة ، و (الزوج العقلاني) الذي أجرى حوارا مع زوجته بعد إكتشاف أنها تسرق من ماله و ظلت تكذب عليه ، ولم ينظر لكرامته فقط
... أخي الكريم هل أنت عاطفي أم عقلاني وهل أنت نادم على قراراتك ؟!
... ويقسم الفلاسفة العقل إلى (عقلين) ، العقل (الغريزي) ، وهو بمعنى القَدر المشترك من الإدراك ، الحاصل لجميع بني آدم ، به يستطيع الإنسان أن يُفرّق بين التمرة والجمرة مثلا ، وبين الدينار والحَجر ، أويعرف أن هذا طويل وهذا قصير ، وأن هذا حارّ وهذا بارد ، ونحو ذلك ، وهذا القدر هو مناط التكليف ، وهو الذي رتَّب عليه الشرع الأوامر والنواهي ، وهذا النوع من العقل غير مكتسب ، بل هو مُودَع في ذات الإنسان بالقهر الإلهي ، والعقل (التجريبي) ، وهو مُكتسَب بكثرة التجارب وطول الخِبرات ، والتأمل في الأشباه والنظائر ، وفيه يتفاضل الناس ويتفاوتون ، تبعًا لتفاوتهم في كثرة العلم وقوة التحصيل ، الذي من شأنه أن يُنمّي هذا النوع من العقول ، وهذا النوع هو الذي يقال فيه فلان ذكيّ ، وفلان غبيّ ، وفلان أكمل عقلا من فلان ، وفلان ناقص العقل ، وهكذا
... وإلى لقاء في الجزء الرابع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق