الخنساء
بقلمي : د/ علوي القاضي
... كانت وحيدة أبويها وكانوا لها صمام أمان في كل حياتها
... من فرط حب أبيها لها كان يصحبها معه أثناء عمله ، حيث كان يعمل على ظهر سفينة
... كانت تنتظره يوميا في الميناء لتقدم له ماجهزته أمها من طعام وشراب حتى أصبحت أيقونة لكل من يشاهدها منتظرة والدها ناهيك عن مداعبات زملاء أبيها التي شملتها بالحب والحنان
... السيدة التي في الصورة أهل بلدتها لقبوها ب (صاحبة الصبر الفولاذى) ومن فرط تعجبهم وإعجابهم بها أقاموا لها تمثالا لتجسيد ذكراها وتخليدا لقصتها
... كانت وحيدة أبيها الذي كان يصطحبها معه مع كل إشراقة شمس أثناء عمله ، وغمرها بحبه وحنانه ، عاشت معه أياما كلها أمل وإشراق ، وفي يوم لم تشرق شمسه ، فوجئت بزملائه يحملوه إلى بيته ميتا على أثر حادث ، وكانت الصدمة الكبري حينما أخبروها أن أباها كان يخطط لزفافها على شاب كان يعمل معه
... في سن 14 سنة وقعت فى حب هذا الشاب الوسيم ، الذى كان يعمل مع والدها
... ومنذ ذلك الحين بدأت قصة عشق عظيمة فكانت تري فيه صورة أبيها في شبابه ووجدت فيه تعويضا عن حنان أبيها ، إنتهت العلاقة بالزواج بهذا الشاب
... كانت تنتظر كل يوم زوجها عند الميناء كما كانت تفعل مع أبيها لكي تعطيه الطعام والماء البارد عندما تمر سفينتة !
... وكانت تحرص على صعود السفينة حتى تعطيه الطعام وتقبله وتدعو له أن يحفظه الرب ويسهل طريقه ، هذا كان يجعل رد فعل زملاءه في السفينه رائعا وجميلا مصحوبا بالتصفيق !
... كل سكان القرية شاهدوا قصة الحب العظيمة تكبر يوما بعد يوم
... بعد سنتين رزقا بطفل ، ولم تتوقف عن عادة إنتظارها لزوجها بل كانت تنتظره مع طفلهما فى نفس الميناء كما كانت تنتظر والدها
... وفى يوم أسود كئيب كقطع الليل المظلم ذهبت هى وطفلها تنتظر زوجها بالطعام والشراب والدعاء كعادتها ، لكن هذا اليوم كان مختلفا لأن السفينة لم تأت ، وبعد ساعات من التوتر والبحث فى كل مكان تم إبلاغها بمقتل زوجها في حادث تصادم السفينه في جبل جليدي
... أصيبت بصدمة لأنها لم تنسى والدها والٱن تفقد زوجها وأصيبت بحالة نفسية سيئة جداً ، ودخلت بسببها مستشفى الأمراض العصبية للعلاج
... إلا أنها لم تستسلم للحزن والقهر حتى تعيش ما تبقى من عمرها لإبنها
... وفعلا" عاشت لإبنها فرفضت كل عروض الزواج التي عرضت عليها
... كبر الإبن وأصبح شابا ، وحتى يرضى أمه تقدم لوظيفة عامل علي نفس السفينة وفى نفس الميناء الذي كان والده وجده يعملا فيه ، وإستلم الإبن الوظيفة وكانت فرحة أمه لاتوصف بأى كلمات
... وبدأت تذهب من جديد لنفس الميناء بالطعام والماء ، لم تكن تنتظر والدها ولازوجها ، ولكن هذه المرة كانت تنتظر إبنها وتتذكر حب عمرها عندما كانت تنتظر حبيبها ، ولكن الفرق الوحيد هو أن إبنها هو الذي كان ينزل من السفينة لكي يقبل يد أمه ورأسها ويدعو لها بالصحة وطول العمر ، ويأخد منها الطعام والماء ثم يكمل طريقه
... تمر السنون سريعاً وتحصل صدمة فظيعة للأم وهى أن إبنها تعرض لحادث وتوفى على أثره فى الحال !
... هذه الصدمة أثرت على الأم وجعلتها تدخل في حالة نفسية صعبة لم يعرف حلها ، فقد سبق أن فقدت أبيها ثم زوجها ثم فلذة كبدها
... إستمرت كل يوم تذهب لنفس الميناء وتنتظر المجهول ، وتنادي على أبيها تارة وعلى زوجها تارة أخرى ثم على إبنها ، ثم تنهمر في البكاء حتى يغشى عليها ويتقدم الناس لإنقاذها !
... كانت تختلي بنفسها وتهيج عليها الذكريات منذ أن كانت طفلة مع أبيها ثم شابة مع زوجها ثم عجوز مع إبنها
... تذكرت وهي طفلة حينما ضاع حذاءها في البحر فكتبت على السّاحل ، إنّك أيها البحر لصّ !
... وتذكرت صديق والدها الصيّاد حينما رزق بالكثير من السّمك ، فكتب على السّاحل إنّك أيها البحر سخي !
... وتذكرت حينما غرق شاب في البحر فكتبت أمه الثكلى على السّاحل إنّك أيها البحر قاتل ! كما قتل أباها وزوجها وإبنها
... وتذكرت رجلا إستخرج لؤلؤة من البحر فكتب على السّاحل إنّك أيها البحر كريم !
... ثم جاء الموج العالي وغسل كل ما كُتٍب على السّاحل ، وكأن البحر يقول لهم ، لاأهتم لكلامكم فأنا بحر أحمل كل هذه الصفات
... الصدمات لها أن تغير حياة الإنسان تماماً ولكن بالصبر والإيمان يمكن تجاوز كل صعب وبشكر الله دائما على حالنا لأن هناك من ظروفهم أصعب من ظروفنا ويتعاملون معها بصمت ، وهدوء ، ورضى بقضاء الله وقدره
... بلغت الأم الثكلى 80 عاما وبقيت قصتها من أشهر قصص الحب والإخلاص والوفاء في العالم
... ماتت الأم لتلحق بأبيها وزوجها وإبنها
... أقاموا لها تمثالا تخليدا لذكراها عند الميناء وأصبحوا يتناقلون قصتها عبر الأجيال
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق