تحية عطرة مفعمة بالأمل والتقدم نحو الأهداف السامية
(التنمية المستدامة جذور إشكاليات وحلول) (المحاضرة 10 )
رماز الأعرج ,,
*سديم * المركز الدولي للدراسات الفلسفية والإنسانية
د : أنواع الصراعات العنيفة و الحروب
تعريف الصراع
في معجم المعاني الجامع وجدنا كلمة صراع كما يلي , اقتباس حرفي
صراع : اسم
الجمع : صراعات
مصدر : صارع
صراع : خصومة ومنافسة , نزاع . مشادة
تصارع : تضارب الأهداف بين قوتين أو جماعتين مما يؤدي إلى الخلاف
التصارع : في علم النفس , حالة انفعالية مؤلمة تنتج عن النزاع بين الرغبات والمتضادات وعدم قضاء الحاجات
الصراع الفكري : اجتهاد كل من الأطراف المتصارعة لكسب النصرة لفرها
صراع ,, بالكسرة : مصدر صرع , اجتهاد الشخص بأن يلق من يصارعه أرضا
(انتهى الاقتباس)
وهناك الكثير من التوابع والتصريفات لهذه الكلمة ولكنا نكتفي بهذا القدر فهو يغطي حاجتنا إلية في السياق .
وفي الفلسفة أيضا لا فارق كبير بين ما هو وارد في القاموس الغوي والتعبير والمصلح الفلسفي , ولكن في الفلسفة هناك تفسيرات واضحة وأكثر دقة في التعبير , والاستعمال للمصطلحات , وفي الفلسفة وعلم الاجتماع والكثير غيرها من العلوم يستخدم هذا الاصطلاح كلا ومجاله وحاجته إليه , ولكن ألمعنا الحرفي للكلمة واضح ولا خلاف عليه , أي هي حالة فردية أو جماعية يعيشها الناس بسبب ظروف معينة , وعوامل متنوعة لا تخلو من المعاناة والجهد الكبير المادي الجسدي والنفسي ولروحي.
في الفلسفة الحديثة , وعلم المنطق يعتبر مصطلح الصراع من أهم وأكثر المصطلحات استخداما في الكثير من السياقات لا, بل هو ضروري ولا غنا عنه ولا بديل أحيانا .
كيف لا والصراع من قوانين الكون الشمولية , قانون (وحدة وصرا ع الأضداد) وقانون (التناقض الأساسي) أن جميع تناقضات المصالح الكبيرة مرشحة لتفجير صراع عنيف إذا لم تجد لها حلول بالطرق الدبلوماسية , وجميع أنواع الصراعات الاجتماعية سواء العنيفة أو التعارضية لا يمكن عزلها عن الجذر الاقتصادي والمصالح التي تشكل العصب المحرك لهذه الصراعات الاجتماعية الاقتصادية .
ولعدم الالتباس نوضح التالي , ليس كل تناقض هو صراع , والصراع في الفلسفة كلمة تستخدم بمنتها الدقة , في الفلسفة الحديثة تم الفصل بين الصراع لتناحري , والتناقض , وليس كل تناقض هو صراع , ولا كل اختلاف ما هو صراع , فهناك الكثير من التفاعل والمتنوع , لذلك نحدد تركيزنا في هذا السياق على نوعية الصراعات الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية العنيفة وأسبابها العميقة.
في الفلسفة المعاصرة مثل (الشيفرة الكونية) نجد قانون كوني خاص اسمه (التناقض ألانسجامي , والتناقض الاندماجي , وغيرها من أشكال التناقض المتنوعة الموجودة في الكون , ولكثير من هذه التناقضات هي ليس صراعات ولن تؤدي إلى صراع أبدا , أو تناحر , الصراع المقصود في بحثنا ومسارنا الفكري هنا هو صراع بمعنى الكلمة وليس تناقض , برغم أن التناقض يصنف عادتا من أنواع الصراعات في الفلسفة القديمة وجائز أن يؤدي إلى تناقض تناحري في الكثير من الحيان , وخاصة في العملية الاجتماعية وتفاعلها .
أن موضوع مفهوم الصراع من اعتقد القضايا الفلسفية قديما وحديثا وما زال الجدل حوله محتدم بين السياسيين و المنظرين والمفكرين والفلاسفة , لذلك لن نتطرق لكل أنواع الصراع الممكنة أو التناقض , ذلك سيحول المادة إلى مادة فلسفية بامتياز ويضيع مسار التنمية المستدامة الذي نحن بصدد بحثه وعلاجه بشفافية ومنطق وعلم ورؤية فلسفية تقربنا من الواقع قدر الإمكان .
نكتفي بتقديم رؤية فكرية فلسفية وتحليلية والنتائج البحثية المنطقية , ونتبعها بالحلول المناسبة المقترحة .
صراع الطبيعة
في الطبيعة الصرفة لا يود صراع ولا من يحزنون , هناك نواميس تحكم مسار كل شيء , والمساحة محدودة للخيارات المحتملة , ورغم ذلك نجد أن هذه القوانين ذاتها تحتوى في داخلها على الكثير من الخيارات والاحتمالات في بعض الحيان , وحين ننظر إلى عالم الفلك والمجرات ندرك أن قوانين الطبيعة ونظامها تحمل الكثير في جعبتها فوق كل ما تحمله من ضوابط ومسارات محددة للأشياء والظواهر .
وفي عالم الفيزياء الصرفة لا يوجد سوى القوانين وفعلها الحتمي , أي فيما لو أخذنا مثلا الماء : جزئ الماء هو مركب كيميائي , أي انه مركب من أكثر من عنصر , يتكون جزيء الماء من ذرة أوكسجين وذرتين هيدروجين , وبذلك يمكن إطلاق أسم جزئ على اصغر وحدة ممكنة لوجود الماء وهو الجزيء , والجزيء يعني بلغة الفيزياء , مادة ما ناشئة عن ارتباط ذرتين أو أكثر من العناصر لتشكل مادة معينة .
ورغم أن هذه العناصر متناقضة تماما , ولكنها حين تجتمع تشكل روابط معينة مما يجعلها قابلة للاتحاد في وحدة معينة مترابطة داخليا في ظروف معينة وليس في جميع الأحوال , ولكن أصبح لدينا معادلة فيزيائية حتمية لا تتغير , (إتحاد ذرة الأوكسجين مع ذرتين الهيدروجين نحصل على جزيء ماء) , معادلة حتمية النتيجة .
نرى بكل وضوح أن الطبيعة الصرفة الأولية مثل الفيزياء لا مكان لمفهوم الصراع , والقوانين الصرفة تحكم المسار ضمن حدود معينة , ولكن هذا في الطبيعة والفيزيائية , ماذا عن الحياة والأنواع الأخرى من الحركة والوجود .
صراع البقاء
في عالم الحياة بكل أنواعها الأمر مختلف كثيرا عن ما هو عليه في المرحلة السالفة المذكورة , هنا ترتفع نسبة التعقيد وتصبح الاحتمالات أكثر انتشار , والمواد الحية في الطبيعة تعتمد على بعضها البعض , وخاصة تلك الكائنات المتطورة مثل الحيوانات والإنسان والحشرات وغيرها .
وفي خضم هذه الحياة والوجود لهذه الكائنات ستواجه حتما قوانين الطبيعة وتفاعلها , وحركتها من المطر إلى البراكين والزلازل والرياح العاتية والأعاصير , وغيرها , ناهيك عن الكثير من التفاعلات الطبيعية , أضف إلى هذا كله سعي هذه الكائنات في طلب أودها وتلبية حاجاتها الضرورية للبقاء , والبقاء هنا يصبح قانون يسعى إليه ولا يتحقق لوحده , أي السعي ضروري لحقيق حاجات هذا البقاء والحفاظ على استمرارية في الحياة والوجود , وهذا البقاء يأتي من خلال السير بما يتناغم مع نظام الطبيعة ذاتها والنظام الكوني ومستوى تطور الكائنات , فنحن مثلا لا نستطيع أن نتناول التربة كغذاء لنا ولا غيرنا من الكائنات , بل لكل كائن نظامه الغذائي المناسب له والمنسجم مع الطبيعة والوجود .
لذلك أطلق على هذا النظام الطبيعي الحي وتفاعلاته الذاتية والموضوعية والتوازنات التي نشئت بناء عليه بقانون البقاء , وجميع الغرائز الأساسية والحاجات للحياة واستمرارها للحيوانات بكل أنواعها بما فيها الذكية والعاقلة تخضع لنفس الحاجات الأساسية الطبيعية , وبذلك يخضع الإنسان إلى هذه القوانين الطبيعية , ويعيش حالة الحفاظ على النوع و البقاء أيضا إلى جانب مستوى الذكاء والوعي الذي يتمتع بها والتي أضافت ما أضافت على حياة الإنسان نوعيا .
وكما يعيش الإنسان في جماعة من أجل الحفاظ على وجوده وتسهيل القدرة على التكيف ومواجهة الحياة والطبيعة ونظامها القاسي , هناك الكثير من الأنواع الأخرى من الحيوانات تعيش في جماعات وقطعان أيضا , وكذلك في الحشرات مثل النحل وغيره , انه نظام الطبيعة الحية وقانون التكتل للمادة , أي ميل المواد المتشابهة في الطبيعة للتجمع والتكتل بشكل طبيعي .
ولكل جماعة ما أو قطيع من أي نوع كان نظام خاص , وهذا النظام يحدده مستوى التطور العصبي والدماغي لهذه الكائنات , وكلما تطورنا وارتقينا في سلم التطور للكائنات على الكرة الأرضة يرتفع أيضا مستوى التعقيد والارتقاء في الأشكال والنظم الممكنة والمحتملة في هذه الحالات المذكورة من أشكال الوجود .
وبذلك تصبح الحركة الاجتماعية هي اعقد أشكال الحركة وأكثرها تطور على هذا الكوكب الأزرق .