أيها الصديق القديم، أيتها المساحة الزرقاء اللامتناهية، يا من كنت شاهدا على أسرار قلبي، وعلى أحلامي وهمومي التي حملتها إليك...كنت لي ملاذا آمنا ألوذ بك حينما تضيق بي الدنيا.
أيام طفولتي، كنت أقف على شاطئك، أنظر إليك بعيون بريئة، تراقب حركة أمواجك وهي تتراقص فرحا...أستمع إلى هديرها وهو يملأني بالرهبة والدهشة في الآن نفسه. أعتبرتك دائما كائنا عظيما تختزل أسرار الكون، وتخفي في أعماقك كنوزا لا تعد ولا تحصى.
أيام مراهقتي وشبابي، كنت لي معلما عظيما، علمني الصبر والمثابرة، وأن الحياة بحر عاصف مثلك، قد تهدأ أحيانا، لتثور أحايين أخرى، وما علي الا أن أتعلم كيف أتصرف في كلتا الحالتين...لقد كنت لي مرآة، أرى فيها انعكاس نفسي، وأكتشف جوانب من شخصيتي لم أكن أعرفها من قبل...وفيك راجعت دروسي قبيل امتحانات البكالوريا في صباحاتك المشمسة...لقد أحببت فيك هدوئك الذي يبعث في النفس السكينة، وقوتك التي تبعث في القلب الإعجاب، وجمالك الذي لا يضاهيه جمال...وجدت فيك متعة لا تعادلها متعة، وأنسا لا يعادله أنس...أنت أكثر من مجرد مسطح مائي، أنت رمز للحياة، و مصدر إلهام لا ينضب...كم قضيت من الليالي الطوال على شاطئك، أحمل قصبتي وأترقب حركة الطعم في الماء...أنتظر بصبر شديد حركة الخيط والتهام السمكة للصنارة، مستمتعا بصوت الأمواج ونسمات الهواء العليل التي تهب على وجهي لتذيقني بعضا من ملحك... كنت حينها أشعر وكأنني جزء لا يتجزأ منك، وكأني صخرة من الصخور التي تحد من جرأتك على اليابسة..سأظل ارقبك دوما، صديقي القديم الجديد، حتى آخر لحظة في حياتي..فأنت مصدر إلهامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق