*العفو وفق المعايير الإسلاميّة وفوائده على الصّحّة.
الصّفح واحد من الأخلاقيّات التي أوصى بها القرآن الكريم :
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) الأعراف .
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14° التغابن.
كما ذُكِرَفي القرآن أنّ الصّفح والتّسامح أعلى المواقف الأخلاقيّة:
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى.
كما ورد في القرآن الكريم،
ولهذا السّبب ، فإن المؤمنين هم الذين يصفحون ويرحمون.
يختلف مفهوم الصّفح عند المؤمنين كثيرًا عن مفهوم الصّفح عند أولئك الذين لا يعيشون حسب أخلاقيّات القرآن الكريم. ورغم أنّ كثيرًا من النّاس يقولون إنّهم يغفرون لمن بادرهم بالإهانة ، غير أنّ فترة طويلة تكون ضروريّة لتحرير أنفسهم من الكراهية والغضب اللذَيْن يملآن قلوبهم.
ويميل سلوكهم إلى خيانة غضبهم. و في المقابل فعفو المؤمنين صادق ، لأنّ المؤمنين يعرفون أنّ البشر مختبرون في هذا العالم ، ويتعلّمون من أخطائهم ، ولذلك فهم يتسامحون ويرأفون. علاوة على ذلك ، فإنّ المؤمنين قادرون على الصّفح حتّى وإن كانوا على حقّ ، والآخرون على خطأ. و المتسامح ، لا يميّز بين الأخطاء الكبيرة والأغلاط الأقلّ أهمية. يمكن أن يتسبّب شخص ما في ضرر كبير عن طريق الخطأ ، ثمّ إنّ المؤمنين يعتقدون أنّ كلّ شيء يحدث وفقًا لمشيئة الله والمصير والمقدّر ، فيتقبلون الأحداث أكثر من أيّ وقت مضى دون ترك مجال للغضب.
وفقا لبحث أجري مؤخرًا ، وجد علماء الولايات المتّحدة أنّ القادرين على الصّفح أصحّ عقليًّا وجسديًّا أكثر من غيرهم. أجرى الدّكتور" فريدريك لوسكان"الذي، يحمل درجة الدكتوراه في الإرشاد ومجلس الصّحّة في جامعة"ستاندفورد" وفريقه دراسة على 259 شخصًا يعيشون في سان فرانسيسكو. ودعا العلماء هؤلاء الأشخاص، لحضور ستة دروس لمدّة ساعة ونصف لكلّ منها ، في مواضيع ،تتعلّق بالحوار حول العفو و التّسامح.
أكّد الأشخاص المشاركون في هذه التّجربة أنهم يشعرون بمعاناة أقلّ أن غفروا لمن كانوا غير عادلين معهم. وقد أظهرت الأبحاث أن الذين تعوّدوا أن يغفروا يشعرون بأنّهم أفضل بكثير، ليس فقط من النّاحية العاطفيّة ولكن أيضًا من النّاحية المادّيّة (البدنيّة. )
فعلى سبيل المثال ، لقد لوحظ ،بعد هذه التّجربة ،أنّ الأعراض النّفسيّة والجسديّة ، مثل آلام الظّهر ، والإجهاد ، والأرق وآلام البطن قد انخفض بشكل كبير لدى هؤلاء الأفراد.
في كتابه ، Forgive for Good اغفر لله ، يصف الدكتور "فريدريك لوسكين" الصّفح كوصفة للصّحّة والسّعادة. ويصف الكتاب كيف يطوّر الصّفح وضعًا ذهنيًّا إيجابيًّا يولّد الأمل والصّبر والثّقة بالنّفس ، والحدّ من الغضب والألم والاكتئاب والضّغوط النّفسيّة. وحسب الدكتور Luskin ، يولّد الغضب آثارًا مادّيّة واضحة على الفرد. ويتابع قوله:
"المشكلة بشأن الغضب المتأصّل في النّفس منذ مدّة طويلة أسبابه التي لم تُحَلَّ بعدُ ، هي ، كما رأينا ،أنّها تعيد الحرارة الدّاخلية إلى الصّفر. فإذا كنت معتادًا على درجة منخفضة من الغضب ،فإنّك لا تستطيع التّمييز بين الحالة الطّبيعيّة وغير الطّبيعيّة. وينتج هذا نوعًا من إفراز الأدرينالين الذي يعتاده النّاس. و يتسبّب هذا في"غليان" جهازالغضب ويجعل وضوح التّفكير صعبًا ، ممّا يزيد الوضع سوءًا.
وبالإضافة إلى ذلك ، صرّح الدكتور Luskin أنّه عندما يطلق الجسم بعض الإنزيمات خلال مرحلة الغضب أو الإجهاد ، فإنّ مستويات الكولسترول و ضغط الدّم ترتفع- وهي وضعيّة غير مناسبة لإبقاء الجسم في حالة جيدة.
نشر مقال بعنوان "الصفح" ، في أيلول / سبتمبر تشرين الأول / أكتوبر 1996 في مجلة التّيّارات ، ذكر فيه أن الغضب ضدّ فرد أو حدث يسبّب ظهور المشاعر السّلبيّة ، ويقوّض العاطفة وحتى الصّحّة البدنيّة أيضًا .و يذكر المقال أيضًا أنّه بعد ذلك بفترة وجيزة ، يدرك الغاضبون أنّ الغضب سيئ، ويريدون جبر حالات اعتدائهم على الآخرين. ولذلك ينهجون نهج الصّفح. ويُقال أيضًا أنّه، ورغم ما يعانيه السّكان ، لا يريدون فقدان لحظات ثمينة من حياتهم في الغضب والقلق ، ويفضّلون أن يغفروا لأنفسهم وللآخرين. "
وفي دراسة أخرى ، تشتمل على1500 موضوع ، وجدنا أن الاكتئاب والتوتر والمرض العقلي، أقل شيوعا بين الناس المؤمنين. و ربط الدكتور هربرت بنسون ، الذي قاد هذا البحث ، ذلك بالطريقة التي تشجع الديانات العفو و الصّفح وأعلن ما يلي :
**توجد وظائف للصفح.. إذا كنت لا تغفر، فإنّك مهدّد بالانفجار...**
ويعتقد الباحثون أن الإفراج عن هرمونات الإجهاد يزيد من الطلب على الأوكسجين من قبل خلايا عضلة القلب ويزيد من لزوجة الصفائح الدموية التي تؤدي إلى تشكيل جلطات الدم. هذا التسلسل من الأحداث التي تمخضت عن الغضب يزيد من احتمالات حدوث أزمة قلبيّة. وبالإضافة إلى ذلك ، فخلال أزمات الغضب ، يدق النبض بقوة ، ويسبب زيادة في ضغط الدم ، وبالتالي تزداد احتمالات الإصابة بنوبات قلبية.
ووفقا للباحثين ، فالغضب والعداء قد يؤديان أيضا إلى إنتاج البروتينات المرتبطة بالتهاب في الدم. واقترحت مجلة الطب النفسي أن المشاعر تثير إنتاج البروتينات الملتهبة ، وهذا بدوره يسبب تصلبًا في الشرايين ، وأمراض القلب والأوعية الدموية وبعد ذلك النوبات القلبية.
ووفقا للأستاذ المشارك "ادوارد سواريز" من المركز الطبي لجامعة ديوك ، بكارولاينا الشمالية ، فإنّ البروتين interleukin 6 (أو ايل - 6) يتوفّر بتركيز أعلى بين الرجال الغاضبين والمكتئبين. فإن ارتفاع مستويات الدم ايل 6 تسبب تصلب الشرايين ، وظهور رواسب الدهون في جدران الشرايين .و حسب سواريز ، فالحالات النفسية مثل الاكتئاب والغضب والعداء ، كلها عوامل كما التدخين وأمراض القلب ،تسبب ارتفاعا كبيرًا لضغط الدم والسمنة وارتفاع معدل الكوليسترول .
وتبين كل البحوث أن الغضب حالة ذهنية يمكن أن تلحق ضررا بالغا بصحة الإنسان. وعلاوة على ذلك ، فالصفح ، حتى لو كان بالكاد يكون مقبولا لدى الناس ، فهو شعور لطيف ويعكس ترفع الأخلاق ، من خلال القضاء على جميع الآثار الضارة الناجمة عن الغضب ، ويساعد الفرد على التمتع بحياة صحية من الناحية النفسية وكذلك البدنيّة. والصفح، بالطبع، هو شكل من أشكال السلوك من خلاله يستطيع الناس العيش في صحّة، وفضيلة ينبغي للجميع أن يعتمدها. ومع ذلك، فإن الهدف الحقيقي من الصفح -- كما هو الحال في كل شيء -- هو إرضاء الله. و الحقيقة أنه من خصائص هذا النوع من الأخلاق، والفوائد التي تم تحديدها من قبل العلوم، قد كشف عنها القرآن الكريم، وهي مجرد واحدة من العديد من مصادر الحكمة في القرآن الكريم
حمدان حمّودة الوصيّف ... تونس.