الياسمينة الشامية المنسية
التاريخ غالبا مايكتبه طغاة وفطاحل ذكوريين تم إغفال سيرتها.ولدت نازك العابد سنة 1889 لأسرة من أعيان دمشق.تعلمت فنون التصوير والموسيقى (عزف البيانو)بالإضافة إلى الإسعاف والتمريض.أتقنت الألمانية والفرنسية والإنكليزية والتركية مع اللغة العربية;وكان الهم المجتمعي والسياسي والثقافي من أولوياتها. نزعت الحجاب وتمردت على أعراف زمان السلاملك والحرملك.
كتبت المقالات في "الحارس" و"لسان العرب" و"العروس"(وهي أول مجلة سورية لصاحبتها ماري العجمي).وشاركت في المؤتمرات النسائية الوطنية والدولية في مصر ولبنان وترأست عقب الثورة السورية الكبرى جمعية"النجمة الحمراء"(أول جمعية نسائية سورية 1914) و"جمعية الفيحاء"لمساعدة ضحايا الثورة وساهمت في تأسيس"النادي النسائي الشامي" الذي ضم نخبة سيدات دمشق .وأيضا مدرسة بنات الشهداء ومكتبتها. وكذلك في إنشاء مصنع للسجاد كان يخصص ريع مبيعاته لصالح الأيتام.
دافعت في كتاباتها عن حق المرأة في الإنتخاب السياسي. واستكتبت حرائر دمشق العرائض اللازمة لتأييد الإستقلال أثناء وجود لجنة كراين الأميركية لإستفتاء السوريين في الإنتداب;وقادت المظاهرات وحازت على مكانة إجتماعية مرموقة وصدر أمر ملكي يمنحها رتبة عسكرية فخرية(نقيب).لبست الزي العسكري في معركة ميسلون وتطوعت لمداواة الجرحى ويقال أن البطل يوسف العظمة استشهد بين يديها سنة 1920 حين كانت تحاول إسعافه.
نفاها الإنتداب الفرنسي إلى إستانبول لسنتين بعد أن أغلق مجلتها"الفيحاء" ومدرستها ومنعها من عقد ندوات خاصة أو عامة. اشتهرت دوليا وذاع صيتها ولقبتها الصحافة الأوربية بجان دارك العرب;وقد جعلت الرحالة والكاتبة الإنكليزية "روزيتا موريس" من مواقف نازك العابد حبكة لروايتها(سؤال) التي نشرتها سنة 1922. عادت إلى سوريا بعد تعهدها بعدم ممارسة أي نشاط سياسي لتعيش تحت الإقامة الجبرية في مزرعتها بالغوطة الشرقية;وهناك ساعدت الفلاحين في تطوير العمل الزراعي وعملت بصمت وسرية في إذكاء روح التمرد والثورة ضد المحتل الأجنبي.
في 1929 تزوجت من الوجيه اللبناني محمد بيهم وانتقلت إلى بيروت لكن الشأن الإجتماعي العام بقي يؤرقها ولم تتوقف عن الكتابة. تلك الفتاة الصغيرة التي كان والدها مصطفى باشا أثناء تواجد الأسرة في المنفى بأزمير يقف ويدعها تجلس قبل أن يجلس هو في الأماكن العامة,لم تسعد في زواجها كحال معظم المناضلات في كل زمان ,فأغدقت بفيض حبها على الناس.أسست "جمعية المرأة العاملة"و"ميتم بنات شهداء لبنان" وجمعية مكافحة البغاء اللبنانية" و"جمعية تأمين العمل للاجئات الفلسطينيات"(سنة1950)حيث أفادت 1700 طالبة فلسطينية منها وبلغ عدد منشآتها 22 مدرسة وميتما ومشغلا. وفي السبعين من عمرها أسست لجنة تثقيف الأم اللبنانية في مجالات الحياة كافة وإنتخبت رئيسة لها وقد أقيم بتلك المناسبة أول إحتفال بعيد الأم في لبنان 1959.
قدمت نازك العابد طوال مسيرة حياتها مثالا حيا ونموذجا راقيا للمثقف العضوي الذي تحدث عنه فيمابعد المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي,حيث ربطت بأصالة بين وعيها وممارستها لخدمة قضايا مجتمعها,بين نضالها التحرري كمرأة ونضالها الوطني.
ابو ياغي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق