وقد التحق محفوظ بالعمل في ورشة لتصنيع البلاط وكذلك في مطعم حيث كانت مهمته غسيل الصحون ، واشترك مع ابن خالته الشقي مثله في معمل مخللات ليقفا عصر كل يوم يبيعا أكياس الطرشي لركاب المترو بمحطة المعادي ، وكذلك قام بالعمل كدليفري بمحل بقالة كبير بوسط المعادي ، وهناك تعرض لأول موقف محرج بحياته ، والمحل يمتلكه رجل يوناني عجوز وزوجته وليس لهما أولاد :
_ تعالى محفوظ حبيبي ، هذا عنوان مدام لوليتا ، هي تنتظر وصولك عندها بالطلبات دي
_ حاضر ياخواجة ، وهي دفعت الحساب ؟
_ لا حبيبي محفوظ ، هي هتعطيك مبلغ الستين جنيه
ذهب محفوظ بدراجته المجهزة بقفص أمامي ومثله بالخلف اخترقت دراجته شوارع حي السرايات بكل مافيه من جمال وهدوء و قصور وفيلات وحدائق وعصافير ملونة وكل الشوارع مرصوفة ومسفلتة بعناية ، كان محفوظ من شده عشقه لهذا الحي بجماله النادر هذا يسير بدراجته ببطء شديد ليمتع ناظريه بكل هذا الجمال وكان الخواجة كثيرا ما يندهش من تأخره هذا ولايفهم السبب ، أو كان يظنه يترك الدراجة ويلعب بالشارع بالكرة ، واخيرا يصل محفوظ للعنوان ، هناك كانت المدام لوليتا بانتظاره وقد شعرت بقلق لتأخره فاتصلت بالخواجة في المحل تسأل عن سبب تأخير الطلبات ، ولوليتا امرأة في الثلاثين من العمر فرنسية ذات قوام شبه نحيف ،وهذه هي المرة الأولى التي يذهب لبيتها الأنيق المكون من دورين بسلم داخلي ، لم يكن يدرك محفوظ في هذا السن عن المرأة الفرنسية أو غيرها أي شيء، ولم يكن صادف أنثى جميلة هكذا من قبل ، ولم يكن يعرف من الأساس أي شيء عن البنات أو النساء ، كان فقط يهتم بلعب الكرة والمذاكرة والعمل بالصيف ، هناك فوجيء محفوظ بأن المرأة وكأنها جاءت من عالم آخر ساحر ، وجدها لاترتدي إلا مايشبه القميص الرجالي سماوي اللون وفقط وأزراره العلوية مفتوحة ، وأنها أصرت على أن يدخل إلى مطبخها ليساعدها في وضع هذه الطلبات بداخله في أماكنها :
_تعالى بيبي بنتظرك أنا ، كيف تأخرت ؟
_ الطلبات جعلت الدراجة ثقيلة في الحركة
_ مايهمك ، بسأل عن اسمك
_ أسمي أنا ؟! محفوظ ، اسمي محفوظ ، أنت تحكي عربي
_ حكيت كتير عربي أنا هنا منذ 10سنين ، تعالى ادخل بالطلبات
عندما دخل جلستْ أمامه على مقعد بمنتصف المطبخ تضع ساقا فوق ساق أحيانا وتنزلها أحيانا أخرى ، وطلبت منه أن يضع بعض الطلبات في الثلاجة وعلى الأرفف لأنها مُرهَقَة ولا تستطيع فعل ذلك ، فوقف فوق سلم خشبي صغير وهي تناوله الأشياء ليضعها فوق الرف بينها وبينه أقل من شبرين ، وكلما التفت ليسألها عن شيء تأكد من أنها ليس على جسدها سوى القميص الرجالي القصير هذا وأن أنفاسها تتعمد ملاحقته واقتحامه بقوة ، لم يستمر الأمر إلا أقل من الربع ساعة تقريبا حتى غادر البيت غارقا في سيول من العرق والاضطراب ولم يفهم الخواجة ماذا أصاب الطفل محفوظ ابن الثالثة عشر عندما عاد للمحل مرتبكا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق