" السِّيمياءُ في تَحليلِ النّصِّ الأدبي "
(لِفافةُ تَبغٍ.. مثالًا)
المُقدّمــــــةُ:-
السِّيمياءُ (Semiotic) لُغةً:-
العلامةُ المتصلةُ بملامحِ الوجهِ أو الشكلِ أو الافعالِ أو الاخلاقِ...
{سِيمَاهُم فِي وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح ــ ٢٩)
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ
رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}
(الأعراف ــ ٤٦)
إصطلاحًا:- علمُ العلاماتِ أو الإشاراتِ اللُّغويَّةِ أو الرَّمزيَّةِ؛ الّتي اِخترعَها الإنسانُ بالإتفاقِ معَ أخيهِ الآخرِ، كاللُّغةِ المَنطوقةِ، وَ لُغةِ
الإشارةِ، وَ إشاراتِ المرورِ..
أو أفرزتْها الطبيعةُ عفويًّا وَ فطريًّا بمرورِ الوقتِ، وَ ما يُهمُّنا هُنا هوَ:-
السِّيمياءُ منهجٌ أدبيٌّ يهتمُّ باللُّغةِ بِوصفِها مادةُ تحليلِ النَّصِّ، وَ هو علمٌ مشتقٌّ منَ السِّمَةِ أو العلاماتِ (Signs) الَّتي نُصِبَتْ عندَ تركيبِ النصِّ، لِتعطيهِ انفعالاتٍ تَشي بِها كلماتٌ أو أحداثٌ، تحملُ أسرارًا كثيرةً، يحاولُ الكاتبُ اِستفزازَ المُتلقِّي بِها، وَ يدعُوهُ للبَحثِ عنْ فَكِّ رمُوزها.
وَ القراءةُ الّتي نضعُها بينَ أَيديكُم.. اخترْنَا لها هٰذا المنهجَ كإجراءٍ-إلـىٰ حدٍّ ما- لِنصٍّ أدبيٍّ قصيرٍ بِمبناه، كبيرٍ بمغزاه، استنطقَ أحداثًا خياليةً، أو أحداثًا غاصتْ في رمالِ الماضي، لٰكنَّها ما زالتْ تنبضُ في قلبِ تراثِنا الثقافي!
النـَّــصُّ:- " لِفافةُ تبغٍ "
الكاتـبُ:- فاضل ضامد/ العراق
النشــرُ :- نيسان ٢٠٢٤
القراءةُ :- صاحب ساچت/ العراق
" لِفافةُ تبغٍ "
هذه المرّة فقط
أتذكرُ ذلك القارب الريفي الذي غرقَ في كتابِ رأسمال لماركس
أو تلك الوردة التي شدَّ شعرَها أحدبُ نوتردام حتى انفضحَ عطرُها
لابد من التأكد أنّ خاتمَ سليمان جاءَ من قبرٍ فارغٍ لمْ يدفنْ فيه غيّر التراب.
وهكذا استمرَ الغرابُ بالنعيق عقاباً على درسِه الغبي بدفنِ الموتى..
قابيل وهابيل ما زالا يتقاتلان
والسلالةُ بقايا جماجمٍ فارغة
تركتُ البابَ مفتوحاً ليدخلَ الهواء
كلُّ السماواتِ غافلةٌ والنجمُ يهطلُ
على الأرواحِ مسبحةً للصلاة
كنزٌ ذلك البرعم الخفي خلفَ تفاحاتٍ ناضجاتٍ يسترُ عورتهن الهشيمُ للقضم..
صباحاً تعودَ ديكنا بصياحِه الأبدي
طبيعته بايقاظِ النيام ...
وجدتُه يوماً يصرخُ بكثيرٍ من التوابلِ ... ناموا ببطونِ مملؤةٍ بالفجيعة
سأخلطُ السرمدَ بالأبدِ والأزل ..
سأفارقُ الزمنَ خلسةً
وأطعنُ بسلوكِ الأيام
واتهمُ الساعاتِ بالعهرِ
ثم أخرجُ من هذا المأزق بلفافةِ
سيجارةٍ كوبية
لتحرقَ روحي المتفاخرة
أن هذا الدمُ مجرد سائلٍ
يقضي أمرَه بعدَ حين..
(فاضل ضامد/العراق)
أولًا.. تَحليلُ النَّصِّ:-
طَرقَ الكاتبُ بوابةَ الصّمتِ الفكري وَ الإيماني بعنفٍ؛ تَحدوهُ استجابةُ أو ردَّةُ فعلِ المُتلقّي المُتذبذبةُ بينَ الإيمانِ وَ الضَّلالةِ.
لذلكَ.. تَعمدْنا في هٰذه القراءةِ المتواضعةِ، مناقشةَ دلالاتِ رموزِ النصِّ، وَ تفكيكَ طَلاسمَها بحسبِ
ما رأيناهُ وَ لَمسناهُ، بِدءًا منَ العنوانِ وَانتهاءً بالخاتمةِ..
العُنوانُ:- " لِفافةُ تبغٍ "
هو مساحةٌ مكانيةٌ غالبًا ما تكونُ صغيرةً، غير أنَّها عتبةٌ نَدْلِفُ منْ خلالِها كي نكشفَ زوايا معتمةً، وَ نفتحَ مغاليقَ النّصِّ وَ مخزونِهِ الدَّلالي، تَشكيلًا
وَ جمالًا، تَتمحوَرُ وَظيفتُهُ في التَّفسيرِ
وَ الجمالِ وَ الإغراءِ. فَضلًا عنْ كَشفهِ لِثقافةِ وَ وَعي الكاتبِ وَ أحاسيسِهِ الفَنيَّةِ، وَ يَعطي فرصةَ تأويلٍ أكثرَ منْ سِواه، وَ يَتركُنا وَجهًا لِوجهٍ معَ نهايةِ النصِّ.. الإحتراقَ كَما يَريدُهُ الكاتبُ!
(معلومةٌ:-اِندلعَ حريقٌ خطيرٌ في مَبنىٰ (كاتدرائية نوتردام دو باري) في باريسَ، فَرنسا في 15 أبريل 2019، وَ أتىٰ علـىٰ أجزاءٍ مهمَّةٍ فيها)
بُنْيَتَـــا مَتنِ النَّصِ:-
* بنيةٌ سطحيةٌ.. تُبادرُ بتقديمِ مفاهيمَ وَ دلالاتٍ إلـىٰ ذهنِ المتلقِّي منْ خلالِ القراءةِ الأوليةِ، ما يُمكنُ فِهمهُ وَ اِستيعابهُ.
وَ يَبدو الكاتبُ عازمًا بكُلِّ اصرارٍ علـىٰ فَضحِ واقعٍ يقتاتُ علـىٰ تراثٍ مركَّبٍ منَ الخُرافةِ وَ واقعٍ مَريرٍ.
* بنيةٌ عميقةٍ.. يَستشفُّها المُتلقِّي الحَذِقِ، وَ مَنْ يَتصدىٰ لِلكتابةِ عنْ ذٰلكَ النصِّ، وَ يَعرضُ دَلالاتِهِ بعدَ تفكيرٍ عميقٍ وَ منطقيٍّ باستعمالِ آليةً مناسبةً لِمقاربةِ النّصِ وَ الغوصُ في أعماقِهِ.
وَ نَحسبُ هُنا أنَّ الكاتبَ يَحملُ في قلبهِ وَ وجدانهِ أمرًا آخرَ يـتميَّزُ بهِ عنْ سِواه.
يَتطلبُ التّحليلُ منَ القارِئ أو المُتلقِّي معرفةً واسعةً بميزاتٍ معبرةٍ عنْ شخصيةِ المبدعِ، مُنتجُ النصِّ،
وَ العملُ علـىٰ كشفِ تلكَ الميزاتِ
وَ السِّماتِ عنْ طريقِ تقديرِ النصِّ منْ حيثُ شكلِهِ الصّحيحِ، وَ قيمتهِ الأدبيةِ.. وَ موضوعِهِ.
ثانيًا:- مَفاتيحُ النّصِّ:-
بِمعنىٰ:- مَفاتيحُ اِستيعابِ وَفِهمِ النصِّ الَّتي نَستشفُها..
