الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين بقلم علوي القاضي

(5)فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين(5)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق واستكمالا لرؤية الفلاسفة وعلماء النفس والإجتماع في اللذة والألم ، كفكر وسلوك بشري يؤثر في حركة حياة البشر ويربطها بالذات الإنسانية وبالخير والشر 
... فالإنسان بفطرته يندفع نحو تحقيق منفعته الخاصة ، ولهذا فضل (بنتام) (المنفعة الخاصة على العامة) ، أما (جون ستيوارت ميل) ورغم إتفاقه مع (بنتام) في المبادئ العامة لـ (مذهب المنفعة) إلى أنه فضل (المنفعة العامة) على (الخاصة) ، وبذلك تقوم الأخلاق بتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس ، وبهذا فـ (المنفعة) غاية الأفعال الإنسانية الأخلاقية ومعيارها
... ولكن مع التسليم بأن القيم الأخلاقية متغيرة وهذا أمر يفرضه الواقع إلا أنه لاينبغي النظر إلى القيم الأخلاقية بوصفها قيم متغيرة ونسبية ، لأن في هذا زعزعة للأخلاق برمتها ، كما أن القائلين بـ (اللذة) سواء كانت فردية أو جماعية قد وُصِفوا بأنهم يضحون بالأعلى في سبيل الأدنى ، كما أنهم لايميزون بين الثابت والمتغير ، ولا بين النسبي والمطلق ، لأن القيم الأخلاقية قيم ثابتة ومطلقة ، والأخذ بـ (اللذة والمنفعة) كمقياس لها يجعلها متغيرة ونسبية ، فيصبح الفعل الواحد خيراً وشراً في الوقت نفسه ، (خيراً) عند هذا إذا حقق له لذة أو منفعة ، و (شراً) عند ذاك إذا لم يحقق أيا منهما ، ثم إن المنافع متعارضة فما ينفعني قد لاينفع غيري بالضرورة ، وأخيرا فإن ربط الأخلاق باللذة والمنفعة يحط من قيمة الأخلاق والإنسان معا ، فتصبح الأخلاق مجرد وسيلة لتحقيق الغايات ، كما يصبح الإنسان في مستوى واحد مع الحيوان 
... ثم إن المدرسة الإجتماعية بالغت كثيرا في تقدير المجتمع والإعلاء من شأنه ، وفي المقابل قللت من أهمية الفرد ودوره في صنع الأخلاق ، والتاريخ يثبت أن أفرادا مثل (الأنبياء والمصلحين) كانوا مصدراً لقيم أخلاقية ساعدت المجتمعات على النهوض والتقدم ، ومن جهة ثانية فالواقع يثبت أن القيم الأخلاقية تتباين حتى داخل المجتمع الواحد ، وكذلك تختلف من عصر إلى آخر ، ولو كان المجتمع مصدرا للأخلاق لكانت ثابتة فيه ولزال الإختلاف بين أفراد المجتمع الواحد ، وهذا ماجعل (برجسون) يصف الأخلاق الإجتماعية بأنها أخلاق مغلقة
... وتتلخص فلسفة (أسبينوزا) في إرتباط العلاقة بين اللذة والسعادة بالسلوك الأخلاقي ، بأنه إتخذ السعادة غرضا للأخلاق ، وعرف السعادة بأنها وجود اللذة وانتفاء الألم ، ولكن اللذة والألم نسبيان وليسا مطلقين بل ليست اللذة والألم حالتين معينتين ولكنها حالتا إنتقال فـ (اللذة هي إنتقال الإنسان من حالة (كمال أدنى) إلى حالة (أعظم كمالا) والعكس بالنسبة للألم فهو إنتقال الإنسان من حالة (كمال أعظم) إلى أخرى (أقل كمالا) ويقول (أسبينوزا) ، أنا أفهم العاطفة ، وأوضاع الجسد التي تزيد فيه أو تنقص منه قوة العمل ، والتي تعاون أو تعطل هذه القوة ، وأفهم منها في الوقت نفسه الأفكار والتصورات التي تصحب تلك الأوضاع ، فالعاطفة أو الشعور لايكون خيرا أو شرا في نفسه ، ولكن بمقدار ماينقص من قوتنا أو يزيد ، ويضيف (أسبينوزا) ، إني قد أعني معنى واحد من لفظتي القوة ، والفضيلة ، إذ الفضيلة عندي إنما هي قوة العمل ، وإذن فهي ضرب من القوة ، (فكلما إستطاع الإنسان أن يحتفظ ببقائه وأن يبحث عما ينفعه كان قسطه من الفضيلة أعظم)  
... ولايطلب (أسبينوزا) من الإنسان أن يضحي بنفسه من أجل غيره ، بل الأنانية عنده نتيجة لازمة للغريزة العليا ، غريزة الإحتفاظ بالذات ، (ولايمكن لإنسان أن يترك شيئا يعلم أنه خير له إلا إذا كان يؤمل خيرا أكبر منه) ، وفي رأيه أنه لواجب على الإنسان أن يحب نفسه ، وأن يلتمس ماينفعه ، وأن يبحث عما ينتقل به إلى حالة أكمل من حالته ، ولاخطر من حب الإنسان لنفسه ما دام العقل لايطلب شيئا يعارض سير الطبيعة  
... وقد كان لـ (فرويد) رأيٌ ٱخر فقد إستعار (قانون الثبات) عن (فخنر) ، وبمقتضاه ، فإنه يرى أن الأحوال النفسية عند آحاد الناس تميل باستمرار إلى أن تتوازن وتستقر ، فكلما كانت هناك إستثارة نفسية ترتب عليها توتر ، فإن هذا التوتر يميل إلى أن ينخفض إن لم يكن يتلاشى ، وكان فرويد قد نبه إلى أن التوتر يستحدث الألم ، بينما خفض التوتر يستحدث اللذة ، ثم رأى أن يجمع بين اللذة والألم ، فبوجودهما معا يكون التوازن النفسي والإستقرار الإنفعالي ، ويستتبع ذلك توازن غريزتي (الإيروس أو الحب) و (الثاناتوس أو الموت والتدمير) ، والإثنتان معا يصنعان مبدأ اللذة الألم ، أو مبدأ (النيرفانا) أي الثبات والإستقرار والتوازن
... وهذا المبدأ يشبه مفهوم (كانون) الفسيولوجي الإتزاني ، الذي يقول بأن الكائن الحي لديه النزعة إلى التوازن والإستقرار الداخلي ، باعتبار أن هذا التوازن مطلوب في الكائن الحي على المستوى الفسيولوجي والعصبي والنفسي ، وفي البيئة الخارجية التي يمكن أن تؤثر على حالة التوازن في الجسم أو التوازن النفسي بشكل عام
... وإلى لقاء في الجزء السادس إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

فلكِ قصائدي بقلم علاء فتحي همام ،،

فلكِ قصائدي / أهيم تائها بخيالها   وجمالها يجول ويُصخِب يدنو نحوي يُداعبني ولعينيّا يُسامِر ويَجذِب والدموع تشكو فِراقا  فنهر العشق لا يَنض...