قراءة نقدية تحليلية
بقلمي دلال جواد الأسدي
لنص النائب المنتظر
للكاتب أحمد الغنيمي
أنا النائب المنتظر
عنوان يتحدث عن نفسه، يصف غرور المنتخب ونفحات الانتصار لمجرد الترشيح للمنصب. هنا البحث عن السلطة لا عن العدالة.
الشكل العام
المقدمة:
قصة مهمة جدا من صلب الواقع الحالي ، تتمحور القصة حول قضية حساسة في وقتها المناسب، حين ينتفض كل شخص نحو عمل كل ما بوسعه بالترشيح وبذل أموال طائلة في سبيل حصد أصوات الطبقات الكادحة من الشعب المتعطشين للعدالة.
هم ليسوا أغبياء ولا ساذجين كما يُخيل إليهم، لكنهم يتأملون الخير حتى آخر رمق.
ينظرون بعيون قلوبهم نحو تحقيق العدالة في الأرض،
ولديهم أمل بالبشرية وبالله تعالى.
تناقضات في اختلاف الرؤيا بين الظاهر والباطن:
لدينا تناقض بين النفاق والصدق.
نفاق في التظاهر وعمق الكذب والغش من ناحية المنتخب،
ولدينا صدق للناخبين وتوحد بين الظاهر والباطن في الأمل بالمنتخب لتحقيق العدالة وإعطائهم حقهم المنتظر.
لدينا أيضًا تناقض في إظهار الحب والتعاطف مع الشعب في الانتخابات.
ولا نستطيع الجزم بأن كل الناخبين كذلك، لكن إلا من رحم ربي.
فمن يرشح نفسه ليس لخدمة الشعب، بل من أجل الامتيازات التي توفرها الانتخابات،
مثل الحصانة، والهيمنة، والسلطة، وحب المنصب.
امتيازات القصة:
قصة توحد بين الوصف والسر، مع توضيح الزمن والمكان من نشأة الكاتب.
ويُستنتج من الوقت الذي كتبت فيه القصة أنها جاءت في فترة الانتخابات، فلم يحتج الكاتب إلى تحديد الزمن لأن الموضوع يتحدث عن نفسه.
الصدق والوضوح:
القصة تمثل انتقادًا لاذعًا وصريحًا ومباشرًا لكل المناصب السياسية الكاذبة، وهي في الوقت ذاته داعمة للشعب، تضعه فوق الجميع وفوق أي سلطة، وتوجه سهام الاتهام للفاسدين.
ميزان عدل مباشر:
النص يمثل العدالة والإنصاف في جانب الشعب، ويؤكد أن الشعب ليس غبيًا،
لكن الخداع والتمثيل يتقنه من يراهن على صدقهم وصفاء نيتهم وكذلك اتسغلال الثقافة والعلم لاجل غايات مسمومة
النبرة الساخرة:
عرض الكاتب المبدع أحمد النص بنبرة ساخرة وبضمير المتكلم ليعطي تفاعلًا شعوريًا أكبر مع القراء،
ولإيصال الرسالة بشكل أوضح عن استغلال بعض المرشحين،
حتى في تصدير الشعور وإتقانه.
عرض الكاتب للاستغلال بكل درجاته:
برع الكاتب أحمد في عرض من باع ضميره،
ولم يستثنِ أحدًا سواء كان ابن بلده أو من تربى معه.
ضعيف النفس يستغل كل شيء، ويتغيّر مع المنصب المكتسب وبهرجته.
النهاية:
كانت النهاية مشحونة بتيار صدق منقطع النظير في وصف شعور الاستغلال والوصول للغاية،
ووجوب سقوط قناع التمثيل بعد تحقيق الغاية المنشودة.
الرأي الخاص:
النص أبهجني بكل معنى الكلمة،
رغم موضوعه المحزن والمؤلم،
لكنه بمثابة شحنة كهربائية من الاستفاقة للشعوب المخدوعة،
يعرّي الكذابين والمخادعين بأسلوب ساخر يبث الوعي في الشعب لمعرفة قيمة الصوت.
قد يظن البعض أن صوته لا يفرق،
لكن في الحقيقة الصوت الواحد أساس الفرق،
وأساس في تقوية المفسد أو إهانته وقهره.
التوصيات التي بثت في القصة:
غاية القصة ليست السخرية من المرشحين أو التقليل منهم،
بل مناشدة الفاسدين والقول بصوت عالٍ:
نحن مثقفون، نحن نفهم، نحن لسنا أغبياء،
وإن كنا بسطاء، وإن كنا طيبين، وإن كنا نخاف الله تعالى،
لكننا نأمل الخير من المرشحين رغم الخذلان المتواصل منهم.
توصية القصة في الختام:
لمن نعطي صوتنا؟ لمن نرشح؟ ولا نبيعه لمن لا يستحق.
توصية بالوعي وثقافة الذات ونبذ الجهل الذي يسهم في تغذية الفاسدين،
ويكون ترياقهم للصعود والتمكن
خالص الشكر والتقدير لحضرتكم في نثر الحروف التي تمتد من واقع مجتماعتنا
اليكم النص
قصة_قصيرة
أنا النائب المنتظر
أقف كل يوم في الشوارع، أوزع الابتسامات كما توزع الهدايا الزائفة. أربت على أكتاف الرجال بحنان مصطنع، وأصافح النساء بدفء لا أشعر به. كل حركة مدروسة: فقد طبقت كتاب لغة الجسد بكل إتقان.
الانحناءة، الضحكة، حتى تلك النظرة التي تبدو وكأنها تهتم بكل كلمة.
يقولون عني:
“ما أطيب أحمد بيه! قريب من الناس، ابن بلد.”
لو عرفوا كم أشعر بالاشمئزاز منهم،
ولكنني مكره على استنشاق روائحهم المختلطة بالعرق والغبار، وسماع كلماتهم الساذجة تتكرر دون معنى، وطلبات يتوهمون أنها حقوق.
أبتسم بينما يضغط داخلي على زر الغضب. أحيي بيد، وباليد الأخرى أخنق ما تبقى من صبري.
ولدي رغبة جامحة في الإبتعاد عنهم كما تبتعد النحلة من العفن.
ولكن أحتاج لهذا الرحيق أحتاج أصواتهم.
أعرف اللعبة جيداً:
السياسة ليست صدق… السياسة أداء متقن.
والجمهور لا يصفق إلا للممثل الأفضل.
حين أعود ليلاً، أغسل يدي مراراً، كأنني أزيل آثار كل يد لمستها مرغم. أحدق في المرآة فأرى نفسي موهوب في الكذب بمهارة. أهمس بصوت لا يسمعه أحد:
أيها الأغبياء
“كم هم سعداء بخداعي لهم.”
وكم أنا سعيد عندما أسمعهم يهتفون باسمي، يلوحون بالرايات الخضراء، يزغردون، يلتقطون الصور، يرفعونني إلى مقام البطل الذي سينقذهم من خراب أوهموا أنفسهم بوجوده. على المنصة، أرفع يدي بتحية المنتصر، وأبتسم حتى يكاد وجهي يبتلع الابتسامة.
حتى جاءت اللحظة التي انتظرتها طويلاً:
إعلان فوزي رسمياً
صرخوا بجنون، وهتفوا الله أكبر حتى بحت حناجرهم. أخذوا يعانقون بعضهم بفخر طفولي، بينما أنا… كنت أشعر بارتياح ثقيل، يشبه التخلص من عبء قذر. ارتياح لا يمت لهم بصلة… ارتياح لأنني نجوت من تمثيلية طويلة ومرهقة.
في داخلي، كان صوت آخر يهمس:
“لقد حان وقت استرداد ما خسرته… بل مضاعفته.
نزلت من المنصة ببطء، والسعادة ترتسم على ملامحي كقناع لامع. تقدمت نحو السيارة وسط الزحام.
كانوا يريدون كلمة مني، وعداً جديداً، نظرة أمل… أي شيء يمنحهم شعوراً بأنني واحد منهم.
لكنني لم أعد بحاجة إلى ذلك. فالعقد بيننا قد اكتمل: هم منحوني الأصوات… وأنا أعطيتهم الوهم.
أحمد_الغنيمي