الاثنين، 10 مارس 2025

الانسلاخُ عنِ الواقع ِبقلمِ فؤاد زاديكِي

الانسلاخُ عنِ الواقعِ

بقلمِ فؤاد زاديكِي

يَتَجَلَّى الضَّياعُ في أبهى صورِه عِندَما يَنسلِخُ الإنسانُ عن واقِعِه، ليَغوصَ في عالَمٍ منَ الأوهامِ، التي تُقيِّدُ عقلَه و تَسجُنُ رُوحَه في أغلالِ الخَيالِ المُضلِّلِ. إنَّه انسِحابٌ بَطيءٌ و مُدمِّرٌ مِن الحياةِ الحقيقيةِ إلى ظلماتِ الوَهمِ، حيثُ تَذوي المشاعرُ و تَضيعُ الأحلامُ في متاهاتِ الفِكرِ المَريضِ.

حينَ يُصابُ الإنسانُ بهذهِ الحالةِ، يفقِدُ وعيَه و إدراكَه لما يَدورُ حَولَه، فيَصيرُ سَجينًا في زِنزانةٍ لا تُرى، تحُوطُها هَواجِسُه المُضطَربةُ و أفكارُه المُشتَّتةُ. إنَّه عالَمٌ يَفتَقرُ إلى الحَقِيقَةِ، يَعيشُ فيه المرءُ مُجرَّدَ ظِلٍّ لذاتهِ، لا يَعرِفُ للحياةِ معنًى، و لا يُدرِكُ مِنها إلَّا ما تَصوِّرهُ له أوهامُه المُضلِّلةُ.

و ما يُعزِّزُ هذا السُّقوطَ في أَوحالِ الخَيالِ المَريضِ هو انغِلاقُ الفِكرِ على ذاتهِ، و استِسلامُ الإنسانِ لتيَّاراتِ الأحلامِ الكاذِبَةِ، التي تَصنَعُ لهُ واقعًا بَديلاً يَبعُدُ كُلَّ البُعدِ عنِ الحقيقةِ. فيَفقِدُ القُدرةَ على التمييزِ بينَ ما هوَ حقيقيٌّ و ما هوَ وَهمٌ، و يُصبِحُ أسيرًا لِما نَسَجَه عقلُه من صُوَرٍ خادِعَةٍ و أمانٍ زائِفَةٍ.

و في ظِلِّ هذا الاغتِرابِ الذاتيِّ، تَذوِي روحُ الإنسانِ، فيُصبِحُ عاجِزًا عن مُواكَبَةِ الحياةِ، غيرَ مُدرِكٍ لمُعاناتِه، غافِلًا عن مآلِهِ المُظلِمِ. فَمن أَسَرَتهُ الأوهامُ و انخَدَعَ بالأحلامِ الكاذِبَةِ، لا يُمكِنُه أن يُدرِكَ النُّورَ، و لا أن يَسيرَ في طُرُقِ الحقيقةِ، بل يَبقى يَتَخَبَّطُ في ظَلامٍ دامِسٍ، يُردِّدُ صَدى أفكارِه المُنهَكَةِ دونَ أن يَصِلَ إلى شَاطِئِ الوَعيِ و الصَّحوَةِ.

إنَّ الحَياةَ بِكُلِّ قَساوَتِها و ألمِها أفضَلُ ألفَ مَرَّةٍ مِن الغَرقِ في بَحرِ الأوهامِ. فالهُروبُ مِن الوَاقِعِ لا يَصنَعُ سِوَى مَزيدٍ مِن الألمِ، و المُواجَهَةُ وَحدَها تَجعَلُ الإنسانَ يَعرِفُ مَعنَى الوُجودِ و يَفهَمُ حَقِيقَةَ نَفسِهِ.

المانيا في ٧ آذار ٢٠٢٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

شارع أخضر بين حكايتين بقلم سليمان نزال

شارع أخضر بين حكايتين لبسمة ِ الأطيافِ صورتها  تلتقطها أحداق ُ اللهفة ِ الجورية سنعدّ ُ لكل ِّ حرف ٍ باقته و ما بقي َ من ورد ٍ س...