دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، على مر العصور كان للعقل علاقة مباشرة بالفلسفة والأدب والشعر وكان للفلاسفة ورواد الأدب والشعر نظر للعقل حسب خبراتهم وتجاربهم مما أثرى مجال الفلسفة والأدب
... يقول الفيلسوف الفرنسي (رينيه ديكارت) في كتابه (تأملات في الفلسفة الأولى) ، أن (العقل أعدل قسمة بين الناس) ، هذه العبارة إستخدمها (ديكارت) للتعبير عن أن العقل هو الشيء الوحيد الذي يتساوى فيه جميع الناس ، حيث كل فرد يمتلك قدرًا من العقل الذي يمكنه من التفكير واتخاذ القرارات ، فهذه العبارة تعكس واحدة من الأفكار الفلسفية العميقة ل (رينيه ديكارت) ، حيث يشير إلى أن العقل هو الميزة الوحيدة التي يتساوى فيها جميع البشر ، بمعنى المساواة في (القدرة العقلية)
... وهنا يقترح (ديكارت) أن العقل كأداة للتفكير والفهم ، موزع بالتساوي بين الناس من حكمة الله فى خلق الإنسان ، وهذا يعني أن كل شخص يمتلك القدرة العقلية اللازمة ليكون مستقلاً في التفكير واتخاذ القرارات ، بغض النظر عن الفروق الأخرى مثل (الطبقة الإجتماعية ، التعليم ، الثقافة)
... ويبقى العقل أداة يمتلكها الجميع وكذلك (التحرر الفردي) ، فإذا كان العقل موزعًا بالتساوي ، فهذا يعني أن كل شخص يمتلك القدرة على الوصول إلى الحقيقة من خلال التفكير النقدي ، هذه الفكرة تدعم مبدأ (الإستقلالية الفكرية) ، حيث يمكن لكل فرد إستخدام عقله للوصول إلى إستنتاجاته الخاصة ، دون الإعتماد على الآخرين ، وكذلك (التمييز بين المعرفة الفطرية والمكتسبة) ، حيث أن العقل ، كما يراه (ديكارت) ، هو القاعدة التي يمكن من خلالها إكتساب المعرفة ، سواء كانت فطرية أو مكتسبة ، ويرى (ديكارت) أن المعرفة الفطرية هي جزء من العقل الإنساني ، وأن كل فرد لديه القدرة على تنميتها من خلال التجربة والتعليم ، ولم يغفل ديكارت دور (العدالة في التوزيع) ، فتعبر العبارة عن نوع من العدالة الطبيعية ، حيث أن (العقل) ليس ميزة يتمتع بها البعض ويحرم منها الآخرون ، بل هو جزء أساسي من طبيعة الإنسان ، وهذا يعزز فكرة أن جميع البشر متساوون في القدرة على التفكير ، وأضاف (ديكارت) فكرة (تحدي الفروق الأخرى) ، وفي سياق المجتمعات التي تميز بين الأفراد بناءً على (الثروة أو النسب أو التعليم) ، تقدم هذه العبارة منظورًا مختلفًا ، حيث تضع العقل كمعيار أساسي للمساواة ، وهي دعوة للتفكير في كيفية إستخدام هذه القدرة العقلية لتعزيز التفاهم والتعاون بين الناس ، بدلًا من إستخدام الفروق الإجتماعية أو الإقتصادية للتمييز ، وكذلك إهتم بفكرة (التطبيق في الحياة العملية) ، هذه الفكرة يمكن تطبيقها في الحياة العملية ، حيث تشجع على تمكين الأفراد من إستخدام عقولهم في إتخاذ قرارات مستنيرة ، سواء في مجالات التعليم ، العمل ، أو الحياة اليومية ، وهي تدعو كذلك إلى إحترام آراء الآخرين ، مدركين أن لديهم نفس القدرة العقلية التي نمتلكها ، واستعمل فكرة (التفكير النقدي والتشكيك) ، ف (ديكارت) معروف بتشجيعه على التفكير النقدي والتشكيك كخطوة أولى نحو الوصول إلى الحقيقة ، إذ يعتقد أن إستخدام (العقل) بطرق نقدية وموضوعية يمكن أن يؤدي إلى فهم أعمق للعالم
... لذلك كان من الضروري أن نهتم بحفظ العقل ، لأن العقل منة كبرى من الله ، ونعمة عظمى أنعم الله به على الإنسان ، وميزه به عن سائر الحيوان ، فإذا فقد الإنسان عقله صار كالبهيمة
... والمحافظة على العقل والحرص على سلامته أمر مغروس في الفطرة ومتفق عليه بين عقلاء البشر ، وقد أمرت جميع الشرائع بالمحافظة عليه فالحفاظ على العقل من المقاصد الشرعية للإسلام لايقل أهمية عن الحفاظ على المال والدين والنفس ، والعقل مناط التكليف لأن الإنسان يميز به بين الصالح والفاسد ، فلا تكليف على غير العاقل ، لذلك حرم الله كل ما يفسد العقل أو يخل به ، ومفسدات العقل نوعان ، (حسية) كالخمور والمخدرات ، إذ هي مفتاح كل شر ، لما يحدث بسببها من إفساد للعقول وتقويض للمصالح ، قال تعالى في بيان أضرار الخمر الوخيمة : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ، و بعيدا عن المفسدات الحسية هناك أيضا مفسدات (معنوية) وهي التصورات الفاسدة التي تطرأ على العقول بسبب خوضها فيما لاتدركه مما إستأثر الله بعلمه ولا مصلحة للناس في التفكير فيه مثل التفكير في ذات الله وترك الصفات والأسماء وكذلك إستواء الله على الكرسي فهذه من مداخل الشيطان التي تؤدى بصاحبها إلى الشرك أو الكفر
... وفي مجال الأدب ، قد يسأل أححدنا ، هل هناك علاقة بين الشعر والأدب من جهة والعقل من جهة أخرى ؟! ، نعم فالعلاقة مباشرة فحياة الإنسان متوقفة على (العقل) ، وهو متفاوت القسمة بين الخلق ، أما (الشعر) فنفل كفاية ، يطرب حسنه ، و يسقم قبيحه ، ولعل الشعراء من أحوج الناس إلى اللبابة ومعرفة من أين تؤكل (القوافي) ، فالشعر يقرض لينشد في المجالس و تسير به الركبان ، واليوم يطير به حمام الفيس ، و تغرد به بلابل مواقع التواصل
... ولقد سمي العقل عقلا لكونه يعقل صاحبه عن الزلات ، فإذا وافى الحصيف الفطن نص عرضه على ذوقه ، و مرره على ذائقته كأنه لغيره ، فإذا اطمأن إليه ورضيه قولا ينسب إليه أذاعه ، و إذا أحس فيه ضعفا و فسولة أعرض عنه ، و سد باب اللغو
... وإلى لقاء في الجزء الخامس إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق