ـ قالت : طارق
ـ قلت : نعم
ـ قالت : لقد مللت من تصرفاتك ..
ـ قلت : اي تصرفات ،انا وأنت كنا في نقاش حر ومفتوح ، تحدثت دون خلفيات ..
ـ قالت : يظهر أنك قديم نوعا ما يا طارق ، أفكارك تعكس بلدتك وأفكارهم ، الحب العذري والصدق وهلم جرا هي مجرد إسقاطات أخلاقية متقادمة ، الواقع شيء آخر يا طارق ، ما قصدته قبل قليل هو حكم قيمة على الاشياء ،لكل عصر تفكيره ولغته ، صراحتك متجاوزة ، انا جئت الى هنا من أجل الانفلات من رقابة القيم المتقادمة ، الانسان ملك لنفسه و مسؤول عن تصرفاته .
ـ قلت : ما قصدته يا هدى لم يكن حكم قيمة ، بل حكم صادر عن تجربة وقناعة ، البلدة والبيئة ليست لها دور فيما أنا عليه ، وإنما الإنسان هو الكفيل بخلق بيئته والتكيف معها ، الأخلاق لا تتجزأ ولا تخضع لأي معيار مادي يا هدى ، العلاقات الإنسانية إن اكتفت بالجانب المادي فقدت جانبها القيمي وأصبحت مجرد تصرفات عبثية غير متزنة ، لا أرضى لنفسي أن تصبحي مثلا أنت مجرد شيء لا قيمة له ، تبقين تحت تصرف نزوة عابرة لشخص ما ، إنها يا هدى مشاعية، الحياة هي مجموعة قيم إن فقدناها فقدنا إنسانيتنا.
ـ قالت : إنها قيمكم انتم ، لماذا تسقطون عقدكم على العالم ؟ الحياة فسيحة رحبة ، لماذا تضيقون رحابتها بنظراتكم الضيقة ، الحب ، من منا لا يحبه ويحن لأن يرتوي من فرات مائه ؟ من منا لا يحب حضنا دافئا وقبلة في شساعة هذا البحر؟ من منا لا يحتاج إلى بوتقة شوق يذوب فيها ويسبح في ملكوتها ؟.
قلت : الحب يا سيدتي في واقعنا مجرد طفل مشرد ، ينبت غريبا في بيئة غريبة ، يرضع من ثدي الشارع لبن الحرمان والفاقة ، ليصير بعضها مصابا بالأنيميا ،الحب عندنا هو تلك المسافة الفاصلة بين البطن والفرج مرتبط أساسا بنزوة وحاجة ملحتين تتناولهما بشكل فضيع ومبتذل ،ثقافتنا فيهما منعدمة ،والحاجة إليهما كذلك آنية تنتهي حالما نحقق الإشباع منها .
ـ قالت : الا تؤمن بالحب ؟
ـ قلت : بلى أومن به لكن ليس كما تدركينه أنت ، فأنا لا أختلف معك في كوننا نحتاج الى اللمسة الحانية ، والبسمة الحلوة ، المشكلة في طريقة فهمنا للأمور ،أنا أبحث عن عمق العلاقة لا ضحالتها ، دوامها لا لحظيتها ، تمنيت لو قطعت أوصالي من هذه الأرض وانتميت لنفسي ، لكن هذا لن يغير في الأمر شيئا ، أنا لا أعتبر الآخر جحيما ، بل نحتاج معه إلى لغة توحدنا وطاولة اعتراف نعترف عليها بنقائصنا ، المشكلة الأخرى هي الأنانية ، نحن أنصاف ملائكة وأنصاف شياطين ، لنحاول تحقيق نسبة ما من التوازن ، الاعتراف بالخطيئة هو قمة الحضارة ، لا أحب عاطفة رمادية يا هدى تنقشع مع أول هبة ريح .
لم تعر كلامي اهتماما ،جلستْ على رمل البحر حافية ، دلال وغنج ونوع من الصلف الأنثوي ، رأت في شخصي من خلال نظراتها الجانبية مجرد وهم يقف على رجليه ، يجوب دروب الحياة عبثا ،أحسست أني غير مرغوب في وجودي ، وانسحبت إلى اليابسة تحت وطأة الاهانة منشدا قصيدة قديمة..
بقلم إدريس بندار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق