د/علوي القاضي.
... قد يسأل أحدنا ماعلاقة الفيلة بشهر رمضان ؟! ، العلاقة علاقة رمزية وهذا ماسنستنبطه من قصة عن الإمام مالك وتلامذته
... جلس الإمام مالك في المسجد النبوي كعادته يروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والطلاب حوله يستمعون ، فصاح صائح : جاء للمدينة فيل عظيم ، (ولم يكن أهل المدينة قد رأوا فيلا قبل ذلك لأن موطنه في الغابات)
... فهرع الطلبة كلهم ليروْا الفيل وتركوا الإمام مالك ، إلَّا تلميذه (يحيى بن يحيى الليثي) ، ️فقال له الإمام مالك : لِمَ لَمْ تخرج معهم ، هل رأيت الفيل من قبل ، ️قال يحيى : إنَّما قدمت المدينة لأرى مالكاً لا لأرى الفيل
... لو تأمَّلنا هذه القصة لوجدنا أنَّ واحداً فقط من الحضور هو من عَلِمَ لماذا أتى وماهو هدفه ، لذلك لم يتشتت مع زملاءه ، ولم يبدد طاقاته يمنة ويسرة ، أما الآخرون فخرجوا يتفرجون ، فانظر لعِظَمْ الفرق بينهم ، ولذلك كانت رواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي عن مالك هي المعتمدة للموطأ ، أمَّا غيره من الطلبة المتفرجين فلم يذكرهم لنا التاريخ
... ومما يدعو للأسى والأسف أن في زماننا هذا تتكرر الفيلة بل وكثرت ، ولكن بصور مختلفة ، وطرائق شتَّى وخصوصاً في شهر رمضان
... وأصبح الناس في رمضان صنفان : صنف قد حدَّد هدفه ، فهو يعلم ماذا يريد من رمضان ، وماهي الثمرة التي يرجو تحصيلها ، وصنف آخر غافل لها مفرِّط ، تستهويه أنواع الفيلة المختلفة ، وتعددت فيلة هذا الشهر الكريم ، فالقنوات الفضائية والمسلسلات والأفلام وغيرها فيلة هذا الزمان ، فاحذر أخي الكريم من الفِيَلة وبريقها ، فإنها ستسلب منك أفضل شهر بالعام ، لأن شهر رمضان شهر العبادة ، وليس شهر الملذات والسهرات ، فمنهم من يكون كيحي ومنهم من يكون كالطلبة الذين غادروا مجلس العلم
... وهنا يلح علينا سؤال هام ، لماذا لا يحترم الإعلام قدسية شهر رمضان ؟! ، ولماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهي بدلا من من أن يكون شهر روحاني ؟!
... لست شيخا ولا داعية ، ولكني فهمت الآن لماذا كان والدي يغلق التلفاز طوال شهر رمضان رغم أن برامجه كانت محدودة وقنواته لاتتعدى الثلاثة ، كنت طفلًا صغيرًا أحب اللهو ولست مكلفا لذلك كنت أغضب من أبى الذي منعني وإخوتي من مشاهدة الفوازير وبرامج الأطفال ، بينما أصدقائي يتابعونها ، وكانت دائما إجابة والدي أن (رمضان شهر عبادة وليس فوازير !)
... في حينها لم أكن أفهم منطق والدي وكنت كطفل أعتبره تشددًا فى الدين لافائدة منه ، فكيف سيؤثر مشاهدة طفل صغير (لم يكلف بعد) للفوازير في شهر رمضان ؟!
... أحبابي ، من منكم عنده القوة الإيمانية لتعظيم شعائر الله ، والقدرة الروحية ليلفظ ملذات الحياة وسيغلق جهاز التلفاز في رمضان ؟!
... مرت السنوات وأخذتني أحداث الحياة وغطى إهتمامي بالدراسة والعمل على سؤالي الطفولي ، حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة على هذا السؤال من أحد كتابات الدكتور/مصطفى محمود رحمه الله حيث يقول :
.. أن رجلا مسنا أمريكيا غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية ، ويعمل في (محطة بنزين) اعتاد الدكتور دخولها لتناول القهوة أثناء ملء السيارة بالوقود
.. وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخل لتناول القهوة كعادته فإذا به يجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة الخمور ، وعندما سأله الدكتور وكان حديث عهد بقوانين أمريكا :
لماذا تضع أقفالاً على هذه الثلاجة ؟! فأجابه : (أن هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح)
.. نظر الدكتور إليه مندهشا قائلا : أليست أمريكا دولة علمانية لماذا تتدخل الدولة فى شيء مثل ذلك ؟!
فقال الرجل : (الإحترام ، يجب على الجميع إحترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم ، حتى وإن لم تكن متديناً ، إذا فقد المجتمع الإحترام فقدنا كل شيء)
... نعم الإحترام (الإحترام) بمعنى تعظيم شعائر الله ، هذه الكلمة يجب أن تدور فى عقولنا كل الأيام والسنين ، فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية فى أمريكا ، ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام ، إنها مسألة إحترام فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام ، وليس من الإحترام (السكر) فى معية ذلك الضيف ، فلتسكر ولتعربد فى يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك ، أنت حر في اعتقادك والتزامك واحترامك لشعائر الله ، ولكن فى هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانونًا !
... نحن أولى منهم باحترام وتعظيم شعائرنا الإسلامية ، أتمنى أن نحترم شهر القرأن ، ونعرف ماذا نشاهد ، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خير منه (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
نحن على قناعة أن إعلامنا نزع الإحترام من قاموسه وتبنى التفاهة والإسفاف والسطحية
... فهل سنعظم شعائر الله ونتحلى بإحترام شهر رمضان ؟!
... كل عام وانتم بخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق