الاثنين، 30 ديسمبر 2024

(4)فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين بقلم علوي القاضي

(4)فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين(4)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق فقد أجاد الكاتب (فراس عبيد) فى وصفه لـ (الأسرار الثلاثة) التى يجب أن يتمسك بها الإنسان لتحقيق التوازن النفسي الكونى ، وإخراج كل طاقته لضمان تفاعلة الإيجابى مع الكون من حوله ، حتى ينصهر فيه ويصبح جزءا لايتجزأ منه
... وقد إهتمت كل العقائد والفلسفات والمذاهب الدينية بفكرة التوازن النفسي والصفاء للباطنى لضمان التوازن الكوني 
... ومن قراءاتي عن (البوذية) ، لاحظت أن فلسفتها حلت تلك الفكرة بعبقرية منقطعة النظير ، فهي تسعى دوما لهذا التوازن الكوني ، لكي تهرب من نتيجة الأثر ودفع الضريبة التي يلزمها عمل مايعتبر خيرا أو يعتبر شرا
... ف (البوذي) يحاول قدر المستطاع أن يخلق التوازن الذي يحققه الكون في نفس الوقت وهو مايسميه (الكارما) ، ونسميه نحن في (كيميت الماعت) ، ويحقق ذلك في تدريبات قاسية حتى يصل لمستوى يدعى (النرفانا) ، وساعتها فقط يصبح إنسانا كونيا ذائبا فيه لامعنى عنده لخير ولامعنى لشر ، لأنه بذلك وقف على مؤشر الميزان وهو في المنتصف بالضبط ، وهذا لايتحقق إلا في الكلية والشمول ، أي (إنعتاق) من الإرتداد بين المتناقضات ، بل يصبح جامع لكل المتناقضات في نفس اللحظة ، ويخرج من هزات اللذة والألم كنتيحة لأفعاله ، وينصهر ويصبح هو ومجرته شئ واحد ، فخير له أن يقتل العقرب وذلك شر للعقرب ، وخير للعقرب أن يقتله وذلك شر له 
... ومن هذا المنطلق دعونا نغوص في الذات الإنسانية ومايعتريها من ألم ولذة ومن خلالها نفلسف حياتنا 
... فالبحث في الذات الإنسانية عن (اللذة والألم) من وجهة نظر بحتة ومجردة ، فإننا عندما نحاول البحث فى الوجود ، فهذا يعنى البحث عن رؤية الإنسان وإحساسه وإنطباعاته وإنفعالاته ودوافعه الداخلية ، فهو الكائن الوحيد الذى يستقبل الوجود بوعى وإدراك إنساني 
... فالحياة الإنسانية هي مجموعة من الإنطباعات قد صورت المشهد الوجودى وتتحدد هذه في جهتين (اللذة والألم) ليتم إختزان تلك الصور والإنطباعات فى الدماغ لنستدعيها عند الحاجة ، ف (الأفكار) نتاج مجموعة صور هائلة تم ترتيبها وتجميعها بطريقة نراها منطقية أو خيالية ، لتحقق حالة من الإشباع الجسدى والنفسى ، وتكون رؤيتنا المغلوطة للحياة أننا منحنا الإستقلالية للذات الإنسانية بالمعنى والقيمة والغاية بالرغم من أنها إنطباعات في الذات الإنسانية فغفلنا عنها وجمدناها ولم نستخدمها ، فـ (الحياة) تتطلب إيفاء لتلك الحاجات النفسية فى الأساس في النفس الإنسانية لتصل إلى (اللذة) ، أما (الألم) فهو الطريق لمعرفة من أين يأتى (المعنى) و (القيمة) و (الغاية) لهذا الوجود والحياة 
... ولذلك فإن القول بأن الأخلاق نسبية يعود للمدرسة اليونانية المعروفة بـ (السوفسطائية) التي إتخذت شعارا يؤكد نسبية المعرفة والقيم على حد سواء ، وهو أن الإنسان مقياس كل شيء ، والقول بالنسبية أيضا مرده إلى أن (الفعل الأخلاقي) يتمثل في إرضاء الطبيعة البشرية من منطلق أن (اللذة والألم) هما الكيفيتان اللتان تتحدد وفقهما القيمة الخلقية ، فكل ماهو (خير فيه لذة) ، وكل مافيه (شر فيه ألم) و (اللذة) نوعان (جسمية) و (عقلية نفسية) ، والإنسان بطبيعته (يرغب) في اللذة و (يتجنب) الألم 
... فـ (الفعل الأخلاقي) هو الفعل الذي يفضي إلى نتائج سارة ، وتعود جذور هذا المذهب إلى المفكر اليوناني (أرستيب القورينائي) الذي رد القيم الخلقية إلى اللذة ، فالخير حسبه مايحقق لذة والشر مايحقق ألما ، إذ يقول ، اللذة هي الخير الأعظم ، وأنا مع اللذة وإن جلبت لي العار ، واللذة المقصودة عنده هي لذة الجسد وأقواها إطلاقا لذة البطن وفي هذا يقول ، اللذة هي الخير الأعظم ومقياس القيم جميعا ، هذا هو صوت الطبيعة ، وماالقيود إلا من وضع العرف ، وغير بعيد عن هذا الموقف يعتقد (أبيقور) الذي عمل على تطوير (اللذة) وربطها إلى المنفعة ومن فلسفته :
.. أن اللذة والألم هما المحركان الأساسيان لكل التصرفات الأخلاقية  
.. واللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها القصوى 
.. واللذات الجسمية غير متشابهة ولاتخلو من الآلام ولذا فهي ليست مصدرا للسعادة 
.. بل السعادة تتحقق في اللذات المعنوية العقلية 
.. وفي هذا يقول : خذ اللذة التي لايعقبها الألم وتجنب الألم الذي لايتبعه شيء من اللذات ، وتجنب اللذة التي تحرمك من لذة أعظم ، أو يترتب عنها ألم وتقبل الألم الذي يخلصك من ألم أعظم منه 
... وفي العصور الحديثة يأخذ (جرمي بنتام) بمذهب اللذة وقد وضع مقاييس للمنفعة :
.. كالشدة (هل اللذة قوية أم ضعيفة) 
.. والمدة (هل اللذة مستمرة أم مؤقتة) 
.. والقرب (هل هي قريبة أم بعيدة) 
.. والإمتداد (هل تمتد إلى الجميع) 
.. والخصوبة (هل يكون الخير في الحاضر أم في المستقبل) 
..والنقاء (هل كل لذة هي لذة صافية أم أنها تمتزج بالألم)
... وإلى لقاء في الجزء الخامس إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

يامن اتانى على الخاص طالب النجده بقلم توفيق المجعشي

يامن اتانى على الخاص طالب النجده فاليش تهرب وتسكت كن مانتَ جيت من مايــوم جيت للان صار لك مُــــده طلبت مني قصيده وانا لك سويت ماتدري انَ سك...