الاثنين، 27 يونيو 2022

حديث العين بقلم رَجا الاشقَر

 بِقَلَمْ : رَجا الأَشْقَر ( أديب وشاعر)


حديث العين


مَا لَكَ تُشِيحُ بِوَجْهِكَ عَنّي؛بَعْدَ أَنْ شَبِعْتَ مِنّي،وَترَكْتَني

وَحِيدَةً ، أَسْتَظِلُّ فَيْءَ أَشْجَارِ الحَورِ في قَيظِ تَمُّوزَ ،

وَأَقْبَعُ في العَراءِ في قَرِّ كانونَ؛ ولا مَنْ يُؤْنِسُ غُربَتي،

أَوْ يَدْفَعُ عَنّي نَقْمَةَ الجُحودِ ، وُحُرْقَةَ التَّسَيُّبْ ؟ ..

ماذا فَعَلْتُ لَكَ حَتّى هَجَرْتَ مَطْرَحي ، وأدَرْتَ ظَهْرَكَ

لي؛ وَأَنْتَ بَعدُ غَيرُ قَادِرٍ على الإِسْتِغْناءِ عَنّي؛ والشَّحُ

يَطْرُقُ بَابَكَ في عِزِّ الحَاجَةِ إِلى المَاءِ؛ وهُوَ مُلكُ يَدَيَّ؛

أَجودُ بِهِ على العِطَاشِ بِمَحَبَّةٍ ؛ فلا أُرْهِقُ جُيوبَهُم

الخاوِيَةِ ، ولا أَطْلُبُ لِنَفسي حَاجَةً ، أوْ أَسْأَلُ أَحَداً

مَشورَةً أو نُصْحا ؟ ..

أَنا لَمْ أَبْخَلْ عَليكَ بِماءٍ؛ يَومَ كانَ في بُلوغِهِ دارِكَ حُلُماً 

بعيدَ المَنالْ.. فَلِماذا اسْتَنْزَفْتَ كُلَّ طاقاتي،وَصَادَرتَ

مُعْظَمَ أوقاتي ؛ ولَمْ يَكُنْ يُشْبِعُكَ نَهارٌ ،حَتّى تَأْتِيني

في عِزِّاللَّيْلِ،وفي سَاعاتِ الفَجْرِ الأُولى لِتَمْلَاَ جِرَارَكَ

وَأَوْعِيَتَكَ؛ دونَ أنْ تَتْرُكَ لي بَعضاً مِنْ وَقْتٍ أَخْلُدُ فيهِ

إلى الرَّاحَةِ ، وأَنْعَمُ خِلالَهُ بِصَوتِ سَقْسَقَةِ الماءِ في

جُرني ؟..

وأنا في عِزِّ صِبايَ كُنتُ مَصْدَرَ الخَيرِ والبَرَكَةِ،وعُنوانَ

الأَصالَةِ والعطاءْ.. وأَذْكُرُ جَيِّداً كَيفَ أنَّ الدَّربَ إلَيَّ

كانَتْ كَالمَحَجَّةِ،وعَجْقَةَ النَّاسِ في داري كانَتْ مَدْعاةً

لِلْفُرْجَةْ .. وَلَطَالَما حَسَدَتْني العُيونُ،وتَناوَلَتْ قِصَصي

الأَلْسُنُ، وَاصْطَفاني الأُدَباءُ والشُّعَراءُ في رِوَاياتِهِمْ 

وأَشْعَارِهِمْ، وَتَحَدَّثَ عَنّي النَّاسُ في صُبْحِيَّاتِهِمْ،وفي

عَشِيَّاتِهِمْ..كانَ الكُلُّ يَذْكُرُني بِالخَيرِ؛ حَتّى الحَيوَاناتُ

البَرِّيَّةُ ، وَقُطعانُ الماشِيَةٍ ، وأَسْرابُ الطَّيرْ ..

كُنتُ وَفِيَّةً لِهَؤلاءِ جميعاً طِيلَةَ عُقودٍ؛ضَنينَةً بِرِفْقَتِهِمْ،

وَحَريصَةً غلى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ دونَ مِنَّةٍ أو تَمْييزْ ..

تَعَهَّدْتُ الشُّرْبَ، والغَسِيلَ، والزَّرعَ، والضَّرعَ؛ فما ضاقَ

بي صَدْرُ، ولاحالَ بيني وبَينَ تَوفِيرِها أَمْرْ .. تَمَتَّعْتَ

بِثَروَتي ، ثُمَّ أَنْكَرتَ نِعْمَتي ، ولَمْ تُراعِ العِشْرَةَ ، ولا  

عَنَّتْ على بِالِكَ ذِكرى، ونَسيتُ أنَّ في جُعبَتي أَسْرارٌ

تُدينُكَ ، وفيها بَعضٌ مِمّا يُلَطِّخُ جَبينَكْ .. لَكِنَّيِ أَحْفَظُ

العَهْدَ، ولا أَخونُ الوِدَّ خَوفاً مِنْ شَيْنٍ يَلْحَقُ بِسيرتي،

وَلَعْنَةٌ تَطالُ حِجارَتي ..

إِنَّ أَكْثَرَ ما يُؤْلِمُني في هذا الزَّمَنِ ليسَ غُرْبَةً سَكَنَتْ

داري،ولا إهمالاً عَشَّشَ في مِزْرابي،وجُرني،وحِجَارتي،

بَلْ ما هُوَ أَفْظَعُ وأَشَدُّ إيلاماً لي .. إنَّها آبارُ الصَّرفِ

الصِّحِّيِّ ذاتُ الغَورِ المَفقودِ الّتي أَنْشَأْتَها فَوقَ مَجْرايَ،

وَبِمُحاذَاتِهِ ؛ فَلَوَّثْتَ مِياهي، وقَطَعْتَ رِزْقي، وأَسَأْتَ

إلى سُمْعتي، وَباعَدْتَ بيني وبَينَ الّذينَ كانوا يَغْمُرونَ

أيّامِي بالبَهْجَةِ، وَيَنثُرونَ على دَربي أَزاهِيرَ الجَمالْ ..

أَيُّها الأَنانِيُّ المُتَعَجْرِفْ ..لَنْ أُعَدِّدَ حَماقاتٍ ارتَكبْتُها ،

وتَرْتَكِبُها في كُلِّ يَومٍ بِحَقّي، وَبِحَقِّ غيري مِنَ مَوارِدِ

عَيشِكَ الّتي تَتَدَهْوَرُ بِشَكْلٍ سَريعْ.. يكفي أنْ تُشاهِدَ

بِأُمِّ العينِ ما حَلَّ بِها مِنْ تَدَاعِيَاتٍ خَطِيرَةٍ ؛ لِتُدْرِكَ

_ ولَوْ مُتَأَخِّراً _ هَولَ ما جَنَتْهُ يَداكَ ، وَتَنْدَمَ سَاعَةَ

لا يَنْفَعُ النَّدَمُ ، وحِينَ يُصْبِحُ العَديدٌ مِنْ مَوارِدِ عَيشِكَ مُهَدَّداً بالزَّوالْ ..

قَدْ يَأتي يَومٌ تَعودُ فيهِ إلى حِضْني صاغِراً؛ لِتَنْهَلَ مِنْ

مَورِدي كما يخلو لكَ، ولِتَعْتَذِرَ عمّا سَبَّبْتهُ لي مِنْ أَذى؛

لَكِنَّكَ لَنْ تَجِدَ عِندي ما يَكفيكَ ، وما يُرْضيكَ ؛ ولَنْ

يكونَ عِندَها لِلعَودَةِ معنى ، ولا لِلإِعْتِذَارِ مَكانْ ..


27/8/2021 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لمن تنادي بقلم عادل العبيدي

لمن تنادي —————————- شظايا زجاج تناثرت  على أوراقي أوحى إلي درر تضيء كلماتي  أم شفرات حقد مزقت أشعاري لم أر غير ألوان الغبار ولم أسمع غير صو...