الأحد، 13 يوليو 2025

الأرض لمن يحرثها بقلم عبدالإله ماهل

الأرض لمن يحرثها
قصة قصيرة لكاتبها عبدالإله ماهل من المغرب 
استفاق على ذوي صفير ينبعث من مصدر بأعلى تلكم الشجرة ذات التين الأسود التي لم ينيبها من تقلبات الدهر شيئا، صامدة كالصخرة الصماء، تتوسط في شموخ جنينة ذلك المنزل القابع كاليتيم يوم العيد بين أدغال وادي أم الربيع.
أطل من أعلى الشرفة، تفقد حواليه؛ فإذا به وجها لوجه مع طائر من فصيلة الحسون في حالة هستيرية، يرفرف بجناحيه ولا يبرح مكانا، يزمجر بأعلى الاصوات؛ وكأنه يريد إيصال رسالة ما.
أرهف السمع، واستهام نشوان على إيقاعات اختلفت ألوانها حتى كاد أن ينسى نفسه في خضمها.
احتار في أمره؛ فلا المدينة ارتضاها نهاية مشوار لحياة تأرجحت بين وبين، خرج منها ولله الحمد بسلام؛ ولا البادية بكل ما رحبت، وسعت ابنها ضيفا عزيزا حل بها.
جال بعينيه على مد البصر؛ يحاول جادا سبر أغوار كانت بالأمس القريب تعج بالبشر والشجر، إلا أنه سرعان ما ارتد عليه بصره خاسئا، يموج ويعوج على وقع أشباح تتلألأ، تتراقص في جنح ذلك السراب الذي مافتيء يتراءى، يتوارى بين كر وفر؛ وكأن المكان قد خلا من كل ذي حي يرزق.
استوحش المكان وأهل المكان، ولا من أحد خبط على بابه؛ طالبا راغبا في ابن عم، يجالسه على كوب شاي، ويؤانسه على حديث ذي شجون؛ عساه يعيده إلى أصل الحكاية حيت لمة أبناء العمومة.
دارت به الدوائر حتى كاد الدمع ينهمر من عينيه، واستحضر يوم استقر عليه نصيبه في الميراث مجرد دار آيلة للسقوط، ساعتها تقبلها بقبول حسن وقام من توه يعيد ترميمها؛ متحديا ألسنة مافتئت تردد "بناء الخلاء يبقى في الخلاء".
انتابه شعور قاتل جثا بكل ثقله على صدره، ولم يترك له من مجال سوى احساس بكونه أقل ما يقال عنه غريب الدار.
رجع إلى نفسه وعلامات التذمر بادية على محياه؛ يتأسى على ماض تولى ولم يبقي من شيء اللهم غير طلل متآكل، ينعي قبيلة بكاملها مرت من هنا، كانت أنفة وعزة نفس؛ إذ يكفي أن تجتمع على شخص حتى يسود ويستأسد على البلد ككل.
...إلا أنها بقدر ما كانت حصنا منيعا يعول عليها؛ بقدر ما توجس منها خيفة، فوقع الاختراق ومن ثم شتاتا بلا رجعة.
هبت ريح قوية، وتعالى الغبار إلى عنان السماء، وبدت البلدة خاوية على عروشها، عذراء تنتظر من يلجها، يعتمرها، يطوع ثربتها سيرا مع النهج المأثور "الأرض لمن يحرثها".
وكأنه استوعب الدرس وفهم الرسالة؛ ليقوم من ساعته ويعود أدراجه من حيث أتى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لِلَّهِ لَحْظُكِ ما أَشَدَّ لَو أَدْرَكَتْ بقلم جمال أسكندر

قصيدة (لِلَّهِ لَحْظُكِ ما أَشَدَّ لَو أَدْرَكَتْ)  بقلم / جمال أسكندر    يَا خَالِقِي إِنَّ عُرَى الهُمُومِ تَمَكَّنَتْ     سَلَّمْتُ أَمْر...