وَ ما قيمةُ الحِسِّ الدّاخلي الَّذي تركَ أثرًا في شخصيةِ الكاتبِ؟
وَ لِتسليطِ الضَّوءِ عنِ الإجابةِ..
نَتمعَّنُ مَليًّا بِهٰذهِ المُحدَّداتِ:-
* الحَدَثُ..
إبتداءً.. تَدَرَّجَ سُلَّمُ صعودِ نسقِ النصِّ بِالْهَيِّنِ البَسيطِ، بِرموزٍ شَغلتْ رَدحًا منَ الزمنِ ثقافةَ مجتمعاتٍ لها غاياتُها وَ أساليبُ تحقيقِها.. مُقيّدةً بطروحاتٍ لمْ يتغيرْ منها شيءٌ، بلْ احتفظتْ بتقديسِ وَ احترامِ مُريديها
وَ الدفاعِ عنها علـىٰ مَدىٰ قُرونٍ.
وَ ما لَبثَ أنْ ازدادَ زَخمُ الصُّعودِ حينَما تَكلَّمَ النصُّ في.. (تركتُ البابَ مفتوحاً ليدخلَ الهواء)* النص، وَ كأنَّها انتقالةٌ حتميةٌ لقوةِ مجرىٰ تيارِ النصِّ، تَشبهُ الإنقلابَ الجذري لِنمطِ الحياةِ خلالَ القرنِ التاسع عشر وَ ما بعدَهُ ــ بِفضلِ منجزاتِ الثّورةِ الصناعيَّةِ ــ فَقدْ تحوَّل المجتمعُ منَ النَّمطِ الزراعي إلـىٰ النمطِ الصناعي، ممّا قلَّلَ منْ دورِ الأرضِ الّتي بدأتْ تفقدُ قيمتَها الإستثماريةِ، وَ تَنحلُّ عُرَىٰ الثقافَةِ المجتمعيةِ السائدةِ حينَ ذاكَ.
* مكانُ الحَدثِ..
يَتَرَاءىٰ لَنا أَنَّ الكاتبَ اختارَ زاويةً لِلإشرافِ عَلـىٰ "مَنضَدةِ رَملٍ" يُحرِكُ عَليها رمُوزًا وَ مُخلَّفاتِ ماضٍ سحيقٍ.
* زَمانُ الحَدثِ..
قَطعًا أنَّ الزمانَ وَ المَكانَ صِنْوَانِ، لا يَفتَرقانِ، ٱلَّا بِحدودِ وَظيفةِ كُلٍّ مِنهُما في السَّردِ الأدبي، أو في غَيرهِ.
فَالرَّاصدُ لأحداثٍ وَ حكاياتٍ خَياليةٍ يَعيشُ زمنَها، وَ يَعيدُ و تَرتيبَ أولَوياتِها وَ دَورها فيما آلَتْ إليهِ في رسمِ خارطَةِ أفكارِ وَ مَشاعرِ شخُوصٍ خُرافيَّةٍ.
(ملاحَظةٌ:- الفعلُ في اللُّغةِ العربيةِ، لهُ دلالةٌ زمنيةٌ، تُبَيِّنُ زمنَ الفعلِ وَ دلالتِهِ.
* المَاضي.. تَحقيقُ أمرٍ ما، اِقناعُ المُتلقِّي، سَردَ الحوادثِ.
* المٖضارعُ..الإستمرارُ وَ التٌّجددُ.
* الأمرُ..يَعكسُ الحالةَ الإنفعاليةِ للكاتبِ.
فَمنظومةُ الأفعالِ الضاغطةِ بحركتِها، تبني مَنصَبًا في حقلِ استجابةِ المتلقّي لطروحاتِ وَ افكارِ الكاتبِ.)
* نَتيجةُ الحَدثِ الأَوَّليةِ..
أُصيبتِ المعتقداتُ وَ المرجعياتُ في الثّقافةِ بأزماتٍ فكريةٍ متتاليةٍ، خلقتْ فُوضىٰ لَها، لمْ تستقرْ إلَّا بعدَ أنْ قُنِّنَتْ دَساتيرُ وَ وُثِّقَتْ لَوائحُ قوانينَ، وَ اَنفصلَ الدِّينُ عنِ الدُّنيا!
* نَتيجةُ الحَدَثِ النهائيةِ..
وَصلتْنا أخبارُ بدايةِ الحياة ِ
بالتواترِ عِبرَ آلافِ السنينَ، تَحكي طَبيعتَها وَ العلاقاتِ السَّائدةِ حينها وَ لها وجودٌ فعليٌّ في بُؤرٍ مكانيةٍ متباعدةٍ، تَرتكزُ علـىٰ علاقاتٍ مُتَّفقًا عليها، يمكنُ للمجتمعاتِ أنْ تعيشَ مُستقلةً عنِ الآخرينَ في تِلكُمُ البؤرِ.
لٰكنْ سرعانَ ما تصادمَتْ مصالحُ تلكَ البُؤرِ المُجتمعيَّةِ معَ بعضِها، وَ انسحقَ الضَّعيفُ عِندَ المُواجهَةِ معَ قُوًىٰ غالبًا ما كانتْ غاشمَةً..
وَ أُعيدَ التَّأريخُ بِأُطرٍ وَ أَساليبَ وَ مضامينَ عصريةٍ، عنْ طريقِ بُدْعَةِ (الفُوضَىٰ الخَلّاقةِ)، اِبتدعَها مَنْ بِيدهِ أدواتِ الهيمنةِ وَ الإستغلالِ لِشعوبٍ لا حولَ لها وَ لا قوةَ، بِحجَّةِ (العولمةُ وُ كيفيةُ تَثبيتِ رَكائزِها في أرضيةِ قَريةٍ صَغيرةٍ)!
ثالثًا:- رمُوزُ النَّصِّ
أَهمُّ الرمُوزِ أو العلاماتِ الَّتي أَشَّرَتْ مَعالِمَ حَيثياتِ السَّردِ المَعروضِ أمامَنا تَتجلَّـىٰ في النصفِ الأولِ منَ النصِّ بِالآتي:-
١) كتابُ "رأسُ المالِ"
أو نقدُ الأقتصاد السياسي، أَنجزَهُ 'كارل ماركس' عام 1867، هدفُهُ الكشفُ عنْ تَناقضاتٍ وَ صرعاتٍ طبقيةٍ في العلاقاتُ الإجتماعيةِ.
وَ يذكرُ الكاتبُ أنَّ قاربًا ريفيًّا، آتٍ منْ أعماقِ الأهوارِ.. غَرقَ في ذٰلكَ "الكتابِ!"
٢) روايةُ أحدبِ نوتردام.
(كوازيمودو) طفلٍ أحدبٍ قبيحِ الوَجهِ، مِنَ الغجرِ، نشأَ في كنيسةِ (نوتردام)، لِيربِّيهِ القسُّ وَ يدرِّبُهُ، حَتىٰ باتَ قارعًا لأجراسِ الكنيسةِ.
(أزميرالدا) فتاةٌ غجريةٌ، ذاتُ حُسْنٍ وَ جمالٍ، أحبَّها (كوازيمودو) كَونَها الوحيدةَ الَّتي لا تشعرُهُ بِبشاعةِ وَجهِهِ، بَلْ إنَّها تَرَىٰ ما بِداخلهِ منْ طيبةٍ وَ جمالٍ.
ذَكرَ الكاتبُ الروايةَ لأنَ ثَمَّةَ عِلاقةٌ وجدانيَّةٌ رَبطتْ مصيرَ كيانينِ معَ بَعضٍ حينَما أشارَ إلـىٰ (الوردة التي شدَّ شعرَها أحدبُ نوتردام حتى انفضحَ عطرُها)* النصُّ
٣) قصةُ "خاتمُ سُليمان"..
تَقصُّ علينا أحدىٰ المروياتِ الإسرائليةِ:- إنّ النَّبي ' سليمان بن داود' يُسيِّرُ مُلكَهُ بواسطةِ خاتمٍ يَنقادُ بِتأثيرِهِ الإنسُ وَ الجّانُ، فَسخرَهُ لِنفسهِ وَ قَوَّىٰ مَملكتَهُ بهِ، وَ حينما سَرَقَ "كبيرُ الجِّنِّ" الخاتمَ.. فقدَ سُليمان مُلكهُ أثرَ ذلكَ.. وَ سُرعانَ ما عادتِ الهيمنةُ وَ السيطرةُ بعدَالعثُورِ عليهِ..
وَ يُقالُ أنَّ الخاتمَ دُفِنَ علـىٰ جبلِ "صهيون" بعدَ وفاةِ النّبي سُليمان.
و لا أصلَ لِهذهِ الروايةِ، لأنّها لم تُثَبَّتْ بنصٍّ شرعيٍّ إسلامي.
وَ كاتبُ النصِّ ــ معَ أنَّهُ أخذَ بهٰذهِ القصةِــ لمْ يَكنْ متأكِّدًا أنّ الخاتمَ جاءَ منْ قبرٍ فارغٍ، أو منْ سِواه!
٤)غُرابُ هابيل و قابيل..
قَتلَ قابيلُ أخاهُ هابيلَ، ثُمَّ نَدِمَ أشدَّ النَّدمِ، وَ بعثَ اللهُ تعالـىٰ غُرابينِ يَتشاجرانِ، فَقتلَ أحدُهُما الآخرَ، ثمَّ قامَ بحفرِ حفرةٍ في الأرضِ، ثُمَّ وُضِعَ الغرابُ المَيْتُ فيها.. وَ بذلكَ تَعلَّمَ قابيلُ كيفَ يدفنُ أخاهُ هابيلَ وَ يُخفيهُ عنِ العائلةِ.
هُنا الكاتبُ وَضعَ بصمةَ إصبعهِ بجرأةٍ علـىٰ ' الإقتتالِ' بينَ الأَخوينِ،(قابيل و هابيل ما زالا يتقاتلان)* النصُّ..
وَ لسُوءِ القَدرِ هٰذا الإقتتالُ مستمرٌّ وَ مستدامٌ.. فَكلَّما سالتْ دماءٌ زكيةٌ، استذكرْنا تلكَ المَرويةَ.
٥) الدِّيكُ وَ الصَّباحُ...
الديكُ يُمثِّلُ ضميرَ الإنسانِ، بِحسبِ" الإنجيل!" وَ صوتُهُ إعلانُ بدايةِ يومٍ جديدٍ، وَ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭٌ ﻟﻠﻨُّﻮﺭِ ﻋﻠـﻰٰ ﺍﻟﻈَّﻼﻡِ.
بَيْدَ أنَّ النّصَّ عَكسَ الصُّورةَ، وَ تَكلَّمَ عنْ صِبغةٍ جديدةٍ في مفاهيــــمَ
وَ اعتباراتٍ اِجتماعيةً، بِحيثُ تَغيَّرَ سياقُ وَ نَمطَ الحَياةِ!
فَبدَلًا منْ أنْ يكونَ "الدّيكُ" رمزًا للتجديدِ، وَ ضميرًا حيًّا يَبعثُ حياةً معَ إشراقةِ كُلَّ صباحٍ.. صارَ وَليمةً يسيلُ لها لعابُ ذَوي (بطونِ مملؤةٍ بالفجيعة) وَ (يصرخُ بكثيرٍ من التوابلِ) بدلًا منْ أنْ يُعلِنَ بِصياحِهِ بدايةَ صباحٍ جديدٍ!
رابعًا:- خاتِمةُ النّصِّ..
لَو جازَ لنا أنْ نَشطُرَ النصَّ إلـىٰ نصفينِ، سَنجدُ أنَّ جملةَ:- (تركتُ البابَ مفتوحاً ليدخلَ الهواء)* النصُّ، هي بدايةُ النصفِ الثاني، وَ الَّذي اِزدحمَتْ فيهِ الصُّوَرُ/ الــ (طَعنَات)، وَ تشابكتْ أطرافُ الرمُوزِ معَ بعضِها، بَيْدَ أنَّ كلَّ واحدٍ منْها يَحملُ هَمَّهُ و غايته، وَ لقَدْ أبدعَ الكاتبُ في إدارتِها وَ توظيفِها للصُّعودِ بِعقدةِ النصِّ إلـىٰ درجاتِ الإبداعِ المُتقدِّمِ.
[سماوات غافلة، نجم يهطل، كنزٌ البرعم الخفي، مسبحة للصلاة، الديك و الصباح، بطون مملوءة...]
جُلُّها طَعناتُ "رِماحٍ" وَجَّهَها رَامٍ ماهرٍ/الكاتبُ، إلـىٰ قلُوبٍ خاويَةٍ إلَّا منَ الغِلِّ وَ الحِقدِ، أخذَتْ شرعيتَها منَ الصَّمتِ المُطبقِ علـىٰ الظُّلمِ وَ الجَورِ!
فَما عادتْ طَبيعَةُ الدِّيكِ ايقاظُ النِّيامِ بِبطونٍ مَملوءَةٍ بالفاجِعَةِ!
وَ لمْ يَحتفظْ الزَّمنُ بسياقاتِ حركتِهِ، بلْ أنَّهُ اختلطَ بينَ (السرمدَ بالأبدِ و الأزل)، وَ الأيامُ ساءَ سلُوكُها، وَ تبدَّلتْ أخلاقُ السَّاعاتِ وَ الخُروجُ منْ هٰكذا مأزقٍ.. ثَمنُهُ " لفافةُ تُبغٍ!"، تَحرقُ الأخضرَ قبلَ اليابِسِ!
أَخِــــــــــــيرًا
لا أَبوحُ سِرًّا إذا قُلتُ أنَّني تَردَّدتُ في الكتابةِ عنِ النصِّ، رُغمَ اِنفرادِهِ في طَرحِ رُؤيةٍ آنيةٍ تَشغلُ ــ عَلـىٰ حَدٍّ سَواءٍ ــ المُبدعَ وَ المتلقِّي!
فَثَمَّ اِشتباكٌ حاصلٌ في عَرضِ نَقدٍ إجتماعيٍّ وَ إخلاقيٍّ، جَعلَ النصَّ غايةً في الإبهامِ، لٰكنَّهُ يُناقشُ مرضًا عُضالًا (النفاقُ وَ اللَّا أُباليَّة) يَنخرُ بِجسدِ المجتمعِ الإنساني، وَ أصبحَ واضحًا للعيانِ.. هٰذا منْ جانبٍ.
كاتبُ النصِّ المُبدعُ "فاضل ضامد" فَنانٌ تَشكيليٌّ تَشهدُ لهُ ساحاتُ الفنِّ التشكيلي، المحليةُ وَ الاقليميةُ..
كَتبَ هٰذا النصَّ دونَ أنْ يُبَيِّنَ نوعيَّتَهُ و جِنسَهُ الأدبي " لمْ يُجنِّسْهُ أَدبيًّا"، وَ تركَ تحديدَ ذلكَ لِلقارِئ المُتذوقِ لِلإبداعِ... مِنْ جانبٍ آخرَ.
وَ هَا أَنَــا اتَّخذْتُ " لِفافةَ تبغٍ" إنموذجًا وَقعَ تحتَ ناظري، وَ شَدَّني عمقُ التَّأثيرِ، سِلبًا أو إيجابًا، لِلمرويَّاتِ بحيثُ أصبحتْ جزءًا منْ تُراثِنا.. الإبداعي وَ الثَّقافي.
لِذلكَ سأحتَفظُ بِتَسميةِ ِجنسِ النصِّ ( أَ كانَ شعرًا، أم نثرًا، أم خاطرةً..) لِنفسي! وَ ابتعدُ عنِ الخوضِ في مَدَىٰ قُربِهِ أو بُعدِهِ.. لَها. وَ ركَّزتُ علـىٰ أَثَرِ العلاماتِ في بُنيَةِ النّصِّ، وَ كيفَ نتعاملُ معَ دَلالاتِها، لِبَيانِهِ وَ تَوضيحِهِ.
أَرجُو أنْ أَحظَىٰ بِقبولِ وَ اِستحسانِ الجّميعِ في ما غامَرْتُ بهِ وَ كَتبْتُ عنِ "السِّيمياءُ في النَّصِّ الأدبيِّ" كَمَنهجٍ لِتفكيكِ أيِّ نصٍّ أدبيٍّ يُنشرُ.
عَسَىٰ أنْ يُحالِفُني التوفيقُ، وَ لي منْهُ نَصيبٌ..!
معَ أطيبِ التحياتِ.