السبت، 29 نوفمبر 2025

لا ينفع الندم بقلم فتحية المسعودي

لا ينفع الندم
قصة قصيرة وبسيطة، تعكس جوانب من الحياة الواقعية.. للأديبة المغربية فتحية المسعودي 

الجو صافٍ، هادئ وجميل. فاتنة تتراقص بين الأزهار.. يفوح عبيرها في كل أرجاء العلالي، مفتخرة بأصلها وجذورها العريقة.
تغير الطقس فجأة!.. رياح قوية، غبار متطاير، فقدت بعضًا من أوراقها وأوشك غصنها على الذبول.
ما أقساك يا خريف! على الكائنات اللطيفة ذات الإحساس المرهف 
مر عابر سبيل؛ لكثرة طولها ورشاقتها رمقها من بعيد، اندهش من سحرها وجمالها، فانقض عليها بكل جرأة! وقطفها بحجة أنه سيحفظها من كوارث الطبيعة.
وضعها في أجمل مزهرية وسقاها من أعذب المياه، لتنتعش من جديد وتستعيد أوراقها المفقودة.
ازدادت جمالًا ورونقًا،
لكن عابر السبيل غير سلوكه بعدما تأكد أنها أصبحت ملكًا له وحده، لا أحد يستطيع الوصول إليها وهي في مزهريته الأنيقة، فتوقف عن الاعتناء بها، أصبحت بالنسبة له كائنًا عاديًا خُلق ليمتع بصره بجمالها الفتان، 
بدأ اليأس ينتابها، وأحست أن أغصانها بدأت تتثاقل بسبب الذبول، ونفد صبرها فقالت:
أخرجني من هذه المزهرية أرجوك، واغرسني حيث قطفتني، في بستاني الذي يتوفر على الهواء الطلق، حيث أعيش حياتي الطبيعية.
فتعجب من كلامها وقال:
كيف تطلبين العودة إلى البستان رغم الرياح والغبار وقساوة الخريف عليك؟
ردت عليه، والحزن بادٍ على محياها الذي بدأ لونه يتحول إلى الاصفرار، وقالت:
اشتقت كثيرًا لغبار يتطاير حولي ويؤنسني حتى لا أشعر بالوحدة المملة، ورياح تداعبني وتراقصني لتدخل على قلبي البهجة والفرح، وبعدها تزورني الشتاء لتنظفني من الغبار وتسقيني بماء طبيعي عذب.. والأجمل عندما يحين الربيع فيزين أغصاني بألوان زاهية ويعطيني قوة وحيوية، أما بيتك ومزهريتك، فلم يعطِياني شيئًا غير الملل والاختناق المستمر، أكاد أختنق في مزهريتك الضيقة لقلة الأكسجين، لم أعد أقوى على التنفس!.
لم يبالِ عابر السبيل بكلامها، كان يظن أنها ستتأقلم تدريجيًا مع المزهرية الضيقة، هكذا استهان بكلامها ولم 
 يعرها أي اهتمام.
استيقظ في اليوم التالي.. ذهب اتجاه المزهرية ليمتع نظره بالزهرة كعادته كل صباح، ولكن دون جدوى، لم يجد هذه المرة الزهرة في مكانها! بل وجد بقية أوراق ذابلة مبعثرة حول المزهرية، وساقًا مائلًا، على ما يبدو من ضعفه ولونه البني الغامق أنه لفظ أنفاسه الأخيرة!،
اندُهش من الموقف فتحرك بسرعة وغير ماء المزهرية، فانحنى يجمع الأوراق الذابلة ويلصقها مع الأغصان والساق، ولكن ما إن استعاد تركيزه حتى أدرك أنه قد فات الأوان.
وعرف حينئذ أنه قد تصرف بأنانية، تألم كثيرًا لخسارة أجمل شيء في بيته، الشيء الذي كان يريح أعصابه ويعطي لبيته جمالًا وبهجة ودفئًا. 
أحس بالذنب، وبدأ يردد كلمات غريبة كالمجنون، كسر المزهرية الجميلة، وأدرك في آخر المطاف أن الأوان قد فات.
لا الحزن ولا الألم يعيدان له زهرته الثمينة.
فكانت عبرة له ولكل شخص يمتلك في بيته زهرة جميلة أصيلة الجذور، فيهملها ولا يعطيها حقها من العناية الكافية. 
عليه إعادة النظر في ذلك، وإلا سيفقدها ولا ينفعه الندم. 

فتحية المسعودي
المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

رَهْنُ اليَقِينِ بقلم ناصر إبراهيم

#رَهْنُ اليَقِينِ  لَيسَ الغَدُ عِندِي إلَّا رَهْنَ يَقِينٍ صَلْبٍ، أَرنُو إلَيهِ كَمَا يَرنُو المُحَارِبُ إلى فَجرِ النَّصرِ. إِنِّي أُعلِّ...