بأجواء شتوية يتسكع البرد في الشوارع ،
جلست شهور عابسات و أيام يابسات بكامل أفراد عائلة الليالي على مائدة العشاء ، وجوههم مكفهرة حزينة من عام كئيب سقيم ، جثم في ديار تلك الخوالي ،
تفردت صغراهن ، و إسمها آخر ليلة ، فأعلنت العصيان على الكآبة ، عندما عاينت هطولا أبيض ألبسها طرحة للعرس ،
تزينت ، و عاكست أخواتها ، و تهيأت لزفتها مع الحبيب القادم الجديد .
كانت ترقبه بحذر ، من أخواتها الأكبر عمرا ، كي لا يشتاطون غيظا و غيرة منها ،
فالفصل بارد و متقلب الأطوار ، خافت أن لا يأتي بهكذا إستقبال ، من أجناس الجلساء حيث مزاجهم يتصارع فيما بينهم ، مع علمها أن كل جنس للآخر رهين .
لكنها كانت تختلس النظرات من شق بابها الموارب ، فرأت تلك الأجناس كأنهم جميعا يلعبون لعبة الحذر فيما بينهم فكانت تتخوفه ، كما يتخوف الأطفال من إنكشافهم بلعبة الغميضة ، و التي شروطها الخبء و الإختباء
تعالت همسات السمار ، و الطباع متباينة ، فالعابس ، متمسك بقشعريرة الشتاء ، و المتمرد كالبرد المتسكع بالشوارع ، و اللاهث لليل راعد ، و منهم المرح الصاخب ، يستمد عزيمته من شحنات البرق ، يبتغي مطر الرغد في فرح الوعد ،
لقد رحلت رعود الخير بعيدا ، و رعونة البحر الزاجر كميدا ، على وقع أقدام طيف الحبيب جاء يمشي الهوينة يتلمس عطر حبيبته آخر ليلة ، بين الجموع بوقت متأخر من نهايات الماضي ،
إنه طيف الحبيب الودود ، كأنه مولود من رحم أم عتود ،
فإبتسمت العروس لقد رحل الإنتظار من عينيها ، و جاء الحبيب بموعده و بمنتصف الليل يزاحم الراحل الذي لم ينل من الخوالي إلا تمنيات الموت .
فصكت وججها و ضحكت ( الليلة الأخيرة الصغرى ) كضحك شمس الربيع بأول النهار ، حين تنادي بملء فاهها ، هيا بنا لقد أشرقت للمرح و لصخب المرح ،
فالعصافير كانت تختبئ ، و صمتها ، تحت أوراق الشجر ، أيقظها ضجيج زفاف آخر ليلة ، فإستنفرت لاهية ، تلعب لعبة القفز على الأغصان تزف الفرح بزغاريدها ، ملبية نداء الصباح ، بإستقبال صباح الفرح صباح العيد ، بتغاريد شجية ، بعد أن فرشت جناحيها و صفقت بهما كما بالحفل تصفق أطفال الحي ،
كانت أجواء الحفلة مرح و صخب ، و كان العرس قائم لبزوغ الفجر ، و الجميع بسرور ،
إنطلقت العصافير مرحة تزيد الصخب بإيقاظ الحسناوات و اللوات لم ينمن بل كن بغفوات و سهوات لامست أطراف العيون، ليقبلن إلى ذرات قمح البيادر الناعمة و التي بللها الماء الفاتر ، لتكون عريكة جاهزة لخبز الصباح و الفطائر الشهية ، حيث النار نشطة ، تكوي شفاه فوهة التنور و دفؤها يشير للمة الصبايا حوله ، وهي تبوح بشذرات الحكايا ، عن الأمس لقد أمضين ليلة عرس جميلة و اللمة كانت ساحرة سامرة مع الأهل و الخلان بأجواء حميمية.
شكرا يا شتاء البرد القارص ، فالقلوب معك دافئة بالمحبة .
و الكل يقول للكل ، كل عام وأنتم بخير بقلوب نابضة بالسلام
بقلمي / عبدالإله أبو ماهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق