تعليقٌ بسيطٌ
أمامي وَمضتانِ قَصصيتانِ ، للكاتبةِ إقبال جمعة / سوريا
أثارتَـا فيَّ مرارةَ شجُونٍ، وَ دمعةً
حَرَّىٰ، وَ أنَـا أشاهدُ صباحَ مساءَ
مَآسٍ وَ فَواجِعَ كارثيةً في شاشاتِ
التِّلفاز.. فكتبتُ ما أمكنني لذلكَ
دونَ تحضيرٍ وَ لا تَخطيطٍ..
الوَمضتانِ...
* " غَرْثَىٰ "
اسْتَعْصَىٰ عَلَيهِمُ ٱلرَّصَاصُ؛
تَمَكَّنَ مِنْهُمُ ٱلرَّغِيفُ.
* " شَقَاءٌ "
عَقَدُوا هُدْنَةً؛ خَانَتْهُمُ ٱلمَؤُنَةُ.
التَّعليقُ...
جوعٌ لعينٌ أخذَ مأخذًا كبيرًا في الأجسادِ، وَ حوَّلها إلـىٰ أجسادٍ غَرْثَىٰ، مُتهالِكةٍ، لا تَقوىٰ عَلـىٰ الصُّمودِ بوجهِ ريحٍ صَفراءَ لا تُبقي
وَ لا تَذرْ!
ثَمَّةَ عبارةٌ تعبِّرُ عن فكرةٍ دينيةٍ
وَ أخلاقيَّةٍ عميقةٍ، لِمَنْ يَفهمُهَـا،
وَ يَعطي الإنسانُ حَقَّـهُ في العَيشِ
بكرامةٍ وَ احترامٍ.. مَفادُهَــا:
"الإنسانُ بُنيانُ اللهِ.. مَلعونٌ مَنْ
هَدمَهُ"
فَالحقُّ في الحياةِ حقٌّ أساسيٌّ
لِكلِّ إنسانٍ في الوُجُودِ، يتمثلُ في
عدمِ التَّعرضِ لِقتلهِ أو تجويعِهِ،
وَ هَدمِ بُنيانِهِ جَسديًّا أو معنويًّا،
وَ ذلكَ عملٌ مرفوضٌ ومُدانٌ، في الشَّرائعِ السَّماويَّةِ، وَ الوَضعيَّةِ..
جَميعًــا.
الوَمضتانِ القَصصيَتانِ (غَرْثَىٰ
وَ شَقَاءٌ) رَصَدَتَـا أَوجاعًا أَوغلَتْ بِمعوَلِ الهَدمِ في سلبِ حياةِ بُنيانِ اللهِ تَعالـىٰ " الإنسانَ "، وَ أمامَ أنظارِ عَالمٍ "مُتَحَضِّرٍ/مُتَدَنٍّ " دونَ أنَ تَرِفَّ لهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ!
المفارقةُ في الوَمضتينِ اِستَعملتِ التّناقضِ أو التَّعارضِ في الأفكارِ أو الأحداثِ لِتَقديمِ مَعنًىٰ أعمقَ لإثارةِ الدَّهشةِ لَدَىٰ القَارِئ.
وَ لَقدْ أجادتِ الكاتبةُ أيَّمَا إجادَةٍ،
في إسلوبِ مُفارقتِهَـا، وَ اعتمدتْ
علـىٰ تناقضٍ وَ تضادٍّ لإثارةِ الدَّهشةِ
وَ تعميقِ المَعنىٰ في الومضةِ.
تَمكنتْ مِنْ إحداثِ صدمةٍ إدراكيَّةٍ لَدىٰ القارِئ، فَدعتْهُ لِلتفكيرِ في
جَوانبَ جديدةٍ وَ غيرِ متوقعةٍ مِنَ التَّجربةِ الإنسانيةِ.
* " غَرْثَىٰ "
في الوَقتِ الّذي اِسْتعصَىٰ وَ اشتدَّ
علـىٰ الرصاصِ الإصابةِ وَ القتلِ..
إنْبَرَىٰ الرَّغيفُ- رَمزُ الحَياةِ- بِالقتلِ!
فَمَا أقسىٰ هذا الحالُ!
في ستِّ كلماتٍ، وَضعتِ الكاتبةُ
المُتلقِّي أزاءَ مفارقةٍ مَلحميَّةٍ، مأساويَّةٍ، وَ فتحتْ أمامهُ آفاقَ التَّأمُّلِ وَ التفكيرِ بِطرقٍ جديدةٍ، غيرِ تقليديةٍ، لِتفسيرِ النَّصِّ.
* " شَقَاءٌ "
تكررتْ نفسُ المأساةِ، بِأربعِ كلماتٍ، بَيَّنتْ حالةَ شقاءٍ يَتكبَّدهُ إنسانٌ، قُدِّرَ
لَهُ أنْ يَعيشَ في بقعةٍ بِعينِهَا.
فَمنْ خلالِ هُدْنَةٍ تَتوقفُ فيها مؤقتًا أعمالٌ قتاليةٌ، وَ عدائيةٌ، فَرضتْها قوةٌ غاشمةٌ، مؤقتًا، وَ هي سكونُ أصواتِ المدافعِ، وَ استراحةٌ في الميدانِ.
وَ.. عَوْدٌ علـىٰ بَدْءٍ، تَأتي المفارقةُ
هُنا صادمةٌ بِحَقٍّ!
فليسَ القتالُ هو مَنْ يَبيدُ وَ يَقضي
علـىٰ بقايَا الــ (إنسانِ)، إنَّمَـا شِـحُّ
وَ انعدامُ الغذاءِ (رغيفُ الخبزِ في الومضةِ الأولـىٰ) هو مَنْ يتولـىٰ الإبادةَ
وَ التَّقتيلَ، بِهدوءٍ وَ سكينةٍ!
فمَا أصعبَ هذا التصوُّرُ، بَيْدَ أنَّهُ
واقعٌ بِحَذافيرِهِ، وَ ماضٍ إلـىٰ أنْ
يَتحقَّقَ حُكمَ اللهِ تعالـىٰ في:-
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء ــ ١٠٥).
مَعَ أطيبِ التَّحياتِ
صاحِب ساجِت /العِرَاق

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق