دراسة وتحليل : د/علوي القاضي..
... وصلا بماسبق وبعد أن أدلى الفلاسفة بدلوهم في تعريف (اللذة والألم) وارتباطهما بالأخلاق ونظرية (الخير والشر) ونظرية (المنفعة) ، فقد دخلت منظمة الصحة العالمية على الخط ووضعت تعريفا دقيقا لـ (الألم)
... وتُعرٍفُ منظمة الصحة العالمية (الألمَ) ، بأنهُ : .. تجربةٌ حسِيَةٌ وعاطِفيةٌ بغيضَة مُتعلِقةٌ بِضررٍ نسيجيٍ فِعليٍ أوكامنٍ أوموصوف
.. و (الألمُ) عادةً ، هو (إحساسٌ) أوشعورٌ سلبٌي بالمُعاناة وبُعدِ السعادة
.. وقد يكونُ (مادياً) كالصُداعِ أوالمغص أو (معنوياً) كالحُزنِ والقلق بِحسَبِ العوامِل التي تسبِبُه
.. وللألمِ (وظيفةٌ) هامةٌ جداً وهي التنبيهُ بوجودِ مرضٍ مُعيَن أوإختِلالِ التوازُنِ الطبيعيِ بالجِسم ، فهيَ بذلكَ تُمثِلُ صرخَةَ إستِغاثة طلبا لحمايَةِ الإنسان لنفسه ، والحِفاظِ على توازُنِ أجهزةِ الجسمِ المُختَلِفة
.. فالألمُ الذي نُعاني منه عندَ لمسِ شيئٍ ساخِن يُنبِهُنا لإبعادِ أيدينا عن مصدرِ الحرارة ، والألم الذي نشعُر به عندإلتواءِ القدم يمنعُنا من تحرِيكِها وبالتالي يَحُدُ من تفاقُمِ الضرر ، وألم الصدر عند حدوث ذبحة صدرية تنبهنا لسرعة التدخل
... وعلى الجانب الٱخر وبعد وضع تعريف لـ (الألم) من قبل منظمة الصحة العالمية فقد ظهر تعريف وتفسير لـ (اللذة) من خلال (النظرية الهيدونية) في الأخلاق
... فماهي (الهيدونية) ؟! ، هي كلمة (يونانية) مشتقة من (هيدون) أي (السرور) ، ومعناها الأوسع (اللذة) ، وهي في (مبادئ الآداب) إصطلاح يشمل كل نظريات السلوك التي تتخذ صورة من (اللذة) أساسا لدستورها
... وظهرت (النظريات الهيدونية) في (الأخلاق) منذ أزمنة ، ولو أنها لم تكن جميعا ذات طابع واحد ، وأول ما أطلق هذا الإصطلاح في الفلسفة القديمة على مذهب الحلقة (القورينية) ، وكان طابعها :
.. أن (اللذة) هي الغاية من الحياة
.. وأن واجب كل (عاقل) ينحصر في نشدان اللذة ، من غير أن تستحكم اللذه فيه وتستبد به
.. وأن (القوة) هي التي تمكِّن الإنسان من التحرر من أواصر اللذة الجامحة ، وتجعله سيدًا لاعبدًا لها ، وهذه القوة تُنال من طريق الثقافة والمعرفة
... وفى كتاب (فلسفة اللذة والألم) للكاتب (اسماعيل مظهر) تتجلى الأفكار الفلسفية لـ (أرسطيس) وشقيقه ، أصحاب المذهب (القوريني) ، ويعد هذا (الكتاب) من أهم ماصدر من مؤلفات فى الفلسفة ويدور حول (مذهب اللذة ونشأته فى اليونان)
... في هذا الكتاب قال بعض الفلاسفة أن (اللذة) هى (الغاية من الحياة الإنسانية) ، فإذا أردت أن تعرف كيفية إمتلاك القدرة على توجيه اللذة وقيادتها لتحقيق أهدافك فعليك باقتناء هذا الكتاب الذى كتبه أحد رواد النهضة المؤلف (إسماعيل مظهر)
... فى هذا الكتاب (فلسفة اللذة والألم) ، تُعَدُّ قضية المركز أو (اللوجوس) هي القضيَّة الأساسيَّة في دراسة التراث الفلسفي ، فلا توجد فلسفة دون مركز ، لذلك تتعدَّد المدارس والمذاهب الفلسفيَّة بتعدد مراكز التحليل الفلسفيِّ وبؤر التحليل المعرفي ، ويُعَدُّ هذا الكتاب إطلالة مميَّزة على أحد هذه المذاهب التي جعلت من (اللذة والألم) بؤرة للتحليل ومركزًا تنطلق منه حياة الإنسان ، وتُنْسب بدايات هذا المذهب إلى الفيلسوف اليوناني (أبيقور) الذي كان يقول بأن (اللذة هي غاية الحياة) ، وأن (المعرفة لاتتحقق إلا بالحواس)
... كتاب (فلسفة اللذة والألم) ، بذل فيه مؤلفه مجهودا شديدا فهو يحمل كم هائل من المعلومات الفلسفية ، وبالرغم من الدلالات الكبيرة التي يحتويها ، وآراء العديد من الفلاسفة ، وحتى المراجع المؤخوذة منها ، إلا أن (مفهوم اللذة) يظل مشوشا ويعتمد على تجربة كل شخص في الحياة
... وأكثر ماأعجبني في هذا الكتاب هو عرض المؤلف للأفكار ونقدها بعد ذلك ، مما يقوّي حس النقد لدى القارئ
... كما يقول (أرسطوطاليس) في هذا الكتاب أن تقويم النفس يُلزمنا أن نميل تارة نحو الإفراط (الألم) وتارة نحو التفريط (التحرر من اللذة والألم) ، لأننا بهذه المثابة يمكننا بأسهل مايكون أن نصيب الوسط والخير (الحركة اللطيفة) ، فأي شيء بقي بعد ذلك من مذهب (أرسطيس) لم يدخل في مذهب أرسطوطاليس الأخلاقي ، وأي شيء في مذهب أرسطوطاليس في السعادة لم يرجع إلى هيدونية أرسطيس
... والباحث في المدرسة (الأبيقورية) ، يعرف أن (أبيقور) فيلسوف يوناني ، أسس لمدرسة فلسفية سميت بإسمه ، ومن فلسفته يقول ، لماذا أخاف من الموت فطالما أنا موجود فإن الموت لاوجود له ، وعندما يكون الموت فإني لست موجوداً ، فلماذا أخاف من ذلك الذي لاوجود له عندما أكون موجوداً
... ولذلك أسماها فلسفة اللذة ، وبالتالي (فلسفة السعادة) ، على إعتبار أن صاحب الشأن نفسه ، أصر دائما على أن غاية الحياة القصوى إنما هي السعادة ، وما تحقيق رغبات اللذة سوى الطريق الأصح لبلوغ السعادة الحقة ، إذن فان غاية الفلسفة بالنسبة لـ (إبيقور) كانت الوصول للحياة السعيدة والمطمئنة ولها خاصتين الأولى (الطمأنينة و السلام والتخلص من الخوف) والثانية (غياب الألم ، والإكتفاء الذاتي محاطاً بالأصدقاء)
... ومن فلسفة (أبيقور) : أن السعادة والألم هما مقياس الخير والشر
.. وأن (الموت) هو نهاية الجسد والروح ولهذا لاينبغي أن نٓرهبه
.. وأن (الآلهة) لاتكافئ أو تعاقب البشر
.. وأن (الكون) لانهائي وأبدي
.. وأن (أحداث) الكون تعتمد بالأساس على حركات وتفاعلات الذرات في الفراغ
.. وأن يمارس الإنسان إنسانيته على هواه شرط ألا يحدث أي ضرر بالآخرين
... ففلسفة إبيقور هنا فلسفة أخلاقية أولاً وأخيراً ، وأنا أود أن أقول أن الشر فينا نحن نوجده أو نعدمه فالشر هو مانقوم به من أخطاء وليس أحد ٱخر ، فالبشر هم المعنيون بالشر وأعمالهم هي الشر أو الخير أما كونه بمعرفته فنعم ولكن ليس بإرادته
... وإلى لقاء في الجزء الثامن إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق