الكاتبة الروائية أمل شيخموس
فراشات و أطفال و توابيت متناثرة هناك
إنها سماء وطني سوريا الجريحة التي يبكيها الشعراء و تدبلجها الأخبار كيفما تشاء لصالح وجهة نظر و رؤية و فكر مَن تعمل هذه القنوات ألأجل الحقيقة تعمل أم ماذا ؟ !
غدت الحرب السورية مادة دسمة لسنواتٍ طويلة تُسترزق منها القنوات الإخبارية العالمية . . مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد ، فالأمر لم يكن يستلزم الكثير من الوقت حتى يتم إعداد تلك التقارير بسرعة فائقة نظراً لكثافة الصواريخ و البراميل المتفجرة في الأجواء و الأحداث الساخنة على الدوام و سقوط الشهداء و تلقي الأحياء مصرعهم حتى على البث المباشر فقد كانت هذه الأحداث تُبث و تذاع كمادة إخبارية مجرد صوت و صورة اعتاد العالم مشاهدتها في حين كانت هذه الجرائم على أرض الواقع ترتكب مع هؤلاء المساكين مأساة فعلية ، و ليس نشرة أخبار مقتضبة تقارير تفتقر للشفافية و الحيادية و عدم الإنحياز أغلب الوقت لم تكن تنقل الصورة كاملة في ظل حالة الفوضى و كثرة الأطراف المتنازعة تلك . . ما أعظم قول الحق ! إذ لا ينبغي أن يُلغى صوت الحق بل أن يكون ساطعاً ، وحده الشعب و الله من فوقه يرى ما مسهم من ضر ، يعلم كم الغدر و الجور و العدوان و العبث و القسوة و الدمار كما لم تكن في أي أوانٍ ضلال و تضليل وتجارة بالأرواح و الثروات التي غدت سلعة تتداولها الأخبار ، و ساحة المعركة متقدة على مصراعيها تفجيرات و تفخيخات و ثروات تُنهب و طفولة تُشرد وتُسلب . . صغاراً هرموا قبل الأوان إثر ابتلاع الحرب سنين طفولتهم في جوفها الغادر الأحمق جهنم لا ترحم . . هنا سوريا و السوريون فقط يدركون حجم المأزق الكارثي ، و ما يمرون به سواءً في الخارج أو الداخل أرواح لا تحصى حُصٍدت دون ذنب أو حجة فقط حرب مصالح و تقاسم الكيكات فيما بينهم . . لا شيء يمكنه تعويض الإنسان السوري المنكوب و ما مر به من جرائم ترتكب حدَّ اللحظة جوع و غلاء قتل و استغلال . . فقد غدت ساحة مباحة للمتاجرة بكل شيء ما عدا الكرامة و العزة ، فليذهب المتفلسفون رعاة الإرهاب وما يصدرونه من تشويه و تكذيب و تزييف إلى الجحيم . . غدا الأمر جلياً للعيان حقوق الإنسان كذبة لا حصر لها إذ اتضح أنه لا يوجد أرخص من دماء الأبرياء أمام مآرب تلك الأطراف من الجهات المتنازعة و يعجن القلم و يدور و لا يفلح . . لأن الله وحده و السوريون الّذين هم في باطن الحرب و المحنة أو خارج الوطن وجحيم الغربة و الحنين يطحنهم يدركون المأزق الكارثي . . وحدهم والله يعلم ! سوريا حدث و لا حرج . . القلم يندى جبينه و يشعر بالخجل مما تم ارتكابه ، لأن الواقع أشد فضاعة و شناعة و الحرف يعجز عن الوصف . .
فقد تم في وطني قتل الحقوق و سحق الحريات و الكائنات ، بتر الورود و أحلام الصغار . .
قطرات دمٍ تُشاهد على الشاشات التي لا تتهاون في بث الأحداث دون الإجتهاد في نقل تفاصيلٍ دقيقة بل جزء ضئيل منها يصل للعالم . . والحرب بلا هوادة افتعلت ما افتعلت من عبثٍ و دمار و اقتلاعٍ لجذور الإنسان السوري و الضحكة الفراشة للطفل السوري اليتيم التي سرقتها الحرب و استبدلتها بالدموع و القروح أب شهيد أو مسجون أسير . .
الحقيقة أدنى قاب قوسين من الخيال المريض لآلة الحرب المستمرة في السفك و النهب . . الحرمان من أبسط مقومات العيش داخل الوطن حيث لا ماء و لا كهرباء و لا أمان و لا ثمة نسمة هواءٍ نقي الجو ملوث برائحة الدخان و الجثث ، و جاءت كورونا بالنبأ المبين لتستكمل المسرحية بيد أن السوريون في الداخل سخروا منها وقالوا نحن شعبٌ اصطلينا مع الحرب التسعنا بالنار و الحرمان ، الدمار و الجفاف أجاءت هذه لتخيفنا كلا و ألف ! ! و أبت كورونا إلا أن تحصد هي أيضاً أرواحهم إلى جانب الحرب دون هوادة لم تشفع لهم عذاباتهم إذ في لحظةٍ ما تراءى لهم أن الفيروس ربما يخجل من ذاته و لا يقترب من العائلات السورية الجريحة التي تئن و تنزف بلا هوادة .
بقلم الكاتبة الروائية
أمل شيخموس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق